بعد يومٍ طويلٍ وشاق يقضيه العراقيون في العمل والصيام، يجد معظمهم في المقاهي الشعبية فرصتهم لقضاء وقت ممتع بعد تناول الإفطار وأداء صلاة التراويح. يجتمع أبناء الحارات الشعبية من مختلف الأعمار، ويتبادلون النقاشات والحوارات التي لا تكاد تخرج عن فلك الأمن والسياسة. وعادة ما يستمتع رواد المقاهي باحتساء الشاي وتدخين النراجيل، عدا عن الاستماع إلى الشعر والغناء، والمشاركة في الجلسات الأدبية والنقاشات حول الأحداث التي تشهدها البلاد.
بعد أداء صلاة التراويح في المسجد الأقرب إلى بيته، يذهب الحاج عماد الصالح (61 عاماً) إلى مقهى "حجي علي" في منطقته سيراً على الأقدام. خلال المشي، لا يتوقف عن الذكر والتسبيح. في المقهى، يلتقي بجيرانه وأصدقائه، ويدخّن النرجيلة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "للمقاهي الشعبية في رمضان نكهة خاصة جداً. بعد إقامة صلاة التراويح في المسجد، أتوجه إلى المقهى للقاء أصدقائي. نحكي مشاكلنا اليومية، أو نستمع إلى إحدى القصص الجميلة من أيام زمان ونستذكر الأيام الخوالي".
يُتابع الصالح أن "للمقاهي الشعبية أثراً جميلاً في نفوسنا حتى قبل شهر رمضان. نستمع إلى أغنيات أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وناظم الغزالي ومحمد القبنجي. نشرب الشاي وندخن النرجيلة، ولا ننسى الألعاب الشعبية الخاصة بالمقاهي كالدومنة والمحيبس وغيرهما". يضيف أنه لليالي رمضان خصوصية أخرى. إذ يجتمع أبناء المنطقة والأصدقاء ويحاولون التوفيق بين المتخاصمين وحثّهم على بدء صفحة جديدة "أيضاً، نحاول مساعدة الفقراء والمحتاجين في المنطقة، وتفقد أحوال الأصدقاء".
أقداح الشاي
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المقاهي الشعبية هو صوت أقداح الشاي في يدي "القهوجي" أو "الجايجي"، الذي يقدم الشاي والقهوة والنراجيل، على وقع أنغام ناظم الغزالي ومحمد القبنجي ويوسف عمر. بعدما يتناول الناس الإفطار، يبدأ النادل بترتيب أقداح الشاي وتنظيفها، ثم وضع إبريق الشاي على نار هادئة استعداداً لاستقبال الزبائن بعد صلاة التراويح. هذا حال علاء صبار (21 عاماً) الذي يعمل في أحد المقاهي الشعبية في بغداد. في البداية، ينظف المقهى مع زملائه في العمل، قبل أن يعدّوا الشاي والقهوة، وينظفوا النراجيل. وعادة ما يبقى الناس في المقاهي حتى وقت السحور.
اقرأ أيضاً: في بغداد .. نهاية حظر التجول تضاعف بهجة رمضان
يقول صبار لـ "العربي الجديد"، وهو يمسك أقداح الشاي المعروفة بـ "الستكانات" باللهجة العراقية: "أشعر بالبهجة هنا. فبالإضافة إلى عملي في المقهى الذي أحب، تجتمع مختلف شرائح المجتمع من أدباء وشعراء وفنانين وغيرهم في المقهى، ما يجعل العمل ممتعاً، على الرغم من الظروف والمحن التي يمر بها بلدنا". ويلفت إلى أنه "لحسن الحظ، لا يأتي السياسيون، ما يجعلنا نعيش أجواء جميلة".
يحكي صبار عن تحضير وتقديم الشاي. يقول: "منذ صغري وأنا أعمل في هذا المقهى الشعبي. تعلمت بعض فنون تقديم الشاي التي تجعل الزبائن يشعرون بشيء من البهجة وهم ينظرون إليّ. أحرك أقداح الشاي بكلتا يديّ بطرق فنية، فتصدر أصواتاً أشبه بأصوات الأجراس، وهذه الموسيقى خاصة بنا".
الله بالخير
للمقاهي عاداتها وتقاليدها. حين يأتي ضيف جديد، يُسلّم هذا الأخير على الجميع فيجيبه الجالسون: "الله بالخير"، أي جعل الله مساءك خيراً، فيرد عليهم: "الله بالخير عيوني". بعدها، يأتي النادل ويرحّب بالضيف، ليعرف طلباته وسط حوارات لا تتوقف بين الزبائن.
يرتدي الحاج أبو صباح (53 عاماً)، وهو صاحب مقهى التراث، "اليشماغه" على رأسه. يلفّها على الطريقة البغدادية القديمة لتكون أشبه بالعمامة. يجلس في مقدمة المقهى خلف مكتبه ويرحّب بالضيوف الداخلين إلى مقهاه والخارجين منه. يضع نرجيلته إلى جانبه، وينظر يميناً وشمالاً لمتابعة همّة الموظفين لحظة بلحظة. يوضح لـ "العربي الجديد" أن "الناس تلجأ إلى المقاهي الشعبية، وخصوصاً في ليالي رمضان الجميلة، لتأخذ قسطاً من الراحة بعد نهار شاق في العمل والصيام وسط انقطاع الكهرباء، عدا عن الأخبار الساخنة. وعادة ما تلبّي المقاهي مختلف الأذواق". يعلّق: "هنا تدور الحوارات الأدبية والشعرية والنقاشات السياسية والاجتماعية بين الزبائن بكل حب واحترام".
يتابع أبو صباح أنه "قبل اقتراب شهر رمضان، نبدأ بتزيين المقهى بالمصابيح والورود، ولا ننسى الآيات القرآنية. يجد الزبائن راحتهم مع أصدقائهم وجيرانهم. يحبون الشاي والنراجيل وصوت التلفزيون ونشرة الأخبار والنقاشات. كل هذه الأمور تجعل الزبائن لا يفارقون المكان حتى موعد السحور".
اقرأ أيضاً: مقاهي الإسكندرية نواد اجتماعية وصالونات سياسية
ومن أبرز الوسائل الترفيهية في المقاهي خلال ليالي رمضان هي لعبة "المحيبس"، التي تتألف من فريقين. يضع أحد الأشخاص خاتماً لتبدأ رحلة البحث عنه بين عشرات الأيادي. ويقول عمر بكر (29 عاماً) إن "المقاهي تشتهر بألعاب كثيرة، على غرار الدومنة ولعبة الطاولة، غير أن الأشهر هي لعبة المحيبس التي يمارسها العراقيون منذ مئات السنين في الشوارع والحارات والمقاهي بشكل خاص". يجتمع شبان الحي في أحد المقاهي الشعبية وينقسمون إلى فريقين. بعدها يجرون قرعة ثم يوضع خاتم صغير في يد أحد أعضاء فريق الخصم، ويبدأ الفريق الآخر البحث عنه من بين عشرات الأيادي.
يضيف بكر أنه بالإضافة إلى لعبة المحيبس، توضع "البقلاوة" (حلوى) في أوانٍ كبيرة ليتناولها الجميع بعد انتهاء اللعبة والإعلان عن فوز أحد الفريقين.
من جهته، يوضح الشاعر ياسر الدليمي أن للمقاهي الشعبية نكهة خاصة في رمضان. يجتمع الشعراء في أحد المقاهي و"نستمع إلى أشعار بعضنا البعض، ونتباحث في الشعر والأدب". ويلفت إلى أن "غالبية الشعراء لا يجدون مكاناً يلتقون فيه غير المقاهي الشعبية، ويحبها معظمهم بسبب حفاظها على التراث".
يتابع الدليمي أنه "منذ قرون، وللمقاهي في العراق خصوصية في شهر رمضان لدى مختلف المواطنين. ربما كان يقصدها كبار السن. لكن اليوم، يأتي إليها أناس من مختلف الأعمار. وبطبيعة الحال، لا تخلو من النقاشات السياسية حول ما يدور في البلد. ولا مبالغة في القول إنها تتصدر النقاشات. ويبقى لدى كثيرين أحلام وردية على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّون بها".
بعد أداء صلاة التراويح في المسجد الأقرب إلى بيته، يذهب الحاج عماد الصالح (61 عاماً) إلى مقهى "حجي علي" في منطقته سيراً على الأقدام. خلال المشي، لا يتوقف عن الذكر والتسبيح. في المقهى، يلتقي بجيرانه وأصدقائه، ويدخّن النرجيلة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "للمقاهي الشعبية في رمضان نكهة خاصة جداً. بعد إقامة صلاة التراويح في المسجد، أتوجه إلى المقهى للقاء أصدقائي. نحكي مشاكلنا اليومية، أو نستمع إلى إحدى القصص الجميلة من أيام زمان ونستذكر الأيام الخوالي".
يُتابع الصالح أن "للمقاهي الشعبية أثراً جميلاً في نفوسنا حتى قبل شهر رمضان. نستمع إلى أغنيات أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وناظم الغزالي ومحمد القبنجي. نشرب الشاي وندخن النرجيلة، ولا ننسى الألعاب الشعبية الخاصة بالمقاهي كالدومنة والمحيبس وغيرهما". يضيف أنه لليالي رمضان خصوصية أخرى. إذ يجتمع أبناء المنطقة والأصدقاء ويحاولون التوفيق بين المتخاصمين وحثّهم على بدء صفحة جديدة "أيضاً، نحاول مساعدة الفقراء والمحتاجين في المنطقة، وتفقد أحوال الأصدقاء".
أقداح الشاي
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المقاهي الشعبية هو صوت أقداح الشاي في يدي "القهوجي" أو "الجايجي"، الذي يقدم الشاي والقهوة والنراجيل، على وقع أنغام ناظم الغزالي ومحمد القبنجي ويوسف عمر. بعدما يتناول الناس الإفطار، يبدأ النادل بترتيب أقداح الشاي وتنظيفها، ثم وضع إبريق الشاي على نار هادئة استعداداً لاستقبال الزبائن بعد صلاة التراويح. هذا حال علاء صبار (21 عاماً) الذي يعمل في أحد المقاهي الشعبية في بغداد. في البداية، ينظف المقهى مع زملائه في العمل، قبل أن يعدّوا الشاي والقهوة، وينظفوا النراجيل. وعادة ما يبقى الناس في المقاهي حتى وقت السحور.
اقرأ أيضاً: في بغداد .. نهاية حظر التجول تضاعف بهجة رمضان
يقول صبار لـ "العربي الجديد"، وهو يمسك أقداح الشاي المعروفة بـ "الستكانات" باللهجة العراقية: "أشعر بالبهجة هنا. فبالإضافة إلى عملي في المقهى الذي أحب، تجتمع مختلف شرائح المجتمع من أدباء وشعراء وفنانين وغيرهم في المقهى، ما يجعل العمل ممتعاً، على الرغم من الظروف والمحن التي يمر بها بلدنا". ويلفت إلى أنه "لحسن الحظ، لا يأتي السياسيون، ما يجعلنا نعيش أجواء جميلة".
يحكي صبار عن تحضير وتقديم الشاي. يقول: "منذ صغري وأنا أعمل في هذا المقهى الشعبي. تعلمت بعض فنون تقديم الشاي التي تجعل الزبائن يشعرون بشيء من البهجة وهم ينظرون إليّ. أحرك أقداح الشاي بكلتا يديّ بطرق فنية، فتصدر أصواتاً أشبه بأصوات الأجراس، وهذه الموسيقى خاصة بنا".
الله بالخير
للمقاهي عاداتها وتقاليدها. حين يأتي ضيف جديد، يُسلّم هذا الأخير على الجميع فيجيبه الجالسون: "الله بالخير"، أي جعل الله مساءك خيراً، فيرد عليهم: "الله بالخير عيوني". بعدها، يأتي النادل ويرحّب بالضيف، ليعرف طلباته وسط حوارات لا تتوقف بين الزبائن.
يرتدي الحاج أبو صباح (53 عاماً)، وهو صاحب مقهى التراث، "اليشماغه" على رأسه. يلفّها على الطريقة البغدادية القديمة لتكون أشبه بالعمامة. يجلس في مقدمة المقهى خلف مكتبه ويرحّب بالضيوف الداخلين إلى مقهاه والخارجين منه. يضع نرجيلته إلى جانبه، وينظر يميناً وشمالاً لمتابعة همّة الموظفين لحظة بلحظة. يوضح لـ "العربي الجديد" أن "الناس تلجأ إلى المقاهي الشعبية، وخصوصاً في ليالي رمضان الجميلة، لتأخذ قسطاً من الراحة بعد نهار شاق في العمل والصيام وسط انقطاع الكهرباء، عدا عن الأخبار الساخنة. وعادة ما تلبّي المقاهي مختلف الأذواق". يعلّق: "هنا تدور الحوارات الأدبية والشعرية والنقاشات السياسية والاجتماعية بين الزبائن بكل حب واحترام".
يتابع أبو صباح أنه "قبل اقتراب شهر رمضان، نبدأ بتزيين المقهى بالمصابيح والورود، ولا ننسى الآيات القرآنية. يجد الزبائن راحتهم مع أصدقائهم وجيرانهم. يحبون الشاي والنراجيل وصوت التلفزيون ونشرة الأخبار والنقاشات. كل هذه الأمور تجعل الزبائن لا يفارقون المكان حتى موعد السحور".
اقرأ أيضاً: مقاهي الإسكندرية نواد اجتماعية وصالونات سياسية
ومن أبرز الوسائل الترفيهية في المقاهي خلال ليالي رمضان هي لعبة "المحيبس"، التي تتألف من فريقين. يضع أحد الأشخاص خاتماً لتبدأ رحلة البحث عنه بين عشرات الأيادي. ويقول عمر بكر (29 عاماً) إن "المقاهي تشتهر بألعاب كثيرة، على غرار الدومنة ولعبة الطاولة، غير أن الأشهر هي لعبة المحيبس التي يمارسها العراقيون منذ مئات السنين في الشوارع والحارات والمقاهي بشكل خاص". يجتمع شبان الحي في أحد المقاهي الشعبية وينقسمون إلى فريقين. بعدها يجرون قرعة ثم يوضع خاتم صغير في يد أحد أعضاء فريق الخصم، ويبدأ الفريق الآخر البحث عنه من بين عشرات الأيادي.
يضيف بكر أنه بالإضافة إلى لعبة المحيبس، توضع "البقلاوة" (حلوى) في أوانٍ كبيرة ليتناولها الجميع بعد انتهاء اللعبة والإعلان عن فوز أحد الفريقين.
من جهته، يوضح الشاعر ياسر الدليمي أن للمقاهي الشعبية نكهة خاصة في رمضان. يجتمع الشعراء في أحد المقاهي و"نستمع إلى أشعار بعضنا البعض، ونتباحث في الشعر والأدب". ويلفت إلى أن "غالبية الشعراء لا يجدون مكاناً يلتقون فيه غير المقاهي الشعبية، ويحبها معظمهم بسبب حفاظها على التراث".
يتابع الدليمي أنه "منذ قرون، وللمقاهي في العراق خصوصية في شهر رمضان لدى مختلف المواطنين. ربما كان يقصدها كبار السن. لكن اليوم، يأتي إليها أناس من مختلف الأعمار. وبطبيعة الحال، لا تخلو من النقاشات السياسية حول ما يدور في البلد. ولا مبالغة في القول إنها تتصدر النقاشات. ويبقى لدى كثيرين أحلام وردية على الرغم من الظروف الصعبة التي يمرّون بها".