توج ملتقى الحمامات الجامع لأكثر من مائة مشارك ومشاركة من دول المغرب العربي الخمس، الذي انعقد يومي السبت والأحد الماضيين في تونس، بتنظيم من منظمة "فردريش إيبرت" مكتب تونس، وتحالف "إصرار من أجل التمكين المغربي"، الذي بحث موضوع الإرث بإعلان "الحمامات من أجل المساواة ونبذ العنف".
وشهد الملتقى نقاشا جديا بشأن مسألة المساواة في الإرث، بين تقدم التجربة في تونس التي أخرجت الموضوع من لائحة المحظورات وجرّت جميع فئات المجتمع للنقاش بشأنه، حتى وإن لم تتم المصادقة على القانون المتعلق به في هذه المرحلة، وبين نظيراتها من دول المغرب الكبير حيث يعد الاقتراب من المساواة في الإرث خطا أحمر.
وإثر استعراض الوضع في الدول الخمس تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا، بحضور ممثلين عن المنظمات النسوية في هذه الدول وعدد من النشطاء في المجال بلغ عددهم المائة، استخلص الحاضرون وجوب المرور بمرحلة العمل في الميدان، وفق خارطة طريق مفصلة ومتوافق عليها من أجل إثارة الموضوع، والسعي نحو تحقيق نتائج ملموسة لناحية تغيير العقليات وإصلاح التشريعات.
وإن كان النقاش قي تونس، قد انطلق منذ سنوات عن "المساواة في الإرث" فإن جاراتها تشهد نضالا حقيقيا حول تمكين المرأة من إرثها أولا كحق طبيعي.
وذكرت الحاضرات شهادات عن ملايين الحالات من النساء، اللواتي لم يحصلن إطلاقا على حقهن في الميراث حتى بات من البديهي ألا يطالبن به، إذ يقتصر الحق على الذكور في العائلة. ولفتن إلى انعكاسات ذلك على حق النساء في الثروة وفي الملكية الذي يعد عماد بناء شخصية المرأة واستقلالها الاقتصادي في أي مجتمع متوازن. وتطرق النقاش إلى المعيقات القانونية والسوسيوثقافية في المنطقة بخصوص المساواة في الإرث، وضرورة إيجاد البدائل القانونية وانخراط وسائل الإعلام في التحسيس بالقضية.
وتضمن إعلان "الحمامات من أجل المساواة ونبذ العنف" عدة نقاط تتمثل في دفع الدول المغاربية نحو المصادقة على المواثيق الدولية والبروتوكلات الاختيارية الملحقة بها والتي لها علاقة بالحقوق الإنسانية للنساء، ورفع كافة التحفظات عليها مع ملاءمة التشريعات الوطنية مع "الصكوك" الدولية ذات العلاقة. علاوة عن ذلك، دعا الإعلان إلى مراجعة كل القوانين والبرامج التربوية والتي تتضمن تمييزاً ضد المرأة، وفتح نقاش مجتمعي بين كل المتدخلين والفاعلين لإقرار المساواة التامة بما فيها المساواة في الإرث، مع اعتبار التجربة التونسية رائدة في المجال.
وأورد الإعلان أيضا ضرورة معاقبة منع النساء من حقوقهن في الإرث والملكية في إطار التوزيع العادل للثروة بما يكفل الكرامة للنساء، إضافة إلى تحديد المسؤوليات حسب الأطراف الحكومية المستهدفة في الفترة القادمة، والابتعاد عن التعميم غير المجدي الذي يؤدي إلى الافلات من المحاسبة.
ويعلم المشاركون والمشاركات صعوبة تناول هذا الموضوع في مجتمعات في ظل كل هذه المعيقات. إلا أن رئيسة تحالف "إصرار من أجل التمكين والمساواة"، مريم الزموري، بدت على يقين بأن بداية الطريق تمر عبر رفع هالة القدسية عن موضوع التساوي في الإرث أولا.
وقالت في هذا الصدد لـ"العربي الجديد" إن المنتدى الذي انعقد خلال هذين اليومين بتونس سبقته اجتماعات من أجل الإحاطة بكافة جوانب الموضوع. وشددت على أن أهم خطوة يجب أن يقوم بها المجتمع المدني هي كسر حاجز الصمت حول الإرث بين المنظمات، وتوسيعها نحو نقاش مجتمعي ينخرط فيه الجميع ومن بينهم رجال الدين.
وأشارت الناشطة النسوية المغربية إلى أن دور رجال الدين في هذه النقطة محوري، لا سيما عن طريق تقديم قراءات جديدة للنص الديني تراعي عامل الاجتهاد من أجل مواكبة التغيرات المجتمعية.
وأبرزت محدثة "العربي الجديد" أن المساواة في الإرث حق مرتبط بالتمكين الاقتصادي وبالاستقلالية الاقتصادية للنساء كرافعة من أجل تقدمهن. وبينت أن الإرث والحق في الملكية هما حقان إنسانيان أساسيان متلازمان، في حين ما زالت العديدات في المغرب العربي وبقية الدول العربية، لا يحصلن على نصيبهن الطبيعي من الميراث أصلا، ومن خبرت خوض المسار القضائي حفظت قضيتها وبقيت غلى رفوف المحاكم لأن قوانين العرف تنص على ذلك.