13 نوفمبر 2024
مقايضة الدول الضامنة احتلال سورية
ارتبط مفهوم الدول الضامنة لتطبيق مناطق خفض التوتر في سورية، بروسيا وتركيا وإيران. عقدت هذه الدول، أخيرا، اجتماعاً لدراسة الوضع السوري خصوصا؛ وعلى وقعه، وفي أثنائه، تمّت صفقة عفرين الغوطة. ويلحظ هنا أن تركيا وروسيا هما المستفيدتان، بينما إيران بالكاد تلحظ مصالحها. وهناك تقارير أكدت غياب أي دور لها في معركة الغوطة. تبيّن أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي أطلق تصريحاً يتعلق بسحب قواته من سورية يريد ابتزاز السعودية لتدفع أربعة مليارات قبالة بقاء أميركا في سورية، ولتتجهز، كما يبدو، لدفع مبالغ كبرى، حينما تحدث المواجهات مع إيران. المواجهات مع إيران واحدة من القضايا التي تجتمع عليها الشخصيات الجديدة في الإدارة الأميركية، وتتطلب تمويلاً، وهذا سيكون بالتأكيد سعودياً. إذاً القضية الأساسية لترامب والإدارة الأميركية هي مواجهة إيران والعودة الكاملة إلى العراق، وابتزاز السعودية وأبوظبي من أجل التمويل، وهذا يتطلب تصريحات "تافهة"، كما راح يكرّرها كل من ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما يخص الخروج من سورية، وابتزاز كل من السعودية تارةً وإيران تارةً أخرى.
لم تكن تصريحات الدول الضامنة احتلال سورية في تركيا متوافقة، وهي ما زالت تتضمن اختلافات في الرؤية لواقع سورية، ومستقبل نظام الحكم فيها؛ فإيران تؤكد تمسّكها بالنظام كما هو، وروسيا تناور دائماً، وتؤكد مصالح الدول الأخرى في أية تسوية سياسية. وبالتالي ليست متمسكة بالنظام في هذه المرحلة، إلّا لعقدِ أوسع اتفاقيات تضمن سيطرتها الاقتصادية، وقد تتخلى عنه مستقبلاً. تركيا التي تحتل مناطق واسعة، تستعين بالفصائل والمعارضة السياسية في ذلك، أي أنها تأخذ مناطق من سورية، وبالتوافق مع روسيا خصوصا، لكنها تعطي للمعارضة دورا فيها، وبالتالي تقترب رؤيتها للحل من روسيا وتبتعد عن إيران.
تكذب السياسة الأميركية، بإعلان تمسّكها بمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش، وأن بقاءها مرتبط بزوال الأخير، حيث إن شماعة "داعش" تُستخدم بغرض الابتزاز، كما أشرت، ولكن أيضاً من أجل إخراج إيران من العراق، والضغط على روسيا للضغط على إيران، لتقليص وجودها في سورية.
تبيّن في معركة الغوطة، أخيرا، أن من خطط وقام بالعملية والمقايضة بين عفرين والغوطة هي روسيا والنظام من ناحية، وتركيا والفصائل من ناحية أخرى، أي أن إيران هُمشت في هذه الصفقة. وربما بسبب ذلك أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ضرورة إعادة عفرين إلى النظام، وبذلك تُرسل إيران رسالة احتجاج قوية ضد روسيا، ولكن عبر تركيا. فإيران تعلم أن من ضَمِنَ بقاء النظام، ولا سيما بعد تدخّلها العسكري في 2015، ليست هي، بل السلاح الروسي، أي لا مجال للعب مع روسيا.
المقايضة، اصطلاح يُستخدم، أخيرا، في الإعلام الذي يغطي سورية، ويقصد بها في الأصل المبادلة للفائض، وهي نظام سابق للمال وسيلة للمبادلة؛ روسيا وتركيا وأميركا، وأقل من ذلك إيران تتقايض سورية، وترسم نفوذها فيها. أكرّر هنا أن إيران لن تكون من الدول الفاعلة في مستقبل سورية، والضغط الأميركي ضدّها أخيرا يؤكد الأمر، ولو وضعنا في حساباتنا الدور الإسرائيلي، فإن مصالح كل من روسيا وإسرائيل في سورية ولبنان تفيد بذلك أيضاً.
لم تنته المقايضة بعد. وهنا صفقات أخرى ما زالت تنتظر، وتتعلق ببقايا الفصائل في ريف حمص الشمالي والقلمون، والتي تهددها روسيا أخيرا، وكذلك هناك صفقات قد تُعقد بخصوص درعا قبالة مناطق تأخذها أميركا في غرب الفرات، وأيضاً لم ينته وضع إدلب. ولكن وجود تعقيدات تتعلق بهذه المناطق لا يُلغي أن المعارك الكبرى انتهت في سورية، وأن كل لقاء جديد بين روسيا وتركيا وإيران سيكون لوضع الرتوش الأخيرة على مناطق النفوذ؛ أميركا والفرنسيون والبريطانيون حدّدوا مناطقهم، وهي تقريباً ليست للنقاش، باستثناء موضوع درعا.
لم يقبل النظام ثورة السوريين في العام 2011، وكاد أن يستجيب في منتصف 2012 وآخرها، ويجري تغييرات فيه. وحينها تدخلت إيران وأنقذته، و"فرضت" عليه عدم الرحيل! ولكن إيران نفسها لم تستطع قمع الثورة، فتدخلت روسيا 2015 لمنع سقوط النظام ورحيل إيران. وأيضاً فشلت تركيا وحلفها الخليجي في فرض المعارضة لتكون نداً للنظام، وفشلت كل لقاءات أستانة وجنيف. وبالتالي، وبعد خلافات كبيرة مع روسيا، اضطرت للتنسيق معها، وحصلت على حصة لها في سورية، عبر التنسيق والمقايضة معها، وهذا تمّ على وقع الخلافات مع أميركا. إذاً تركيا وإيران تعلمان أنهما ليستا دولاً توازي روسيا في سورية، وأن روسيا وحدها من يحدّد مناطق النفوذ والحصص الاقتصادية وسوى ذلك. ومن هنا نلاحظ النقد
الإيراني المستمر للنظام، وأنّه خان إيران، وأن مصالحها في سورية تتعرّض للانتهاك من روسيا، وكذلك نتابع الخلافات والتي لم تتوقف بين روسيا وإيران، منذ أن تدخلت روسيا في سورية.
وصلنا إلى القول إن الدولة الأساسية في المقايضة على سورية هي روسيا. ولكن ما هو دور أميركا في سورية؟ أوضحتُ أن لأميركا وشركائها في التحالف الدولي ضد "داعش" مناطق محدّدة، ولكن أميركا طامحة إلى تجديد احتلال العراق، وتَوضحَ ذلك في كيفية محاربة "داعش" في العراق وتهميش الأكراد هناك، ومن خلال القوى السياسية المتحالفة في العراق والساعية إلى تهميش إيران. إذاً لا تعارض أميركا هيمنة روسية على سورية، لكنها تريد تحييد روسيا عن أي خطوات أميركية إضافية ضد إيران، وهذا يعني أن أية مقارنة لنفوذ روسيا في سورية بنفوذ أميركا ستكون لمصلحة روسيا، والعكس صحيح فيما يخص العراق. المقايضة الحقيقية هنا أن العراق سيكون مجدّداً من نصيب أميركا، وسورية من نصيب روسيا، وسيكون نصيب كل من تركيا وإيران وإسرائيل بما تقرره الدولتان العظميان.
تكمن مشكلة سورية والعراق وتأخر البدء بعملية سياسية لصالح شعوبهما أن الدولتين العظميين مختلفتان في قضايا دولية كثيرة، وكذلك في غياب مشروع وطني في دولنا. وبالتالي ليس من حلولٍ قريبة، قبل التوصل إلى توافقاتٍ بين الثنائي الدولي.
سورية التي تُباع مقايضةً تُرسمُ مناطق النفوذ فيها تدريجياً، وستكون هنا معارك إضافية، ولن تنتهي بنهاية مدينة دوما؛ فهناك القلمون وريف حمص ودرعا، والأسوأ ليس هناك أي مشروع وطني يجمع أهلها!.
لم تكن تصريحات الدول الضامنة احتلال سورية في تركيا متوافقة، وهي ما زالت تتضمن اختلافات في الرؤية لواقع سورية، ومستقبل نظام الحكم فيها؛ فإيران تؤكد تمسّكها بالنظام كما هو، وروسيا تناور دائماً، وتؤكد مصالح الدول الأخرى في أية تسوية سياسية. وبالتالي ليست متمسكة بالنظام في هذه المرحلة، إلّا لعقدِ أوسع اتفاقيات تضمن سيطرتها الاقتصادية، وقد تتخلى عنه مستقبلاً. تركيا التي تحتل مناطق واسعة، تستعين بالفصائل والمعارضة السياسية في ذلك، أي أنها تأخذ مناطق من سورية، وبالتوافق مع روسيا خصوصا، لكنها تعطي للمعارضة دورا فيها، وبالتالي تقترب رؤيتها للحل من روسيا وتبتعد عن إيران.
تكذب السياسة الأميركية، بإعلان تمسّكها بمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش، وأن بقاءها مرتبط بزوال الأخير، حيث إن شماعة "داعش" تُستخدم بغرض الابتزاز، كما أشرت، ولكن أيضاً من أجل إخراج إيران من العراق، والضغط على روسيا للضغط على إيران، لتقليص وجودها في سورية.
تبيّن في معركة الغوطة، أخيرا، أن من خطط وقام بالعملية والمقايضة بين عفرين والغوطة هي روسيا والنظام من ناحية، وتركيا والفصائل من ناحية أخرى، أي أن إيران هُمشت في هذه الصفقة. وربما بسبب ذلك أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، ضرورة إعادة عفرين إلى النظام، وبذلك تُرسل إيران رسالة احتجاج قوية ضد روسيا، ولكن عبر تركيا. فإيران تعلم أن من ضَمِنَ بقاء النظام، ولا سيما بعد تدخّلها العسكري في 2015، ليست هي، بل السلاح الروسي، أي لا مجال للعب مع روسيا.
المقايضة، اصطلاح يُستخدم، أخيرا، في الإعلام الذي يغطي سورية، ويقصد بها في الأصل المبادلة للفائض، وهي نظام سابق للمال وسيلة للمبادلة؛ روسيا وتركيا وأميركا، وأقل من ذلك إيران تتقايض سورية، وترسم نفوذها فيها. أكرّر هنا أن إيران لن تكون من الدول الفاعلة في مستقبل سورية، والضغط الأميركي ضدّها أخيرا يؤكد الأمر، ولو وضعنا في حساباتنا الدور الإسرائيلي، فإن مصالح كل من روسيا وإسرائيل في سورية ولبنان تفيد بذلك أيضاً.
لم تنته المقايضة بعد. وهنا صفقات أخرى ما زالت تنتظر، وتتعلق ببقايا الفصائل في ريف حمص الشمالي والقلمون، والتي تهددها روسيا أخيرا، وكذلك هناك صفقات قد تُعقد بخصوص درعا قبالة مناطق تأخذها أميركا في غرب الفرات، وأيضاً لم ينته وضع إدلب. ولكن وجود تعقيدات تتعلق بهذه المناطق لا يُلغي أن المعارك الكبرى انتهت في سورية، وأن كل لقاء جديد بين روسيا وتركيا وإيران سيكون لوضع الرتوش الأخيرة على مناطق النفوذ؛ أميركا والفرنسيون والبريطانيون حدّدوا مناطقهم، وهي تقريباً ليست للنقاش، باستثناء موضوع درعا.
لم يقبل النظام ثورة السوريين في العام 2011، وكاد أن يستجيب في منتصف 2012 وآخرها، ويجري تغييرات فيه. وحينها تدخلت إيران وأنقذته، و"فرضت" عليه عدم الرحيل! ولكن إيران نفسها لم تستطع قمع الثورة، فتدخلت روسيا 2015 لمنع سقوط النظام ورحيل إيران. وأيضاً فشلت تركيا وحلفها الخليجي في فرض المعارضة لتكون نداً للنظام، وفشلت كل لقاءات أستانة وجنيف. وبالتالي، وبعد خلافات كبيرة مع روسيا، اضطرت للتنسيق معها، وحصلت على حصة لها في سورية، عبر التنسيق والمقايضة معها، وهذا تمّ على وقع الخلافات مع أميركا. إذاً تركيا وإيران تعلمان أنهما ليستا دولاً توازي روسيا في سورية، وأن روسيا وحدها من يحدّد مناطق النفوذ والحصص الاقتصادية وسوى ذلك. ومن هنا نلاحظ النقد
وصلنا إلى القول إن الدولة الأساسية في المقايضة على سورية هي روسيا. ولكن ما هو دور أميركا في سورية؟ أوضحتُ أن لأميركا وشركائها في التحالف الدولي ضد "داعش" مناطق محدّدة، ولكن أميركا طامحة إلى تجديد احتلال العراق، وتَوضحَ ذلك في كيفية محاربة "داعش" في العراق وتهميش الأكراد هناك، ومن خلال القوى السياسية المتحالفة في العراق والساعية إلى تهميش إيران. إذاً لا تعارض أميركا هيمنة روسية على سورية، لكنها تريد تحييد روسيا عن أي خطوات أميركية إضافية ضد إيران، وهذا يعني أن أية مقارنة لنفوذ روسيا في سورية بنفوذ أميركا ستكون لمصلحة روسيا، والعكس صحيح فيما يخص العراق. المقايضة الحقيقية هنا أن العراق سيكون مجدّداً من نصيب أميركا، وسورية من نصيب روسيا، وسيكون نصيب كل من تركيا وإيران وإسرائيل بما تقرره الدولتان العظميان.
تكمن مشكلة سورية والعراق وتأخر البدء بعملية سياسية لصالح شعوبهما أن الدولتين العظميين مختلفتان في قضايا دولية كثيرة، وكذلك في غياب مشروع وطني في دولنا. وبالتالي ليس من حلولٍ قريبة، قبل التوصل إلى توافقاتٍ بين الثنائي الدولي.
سورية التي تُباع مقايضةً تُرسمُ مناطق النفوذ فيها تدريجياً، وستكون هنا معارك إضافية، ولن تنتهي بنهاية مدينة دوما؛ فهناك القلمون وريف حمص ودرعا، والأسوأ ليس هناك أي مشروع وطني يجمع أهلها!.