04 نوفمبر 2024
مفاوضات سورية تحت القصف أيضاً
احتلت عملية المفاوضات المشهد الرئيس في الصراع السوري، من دون أن يعني ذلك أن الأطراف المتصارعة، خصوصاً النظام والمعارضة، انتقلت تماماً، ومن الناحية العملية، من الصراع بالسلاح إلى الصراع على طاولة المفاوضات، فما زال النظام يقصف ويدمّر ويهجّر في أكثر من منطقة، من درعا حتى حي الوعر، وما زالت قوى غير سورية، أو ذات أجندة مختلفة عن أجندة الشعب السوري، تقاتل في هذا البلد.
لكن الانتقال إلى طاولة المفاوضات، مع بداية تبلور توجّه، وربما حسم، دولي وإقليمي يبشّر بانتهاء القتل والتدمير والتهجير، أمر ينبغي السعي إليه، وبذل كل الجهود في سبيله، لأن الخاسر الوحيد من ذلك كله هو شعب سورية كله، ولأن المستفيد الوحيد من ذلك هو النظام، وحلفاؤه الذين لا تهمهم سورية، ولا شعبها، إلا بقدر ما يعزّز هيمنتهم، ويرسخ وجودهم.
المفاوضات، من ناحية مبدئية، هي الطريق الصحيح لأخذ السوريين نحو الاستقرار والأمن والتغيير السياسي، لأن تحويل الصراع من السياسي إلى العسكري، والاستكانة له خياراً بديلاً ووحيداً، بدل أن يكون مجرّد وسيلة، هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة الكارثية التي حققت للنظام خطته بتصوير الثورة مجرد صراع عسكري بين "شرعيتها" والمتمرّدين عليها، ولأن هذا هو الملعب الذي يقوّي السلطة، ويرفع الحرج عنها، ويبرّر لها استخدام العنف. لكن خيار التفاوض ينبغي أن يعني وقف القتال والتدمير والتهجير، قولاً واحداً، وبطريقة حاسمة، وهو ما لم يركن له النظام حتى اللحظة، ونحن على بعد أيام من بدء الجولة التفاوضية الرسمية في 23 فبراير/ شباط الجاري. أيضا لا بد أن ينسجم الذهاب إلى التفاوض مع منطوق القرارات الدولية بخصوص حل القضايا الإنسانية، من أجل الانتقال للقضايا السياسية، وهذا يتطلب، بعد وقف إطلاق النار والقصف، الإفراج عن المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، وعودة المهجرين إلى مناطقهم وبيوتهم التي أخرجوا منها.
ندرك جميعاً اليوم أن ذهاب الأطراف السورية إلى قاعة التفاوض الأممية، لا يعني،
بالضرورة، أنهم هم من يتفاوض، ووفق المصلحة السورية الوطنية فقط، لأن ذلك، في حقيقة الأمر، هو بمثابة تعبير عن إرادة دولية وإقليمية أكثر من أنها تتأتى من مصالح السوريين وأولوياتهم، ناهيك عن أنها لا تأتي نتيجة قناعة النظام بالمفاوضات، وهو من كان انتهج أقصى الحل الأمني منذ البداية، كما أنها ليست وسيلة المعارضة في تحقيق غايتها في انتزاع سورية من استبداد النظام الحاكم الذي يفاوضها ليشاركها السلطة، في أحسن ما يمكن أن ينتج عنه هذا التفاوض، أو ليمنحها بعض صلاحياته ووزاراته، حسب الرغبة الروسية "شريكة النظام في قصف السوريين". وفي الآن ذاته، الراعية والضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي مهّد الطريق إلى جنيف، عبر ممر عاصمة كازاخستان أستانا.
أمام حقائق الواقع الميداني والدولي المأساوي، تبرز حقيقة واقع المعارضة بكل انعكاسات تشتّتها، وتشرذمها، وتدني إدراكها واقعها وقدراتها، ومساحة تأثيرها على قاعدة الثورة الشعبية من جهة، وعلى قرار الدول الفاعلة في الشأن السوري، من جهةٍ أخرى.
تتبلور هذه الصورة، أيضا، في التعاطي غير المسؤول مع موضوع تشكيل وفد التفاوض إلى جنيف، وتبادل الاتهامات ودفعها إلى التفاعل، بديلاً عن عقد مؤتمر جامع، يخفف حدة التناقض، ويجمع المعارضة، بمرجعية قوامها، العمل لتحقيق الانتقال السياسي المنشود، وإنهاء المأساة السورية وفق القرارات الدولية، وإيجاد آليةٍ لتنفيذ مخرجات التوافقات والتفاهمات السابقة واللاحقة لجولات جنيف التي تناسلت إلى جولاتٍ أربع، ربما تتزايد تناسبا مع تزايد أرقام ضحايا حربٍ لم تضع أوزارها بعد، على الرغم من كل التصريحات الإعلامية للقوى الدولية الضامنة والداعمة لوقف إطلاق النار، والانطلاق نحو "العملية السياسية" المصطلح الجديد الذي غاب عنه الحل، وفق التعبير المتداول سابقا "الحل السياسي".
من تنازل إلى آخر، مرت مسيرة قيادة المعارضة السورية في محاولةٍ منها التساوق مع
تنازلاتٍ كثيرة، أجبر عليها النظام أيضاً، فمن رفض النظام التفاوض أساساً لحل الصراع إلى قبوله الدخول، على الرغم من محاولات التعطيل المستمرة، إلى قاعات التفاوض مرغماً طائعاً، وفي المقابل، من رفض المعارضة بداية بيان جنيف (2012)، ثم التمسّك به، ومن رفض التفاوض، أو حتى مجرد لقاء وفود روسية، ثم الانطلاق بحماسة إلى لقائها، بل واعتبارها مرجعية تفاوضية، وضامناً موثوقاً به، لتوزيع الحصص بين المعارضين في وفود المعارضة، وآخر ذلك "حجاج" موسكو، من قادة "الائتلاف" الذي واظب سابقا على اتهام المشاركين في اجتماعات موسكو بالارتهان لها. ومن الإصرار على وحدانية تمثيل المعارضة، من "الائتلاف" أو الهيئة التفاوضية العليا، في الجولات التفاوضية السابقة، ثم قبول الشراكة مع منصات أخرى، بل والانقسام على الذات، والتعامل وفق مبدأ المحاصصة والنسب (بين الائتلاف والهيئة والفصائل العسكرية)، بدلاً من اعتماد مبدأ الكفاءة والتخصص في انتقاء الوفد وفاعلية أعضائه، ما أربك الهيئة العليا نفسها، وجعلها تواجه وفد النظام المصغر بوفد "المعارضة" الموسع، متعدّد الرؤوس والتبعيات، والذي سيضاف له وفود المنصات الأخرى.
يأتي التفاوض اليوم في جنيف 4، كسابقه جنيف 3، تحت القصف، وفي ظل غياب رؤية واضحة لـ"سورية" التي تبحث عنها المعارضة التي عجزت عن إيجاد وسيلة لتسوية خلافاتها المتعارضة، قبل أن تحل خلافاتها مع النظام الذي يعتبر سورية حكراً له، مقيدا اسمها وشعبها باسم رئيسه.
لكن الانتقال إلى طاولة المفاوضات، مع بداية تبلور توجّه، وربما حسم، دولي وإقليمي يبشّر بانتهاء القتل والتدمير والتهجير، أمر ينبغي السعي إليه، وبذل كل الجهود في سبيله، لأن الخاسر الوحيد من ذلك كله هو شعب سورية كله، ولأن المستفيد الوحيد من ذلك هو النظام، وحلفاؤه الذين لا تهمهم سورية، ولا شعبها، إلا بقدر ما يعزّز هيمنتهم، ويرسخ وجودهم.
المفاوضات، من ناحية مبدئية، هي الطريق الصحيح لأخذ السوريين نحو الاستقرار والأمن والتغيير السياسي، لأن تحويل الصراع من السياسي إلى العسكري، والاستكانة له خياراً بديلاً ووحيداً، بدل أن يكون مجرّد وسيلة، هو الذي أوصلنا إلى هذه الحالة الكارثية التي حققت للنظام خطته بتصوير الثورة مجرد صراع عسكري بين "شرعيتها" والمتمرّدين عليها، ولأن هذا هو الملعب الذي يقوّي السلطة، ويرفع الحرج عنها، ويبرّر لها استخدام العنف. لكن خيار التفاوض ينبغي أن يعني وقف القتال والتدمير والتهجير، قولاً واحداً، وبطريقة حاسمة، وهو ما لم يركن له النظام حتى اللحظة، ونحن على بعد أيام من بدء الجولة التفاوضية الرسمية في 23 فبراير/ شباط الجاري. أيضا لا بد أن ينسجم الذهاب إلى التفاوض مع منطوق القرارات الدولية بخصوص حل القضايا الإنسانية، من أجل الانتقال للقضايا السياسية، وهذا يتطلب، بعد وقف إطلاق النار والقصف، الإفراج عن المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، وعودة المهجرين إلى مناطقهم وبيوتهم التي أخرجوا منها.
ندرك جميعاً اليوم أن ذهاب الأطراف السورية إلى قاعة التفاوض الأممية، لا يعني،
أمام حقائق الواقع الميداني والدولي المأساوي، تبرز حقيقة واقع المعارضة بكل انعكاسات تشتّتها، وتشرذمها، وتدني إدراكها واقعها وقدراتها، ومساحة تأثيرها على قاعدة الثورة الشعبية من جهة، وعلى قرار الدول الفاعلة في الشأن السوري، من جهةٍ أخرى.
تتبلور هذه الصورة، أيضا، في التعاطي غير المسؤول مع موضوع تشكيل وفد التفاوض إلى جنيف، وتبادل الاتهامات ودفعها إلى التفاعل، بديلاً عن عقد مؤتمر جامع، يخفف حدة التناقض، ويجمع المعارضة، بمرجعية قوامها، العمل لتحقيق الانتقال السياسي المنشود، وإنهاء المأساة السورية وفق القرارات الدولية، وإيجاد آليةٍ لتنفيذ مخرجات التوافقات والتفاهمات السابقة واللاحقة لجولات جنيف التي تناسلت إلى جولاتٍ أربع، ربما تتزايد تناسبا مع تزايد أرقام ضحايا حربٍ لم تضع أوزارها بعد، على الرغم من كل التصريحات الإعلامية للقوى الدولية الضامنة والداعمة لوقف إطلاق النار، والانطلاق نحو "العملية السياسية" المصطلح الجديد الذي غاب عنه الحل، وفق التعبير المتداول سابقا "الحل السياسي".
من تنازل إلى آخر، مرت مسيرة قيادة المعارضة السورية في محاولةٍ منها التساوق مع
يأتي التفاوض اليوم في جنيف 4، كسابقه جنيف 3، تحت القصف، وفي ظل غياب رؤية واضحة لـ"سورية" التي تبحث عنها المعارضة التي عجزت عن إيجاد وسيلة لتسوية خلافاتها المتعارضة، قبل أن تحل خلافاتها مع النظام الذي يعتبر سورية حكراً له، مقيدا اسمها وشعبها باسم رئيسه.