توالت نهاية الأسبوع الماضي وبداية هذا الأسبوع إحالات الصحافيين التونسيين على التحقيق العدلي بسبب مقالات سبق أن نشروها وبرامج إذاعية وتلفزيونية تمّ تقديمها أو حتى فقط المشاركة فيها. البداية كانت بدعوة الصحافية درة الغربي العاملة بصحيفة "آخر خبر" يوم 28 أغسطس/ آب الجاري للمثول أمام التحقيق لمدة ساعتين بسبب قضية رفعها ضدها نقابيون أمنيون يتهمونها "بتشكيل وفاق للمساس بسمعتهم" على خلفية حضورها حصة إذاعية براديو "كاب أف أم" سنة 2017.
بعد ذلك دعوة رئيس التحرير منجي الخضراوي إلى التحقيق يوم 28 أغسطس/ آب على خلفية مقال نشره سنة 2016 في صحيفة "الشروق التونسية" حول خلية إرهابية بمنطقة المنيهلة بضواحي العاصمة التونسية. الخضراوي أكد لـ"العربي الجديد" أنه فوجئ بالدعوة التي وجهت له من قبل "فرقة مقاومة الإرهاب"، مشيراً إلى أن طريقة الدعوة أثارت الهلع في المنطقة التي يقطن بها، معتبراً أن ما يحصل تجاوز غير مقبول للقانون باعتبار أن القانون التونسي يؤكد أن الملاحقة القضائي فيما يتعلق بقضايا النشر يتمّ وفقا للمرسوم 115 المنظم لقطاع الإعلام في تونس ولا يتم وفقاً لنصوص قانونية أخرى يتمّ تكييفها لملاحقة الصحافيين.
ومثلت أمس الاثنين 31 أغسطس/ آب الصحافية منى البوعزيزي لدى التحقيق بسبب مقالات نشرتها في صحيفة "الشروق التونسية" حول محاولة لاغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد من خلال محاولة تسميم الخبز الذي يشتريه القصر من إحدى المخابز، وهو الأمر الذي نفته رئاسة الجمهورية ورد عليه الرئيس التونسي من خلال نشر صور له بعد صدور المقال وهو يشتري الخبز من المخبزة التي أكدت البوعزيزي أنه تمت من خلالها محاولة الاغتيال.
من ناحية أخرى، قضت الدائرة الصيفية الثالثة بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة الخميس 27 أغسطس/ آب 2020 بسقوط العقوبة بمرور الزمن في القضية المرفوعة في حق الصحافية عزة القربي العاملة سابقاً بجريدة "السور". وكانت القربي قد واجهت حكما ابتدائياً بالسجن مدة 6 أشهر بتهمة نسبة أمور غير قانونية عبر الصحافة لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت على معنى الفصل 128 من المجلة الجزائية، وذلك على خلفية نشرها في 2012 مقالاً حول ملف فساد في عقد شراكة لإحدى الشركات العمومية مع شركة أجنبية". وقضت المحكمة في 2014 في حقها بالسجن 6 أشهر وغرامة مالية بمائة دينار، لكن القربي تفاجأت بإدراجها في قائمة البحث والتحرّي خلال تواجدها بأحد النزل".
هذه السلسلة من الدعوات للتحقيق والمحاكمات أثارت غضب الصحافيين التونسيين والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، حيث اعتبرت الصحافية أميرة محمد أنه "لم يعد يكفي مجرد التضامن والإدانة للتصدي لما يحدث مؤخراً من عمليات تحقيق مع الصحافيين على خلفية مقالات وأعمال صحافية تعود إلى فترات سابقة... وفي شكل حملة وباعتماد قوانين غير التي تنظم المهنة... حملة تدعو للشك وتطرح عدة تساؤلات". وأضافت "لسنا فوق القانون ولكن لا تخرق أنت القانون وطبق المرسوم 115".
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عبرت في بيان لها عن دعمها ومساندتها الصحافيين المحالين خارج إطار المرسوم 115، وأدانت عودة ترهيب وملاحقة الصحافيين على معنى قانون الإرهاب والضغط عليهم ومحاولة توجيههم خلال أعمال البحث والتحقيق، خاصة لدى الفرق المختصة في البحث في الجرائم الإرهابية. ونبهت النقابة إلى مؤشرات التراجع المسجلة في المعالجة القضائية للملفات المتعلقة بالعمل الصحافي، مستغربةً تواتر الملاحقات القضائية وإثارة ملفات قديمة يمكن أن تصنف في خانة الترهيب في فترة يستعد فيها الصحافيون إلى خوض مؤتمرهم من أجل اختيار ممثليه في نقابة الصحافيين.
يذكر أن جدلاً قانونياً يتواصل في تونس منذ سنوات، حيث تتمّ ملاحقة الصحافيين في قضايا النشر وفقاً للمجلة الجزائية التي تطبق في كل الجرائم، بينما يرى الصحافيون والمنظمات النقابية المدافعة عنهم أن الملاحقة القضائية للصحافيين في قضايا النشر لا يتمّ إلا وفقا للمرسوم 115 الذي يمنع كل أشكال العقاب السالبة للحرية في ما يتعلق بالعمل الإعلامي.