تعرفون كيف يبدو الأمر. تحقّقون نجاحاً باهراً على مقاعد الدراسة، وتظنون أن الأمر انتهى. لعل هذا ما فكرت به سارة بعد تخرجها من الجامعة بدرجة امتياز. كانت على يقين من أنها ستكون على ما يرام، ولن يحتاج الأمر إلى جهد كبير حتى تعثر على فرصة عمل، ما دامت لا تطلب المستحيل.
كنتُ أشفق عليها أحياناً، ربما لأنني عرفت في قرارة نفسي أنه من السذاجة، وليس من الحكمة، أن يملك الإنسان في هذا البلد ذرّة طموح واحدة. كانت مصابة بداء الأمل. أذكر أنني قرأت لها ذات يوم ما كتبه الشاعر أنسي الحاج: "الأمل أبله. الأمل هو اليأس. الأمل هو طعمهم لاصطيادك". لم تأبه، فقد كانت غارقة في أحلامها.
"ألو. دوموازيل سارة؟"، جاءها صوت المرأة على الهاتف بعد طول انتظار. "حضرتك مقدمة طلب شغل عنا بالتلفزيون. بكرا موعدك عالساعة تسعة".
كان المبنى يضجّ بالموظفين. موظفة الاستقبال بدت مشغولة جداً وتتحدث على الهاتف بجدية تامة. "لا بد من أنه أمر طارئ، أو لعلّ حرباً ستقع في أية لحظة"، قالت سارة. ما هي إلا لحظات حتى أسندت الموظفة رأسها إلى الخلف متسائلة: "أيهما يناسب فصل الشتاء أكثر، الشعر الأشقر أم الأحمر؟". ارتبكت في بادئ الأمر، لكنها سرعان ما فكرت أنه يجب أن تتفهم العاملين في الحقل الإعلامي، الذين يتوجب عليهم الحفاظ على معايير جمالية معينة.
تناست الفكرة وهي تنظر إلى الجهة المقابلة للمكتب. كان هناك رجل يركض من مكان إلى آخر. لا بد أنه يفعل أشياء مهمة. يجهد نفسه كثيراً لكن هيئته توحي بأنه لم يتلق كلمة ثناء واحدة في حياته. على بعد خطوتين منه، جلست فتاة جميلة تشبه تلك التي نراها في إعلانات معجون الأسنان. "لا بد من أنها مذيعة الطقس". بدت لطيفة إلى درجة كبيرة، حتى لتشعر بأنها ستخرج من حقيبتها عصا سحرية، كتلك التي نراها في أفلام الكرتون. على مكتب صغير في الزاوية، جلس شخص منعزل بعض الشيء. كان يشعل سيجارة بين الحين والآخر. وكان يدندن أغنية لزياد الرحباني. لا بد من أنه كان قائداً ثورياً في يوم من الأيام، لكنه فشل في فرض أجندته.
ما هي إلّا دقائق حتى مرّ رجل قصير القامة من أمامها. كان واضحاً أن الجميع يحبّونه. لا بد من أنه مدير التلفزيون. كان يوحي بأنه لا يبالي بشيء. يتحدث على الهاتف عن المقاتلات والحروب والدماء.
دعت الموظفة سارة إلى الدخول. "اجلسي لو سمحت". كانت قد أحضرت معها شهادتها وبعضاً من أبحاثها. نظر الرجل إلى عينيها وسألها: "عمّو، قديش قياس خصرك؟".
إقرأ أيضاً: أرض الحزن والفرح والبقشيش
كنتُ أشفق عليها أحياناً، ربما لأنني عرفت في قرارة نفسي أنه من السذاجة، وليس من الحكمة، أن يملك الإنسان في هذا البلد ذرّة طموح واحدة. كانت مصابة بداء الأمل. أذكر أنني قرأت لها ذات يوم ما كتبه الشاعر أنسي الحاج: "الأمل أبله. الأمل هو اليأس. الأمل هو طعمهم لاصطيادك". لم تأبه، فقد كانت غارقة في أحلامها.
"ألو. دوموازيل سارة؟"، جاءها صوت المرأة على الهاتف بعد طول انتظار. "حضرتك مقدمة طلب شغل عنا بالتلفزيون. بكرا موعدك عالساعة تسعة".
كان المبنى يضجّ بالموظفين. موظفة الاستقبال بدت مشغولة جداً وتتحدث على الهاتف بجدية تامة. "لا بد من أنه أمر طارئ، أو لعلّ حرباً ستقع في أية لحظة"، قالت سارة. ما هي إلا لحظات حتى أسندت الموظفة رأسها إلى الخلف متسائلة: "أيهما يناسب فصل الشتاء أكثر، الشعر الأشقر أم الأحمر؟". ارتبكت في بادئ الأمر، لكنها سرعان ما فكرت أنه يجب أن تتفهم العاملين في الحقل الإعلامي، الذين يتوجب عليهم الحفاظ على معايير جمالية معينة.
تناست الفكرة وهي تنظر إلى الجهة المقابلة للمكتب. كان هناك رجل يركض من مكان إلى آخر. لا بد أنه يفعل أشياء مهمة. يجهد نفسه كثيراً لكن هيئته توحي بأنه لم يتلق كلمة ثناء واحدة في حياته. على بعد خطوتين منه، جلست فتاة جميلة تشبه تلك التي نراها في إعلانات معجون الأسنان. "لا بد من أنها مذيعة الطقس". بدت لطيفة إلى درجة كبيرة، حتى لتشعر بأنها ستخرج من حقيبتها عصا سحرية، كتلك التي نراها في أفلام الكرتون. على مكتب صغير في الزاوية، جلس شخص منعزل بعض الشيء. كان يشعل سيجارة بين الحين والآخر. وكان يدندن أغنية لزياد الرحباني. لا بد من أنه كان قائداً ثورياً في يوم من الأيام، لكنه فشل في فرض أجندته.
ما هي إلّا دقائق حتى مرّ رجل قصير القامة من أمامها. كان واضحاً أن الجميع يحبّونه. لا بد من أنه مدير التلفزيون. كان يوحي بأنه لا يبالي بشيء. يتحدث على الهاتف عن المقاتلات والحروب والدماء.
دعت الموظفة سارة إلى الدخول. "اجلسي لو سمحت". كانت قد أحضرت معها شهادتها وبعضاً من أبحاثها. نظر الرجل إلى عينيها وسألها: "عمّو، قديش قياس خصرك؟".
إقرأ أيضاً: أرض الحزن والفرح والبقشيش