وأضافت المصادر أنّ "الحركة لم تتسبّب في هذا التشظي الذي وصلت له الساحة" بعد انحلال "نداء تونس" وانقسامه إلى معسكرين جديدين، وأنّها تتعامل مع هذه المتغيرات "بما يضمن استمرار التجربة"، والذي تربطه بالاستقرار، رغم أنّ هناك خلافا حول ماهية هذا الاستقرار ونوعيته، إذ ترى قيادات أنّ المقصود هو الاستقرار الحكومي، بينما ترى قيادات أخرى أنّ بقاء الشاهد واستقرار الحكومة لا يؤدي بالضرورة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي، بل قد يؤدي إلى العكس من ذلك تماماً.
وبرز هذا الخلاف بعد توجيه قيادات من الحركة رسالة إلى رئيسها راشد الغنوشي، تحذّر فيها من هذا الرهان الجديد على الشاهد، وما يمكن أن يحدثه من ارتباك على مستوى التجربة الديمقراطية برمتها، على حدّ تقديرهم. وبحسب المصادر، فإنّ "هناك تحولا من وضعية التوافق مع الرئيس الباجي قائد السبسي، إلى إمكانية شراكة مع الشاهد"، إذ دعا بيان مجلس الشورى الأخير إلى "ضرورة الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة، ومواصلة التفاوض مع رئيس الحكومة، لاستكمال الشروط الضرورية للشراكة، مع الحرص على إيجاد علاقة بناءة مع الاتحاد التونسي للشغل".
ووفق تقدير المصادر، فإنّ "الرئيس السبسي لن يرضى بتحوّل التوافق الاستراتيجي إلى مجرد علاقة إيجابية مع رئيس الدولة"، وهو ما تبيّن مساء الاثنين، بعد لقاء الغنوشي والسبسي، إذ أصدرت الناطقة الرسمية الجديدة باسم "النداء"، أنس الحطاب، بياناً يحمل توقيعها، يؤكد نهاية التوافق بين "النداء" و"النهضة". وذكرت الحطاب أنّ الغنوشي هو من طلب اللقاء، وأنّ "الحكومة الحالية هي حكومة حركة النهضة، وعليه فإن حركة نداء تونس غير معنيّة بدعمها سياسياً"، مضيفةً أنّ "التوافق الذي تمّ العمل به بين السيد رئيس الجمهورية وحزب حركة نداء تونس من جهة، وحركة النهضة من جهة أخرى منذ انتخابات 2014، يعتبر منتهياً".
واستغرب كثيرون من بيان وموقف حركة "النداء" على نشاط تمّ في رئاسة الجمهورية، ولم يحمل حتى توقيع المدير التنفيذي، كما جرت العادة. لكن مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد" أنّ هذا الموقف جاء في إطار العمل بالمثل، حيث تولى المتحدث باسم "النهضة" الردّ على الحوار الأخير للسبسي في وقت سابق، فجاء موقف "النداء" مماثلاً في ما يتعلّق بالاجتماع الأخير بين رئيس الدولة ورئيس حركة "النهضة".
وبصرف النظر عن هذه التفصيلات الحزبية، كشفت مصادر أنّ "النهضة مجبرة على البحث عن شريك حقيقي وقوي يمكن معه البناء لاستمرار التجربة، ولذلك فإنّ هذه الشراكة الجديدة مرهونة بجملة من الضمانات جرى التباحث فيها خلال عقد مجلس الشورى الأخير، وعرضت في لقاء جمع الغنوشي والشاهد، أمس الثلاثاء". وتتمثّل هذه الضمانات في التزام الشاهد ووزرائه بعدم الترشّح لانتخابات 2019، وهو ما عبّر عنه رئيس الحكومة في بعض اللقاءات الخاصة مع قيادات "النهضة"، ولكنه لم يلتزم به علناً إلى الآن، لأنه لا يزال متردداً بهذا الخصوص، بحسب مقربين منه.
وترغب النهضة في أن يوضح الشاهد علاقته بحركة "نداء تونس"، وما إذا كانت له مشاريع أخرى لتأسيس حزب جديد كما بدأ يتردّد في الآونة الأخيرة، إلى جانب إيضاح مضمون التعديل الوزاري وآلية التعيينات في المناصب الكبرى وفق معايير تراعي الموضوعية والكفاءة، وكذلك موازنة العام المقبل وضمانات الإعداد للانتخابات القادمة.
ويبدو أنّ هناك ضمانات أخرى وضعتها "النهضة" لهذه الشراكة، تتعلّق بتنقية المناخ السياسي ووضع حدّ لحرب الملفات وتصفية الخصوم واحترام صلاحيات الرئيس الدستورية، وبحث أفق تعاون حقيقي مع اتحاد الشغل والعمل على خطط اقتصادية ذات منحى اجتماعي.
وفي هذا الإطار، لفتت المصادر إلى تصريح رئيس مجلس شورى "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، الذي أكّد أنّ الحركة ستتفاوض مع الشاهد من أجل استقرار الحكومة وبرنامجها والتحوير الوزاري وتمرير قانون المالية في أحسن الظروف، والإعداد الجيّد للانتخابات، قائلاً: "إذا وجدنا تجاوباً بما يدعم استقرار الحكومة ويوسّع إشعاعها، سنواصل التعاون معه، ولن يكون هذا التعاون على حساب أي طرف".
ويؤكّد هذا التوجه أن لا شيء حُسم إلى الآن، وأنّ الكرة أصبحت الآن في ملعب الشاهد وإذا ما كان سيوفّر ضمانات الشراكة الجديدة التي تتحدّث عنها "النهضة"، أم أنّ الأوراق ستتبعثر من جديد ويعاد توزعها في اتجاه العودة إلى قصر قرطاج، الذي نجحت النهضة إلى حدّ الآن في الإبقاء على آخر الجسور معه ولم تقطعها كلها بالإصرار على "العلاقة الإيجابية مع الرئيس".