بيّنت استطلاعات رأي فرنسية تحاول استكشاف خارطة التصويت وتوزع الناخبين مع اقتراب موعد الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في فرنسا في 23 إبريل/نيسان المقبل، بأن نحو 40 في المائة من الفرنسيين لا يعرفون لمن يصوتون، بل هم يشككون بأنهم سيصوتون أصلا.
وباشرت الصحف والمواقع الإخبارية الفرنسية وغيرها تحليل نتائج الاستطلاعات المذكورة، مشيرة في الوقت ذاته إلى نواة حركة بدأت بنحو 200 ألف فرنسي، تدعو إلى مشاركة الناخبين الذين لا يجدون في المرشحين من يمثلهم، بورقة بيضاء في صناديق الاقتراع بدل المقاطعة. على اعتبار أن التصويت بدون تسمية مرشح بعينه، وارتفاع نسبة المشاركة بأوراق بيضاء، ربما يؤدي إلى إلغاء الانتخابات في بعض الصناديق، ما يعرقل وصول المرشحين "غير المرغوب بهم" إلى سدّة الرئاسة.
بغض النظر عن مسار الترشيحات والحملات الانتخابية، والموقف النهائي الذي يمكن أن تتخذه نسبة الأربعين في المائة "المرتبكة" ما بين التصويت أو المقاطعة، فإن الحال يفرض جملة من التساؤلات عند محاولة المقارنة بين موقف الناخب الفرنسي "المواطن" وأي ناخب عربي.
فالمواطَنة مع ما تحويه من قيم وحقوق وواجبات، تتضمن دافعاً لدى "المواطن" للمشاركة في الانتخابات كحق وواجب معاً، ينبع من ثقافة مجتمعية راسخة، زرعت فيه معنى "المواطَنة"، التي تطورت مع تطور الدولة المدنية.
لذلك لا يمكن اعتبار مقاطعة الفرد العربي للانتخابات موقفا مفاجئا، ربما للاعتقاد الراسخ لدى الغالبية بأن التصويت لا يقدم ولا يؤخر، وإن النتائج محسومة سلفا، ما دامت الحملات الانتخابية وماكيناتها بدءاً من تسمية المرشحين حتى لحظة فرز النتائج تعبر عن أشياء كثيرة باستثناء حرية الرأي والتعبير.
أما أن تأتي مقاطعة الانتخابات أو النية في مقاطعتها من "مواطن" نشأ على قيم المواطنة، تعلّم ومارس معنى المشاركة في الانتخابات، واختبر قيمة صوته في صندوق الاقتراع، وحقه في اختيار مسؤوليه ومحاسبتهم، فهذا موقف لا يخلو من عنصر المفاجأة.
غريب أن تتطابق مواقف مواطنين من بلدين نقيضين في السياسة والاجتماع من مسألة مصيرية (ولو لفترة محددة) هي الانتخابات. وغريب أيضاً أن تتلاشى الفوارق في السلوك الانتخابي بين الفرنسي والعربي، مهما اختلفت الاعتبارات والمبررات.
الانتخاب حق يمنح المواطن قوة وسلطة في بلد تحكمه القوانين، هي واجب ومسؤولية، هي ورقة رابحة مهما كانت نتائج الانتخابات، فكيف يمكن التخلي عنها في دولة أسست لمبادئ الديمقراطية والمشاركة؟
لا عتب علينا إن قاطعنا الانتخابات، أو مارسناها بشكليتها التي تلبس لباساً طائفياً مرة، ورداء المصلحة مرات، فنحن إن طبقناها، نفعل ذلك من دون نقاش.
ربما يصح القول إن الأزمات الكبرى التي تجتاح العالم اليوم قادرة على زعزعة المجتمعات، والانتخابات بمرشحيها وناخبيها أحد مؤشراتها.