فازت حركة الإنصاف في الانتخابات التشريعية الباكستانية التي جرت يوم الأربعاء الماضي، وأعلنت أن زعيمها عمران خان سيكون رئيس الوزراء في الحكومة العتيدة. عملياً هذا ما كان يتوقعه الباكستانيون عامة وجميع الأحزاب السياسية والدينية خاصة. غير أن ما حصل في الانتخابات من هزيمة للرموز السياسية الباكستانية التقليدية، وحصول حركة الإنصاف على هذا القدر من المقاعد (114 مقعداً من أصل 342)، وفي ظل الخروق الكثيرة أثناء عملية الاقتراع، أمر لم يكن يتوقعه الباكستانيون، ولا سيما أن لجنة الانتخابات وعدت باستخدام أنظمة وطرق إلكترونية جديدة للعد والفرز. وكانت جميع الأحزاب قد رفضت نتائج الانتخابات (ما عدا حزب خان طبعاً) في البداية، داعية إلى إجراء انتخابات جديدة، غير أنها انقسمت فيما بعد حول هذا المطلب.
وبعد الإعلان عن النتائج الرسمية، يبدو أن حزب خان لا يحتاج إلى تحالف كبير لتشكيل الحكومة المركزية، بل فقط إلى الأعضاء المستقلين (12)، أو التوافق مع أحزاب صغيرة، على رأسها حزب الرابطة الإسلامية جناح قائد أعظم، المنشق عن حزب الرابطة جناح نواز شريف، والحركة القومية المتحدة المعروفة بحركة المهاجرين عن الهند. وهذه التحالفات ستكون لحسابات سياسية ولا تحتاج لها الحركة لأجل تشكيل الحكومة، إذ إن تمكنه من استقطاب بعض المستقلين، وبعد الحصول على المقاعد الخاصة بالنساء والأقليات، سيسمحان لحزب خان من تشكيل الحكومة من دون الحاجة إلى أي حزب سياسي رئيسي. ما يعني أن خان سيكون قادراً من ناحية تشكيل الحكومة وقوتها على "تنفيذ الخطة التي رسمها لتأسيس باكستان جديدة قبل 22 عاماً"، على حد وصفه.
ولكن تصرفات خان وحزبه لا توحي بأنه قد غيّر سياسته تجاه الأحزاب المعارضة له، وخير دليل على ذلك إعلان الحزب تشكيل الحكومة في إقليم البنجاب بعد أن حصل نواز شريف على 129 مقعداً، بينما حصل حزب خان على 123 مقعداً. وبحسب التقارير، فإن حزب خان بدأ التفاوض مع أعضاء برلمان البنجاب للانضمام إليه بهدف تشكيل الحكومة. وتولت لجنة بقيادة القيادي البارز في الحزب جهانكير ترين، المهمة. وقد اتهم القيادي في حزب الرابطة، نجل زعيم الحزب حمزه شهباز، في مؤتمر صحافي في لاهور، يوم الجمعة، حركة الإنصاف بأنها "بصدد شراء أعضاء البرلمان لتشكيل الحكومة".
في المقابل، كان الأمر مختلفاً عن انتخابات 2013 حين حصل حزب نواز شريف وحزب خان على مقاعد متقاربة في إقليم خيبربختونخوا، حينها جاء شريف وأعلن أنه "يحترم حق حزب خان، وأنه لن يشكل الحكومة في الإقليم، بل ترك الأمر لعمران خان كي يشكل الحكومة هناك بالتحالف مع جماعات دينية". ويبدو أن خان قرر مواصلة هجومه في البنجاب بإعلان مصادر مقرّبة من الحزب أن "خان قرر إقالة جميع حكماء الأقاليم الذي عينهم حزب الرابطة الإسلامية، وسيتم ذلك حين يتسلّم خان منصب رئيس الوزراء".
هذه التصرفات، وتحديداً قضية حكومة البنجاب التي انتقدها الكثيرون في باكستان، أظهرت أن خان لم يبدّل سياسته حيال الجماعات السياسية الأخرى، ولا سيما أبرز منافسيه حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني ولا يستطيع أن يفعل ذلك، إذ إن وعوده المتكررة منذ أن بدأ حياته السياسية قبل 22 عاماً بمحاربة الفساد، ستضعه وجهاً لوجه مع كل تلك الأحزاب، لأنه يعتقد أن قيادات تلك الأحزاب ضالعة في الفساد.
وفي تأكيد على أن خان مقرّب من الجيش الباكستاني والاستخبارات، كونه وصل بدعم منهما إلى سدة الحكم، قال الزعيم السياسي في جنوب غرب البلاد محمود خان أجكزاي، في مؤتمر صحافي يوم الخميس، في مدينة كويتا إنه "في جميع مراكز الاقتراع كان رجال الاستخبارات موجودين بملابس مدنية. وكانوا يدّعون أنهم حضروا لإحلال الأمن، وفي الحقيقة هم كانوا داخل مراكز الاقتراع من أجل عمران خان". واتهم الجيش بأنه "وراء ما حصل لمصلحة خان".
من هنا ظهر أن حكومة خان ستكون وجهاً لوجه مع الأحزاب السياسية الأخرى، كما ستكون تحت تأثير الجيش، وعليها تلبية جميع مطالب المؤسسة العسكرية داخلياً وخارجياً. وبالنظر إلى طبيعة المؤسسة العسكرية وطبيعة خان وسياسات حزبه، فربما تواجه حكومته مشاكل كبيرة في المستقبل مع الجيش أيضاً.
وقد تكون وعود الحزب المبالغ فيها أثناء الحملة الانتخابية أكبر تحدٍ في وجه حكومة عمران خان المقبلة، إذ وعد بإيجاد فرص العمل للشباب والقضاء على أزمة الطاقة وتحسين الأوضاع الاقتصادية. وبالنظر إلى التطورات المحلية والعالمية وإلى وضع باكستان الاقتصادي والمعيشي لا يمكنه أن يفعل ذلك في المستقل القريب، ولا سيما أن باكستان متهمة عالمياً بدعم الإرهاب ومسجلة في القائمة الرمادية لمنظمة الشفافية العالمية، كما يُخشى إدراجها في القائمة السوداء في المستقبل، إن لم تتمكن من إقناع المنظمة بالعمل في ما يخص الدعم المالي للجماعات المسلحة وغسل الأموال. على الضفة الأخرى، الأحزاب السياسية والدينية المعارضة لها جذور في باكستان، وستتخذ من قضية الانتخابات أساساً لأي عمل ضد حكومة خان.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية هناك ملفات شائكة تنتظر حكومة عمران خان، أبرزها العلاقات مع أميركا وقضية أفغانستان وإقناع العالم بأن "باكستان لا تدعم الجماعات المسلحة". لم يفصل خان كثيراً خلال كلمته الأولى في علاقات بلاده مع أميركا سوى أنه "سيعمل لتعزيز علاقات ثنائية أساسها الاحترام المتبادل". غير أن سياسات خان معروفة بأنها "مناهضة لأميركا". فهو معروف بمعارضته حضور القوات الأميركية في أفغانستان، بل انتقد الحرب على الإرهاب بكاملها، ونظّم احتجاجات ومسيرات ضد الهجمات الأميركية بطائرات بلا طيار في المناطق القبلية الباكستانية. وفي عام 2012 وصف خان الحرب ضد القوات الأميركية في أفغانستان بـ"الجهاد". كما أكد في إبريل/نيسان الماضي في حوار له مع قناة "روسيا اليوم" أن "الحرب في أفغانستان والمنطقة أميركية محض ولأجل مصالح واشنطن وما كان ينبغي لباكستان أن تنضم إلى التحالف المناهض للإرهاب". من هنا فإن علاقات باكستان مع أميركا تحدٍ كبير لخان. ولا شك في أن الكلمة الأخيرة في مثل هذه القضايا للمؤسسة العسكرية. وهنا يتعين على خان أن يتنازل عن مواقفه السابقة، لأن المؤسسة العسكرية تسعى لترميم العلاقات مع واشنطن.