يحيي أطفال الجزائر اليوم العالمي للطفولة باستعداد نحو مليوني طفل للتوجه إلى الشغل بسبب الفقر، الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي في ولوج الأطفال عالم الشغل، خاصة إذا اقترن بقلـّة الوعي وتدني المستوى التعليمي للأولياء.
وتقودنا حال الطفولة في الجزائر حتما إلى الحديث عن المشاكل المرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها، والتي تتسم بالتقصير المتعدد الأوجه في حق هذه الشريحة الهشة، ومن بين أبرز المشاكل ظاهرة "عمالة الأطفال"، التي أصبحت متفشية بشكل لافت للانتباه، والتي طالت مختلف شرائحهم العمرية، خاصة في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية.
لكل واحد من هؤلاء الأطفال قصة مهمة، ويمكن أن نراها ونقترب منها في أحياء العاصمة والمدن والقرى، لتعطينا صورة واضحة عن حالتهم وواقعهم الذي يعيشونه وهي مأساة حقيقية. وما إن تمشي في أحياء وشوارع العاصمة حتى تجد الأطفال منهمكين في الشغل، وهم في سن لا يسمح بها قانون. أعمال أغلبها غير رسمية، كبيع السجائر والمواد الغذائية والملابس في الطرقات، وكذا العمل في بعض ورش إصلاح السيارات. فيما تحتل الزراعة المرتبة الثانية من حيث عدد الأطفال العاملين بها.
وتضم شوارع الجزائر أكثر من 20 ألف طفل مشرد، معظمهم لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، يعيشون في الشارع لأسباب عديدة أهمها الطلاق والتفكك الأسري والعنف الزائد وسوء المعاملة، في انتهاك بشع لحقّ الأطفال في الحماية والرعاية الأسرية والاجتماعية، خاصة وأنهم معرضون يوميا لحالات عنف واعتداءات جنسية واستغلال في الإجرام، كإدمان المخدرات واستغلالهم في ترويجها لصالح عصابات متخصصة لإبعاد شكوك الأمن، وكذا استخدامهم في التسول.
والحد من ظاهرة تشغيل الأطفال يتطلب ضرورة تطبيق القانون، وردع مستغليهم، إلى جانب العمل على إيجاد حلول اجتماعية للعائلات، التي تدفعها الحاجة إلى إقحام أبنائها في سوق العمل.
ويفيد تحقيق، قامت به الهيئة الوطنية لترقية وتطوير البحث، أن نصف أطفال الجزائر لا يتغذون جيداً. وفي هذا الصدد، يقول رئيس الهيئة أن نصيب الطفل الجزائري من البروتينات يوميا يعادل 18 جراما، في حين يتطلب النمو السليم لجسمه وقدراته العقلية 80 جراما من البروتينات مما يعني أن الطفل الجزائري يستهلك ربع الكمية، التي يستهلكها الطفل الأوروبي، مضيفا أن المعايير الدولية للتغذية تنص على ضرورة احتواء الغذاء اليومي على 3 آلاف سعر حراري، تحتوي هي الأخرى على مقدار ملائم من البروتينات، إلى جانب إحصاء 50 ألف طفل جزائري مصابين بأمراض مزمنة أغلبها تتعلق بالحساسية وأمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي.
ويمثل الأطفال ثلثي سكان الجزائر، وقد أشارت آخر الإحصائيات إلى أن عدد الأطفال بلغ 12 مليونا و800 ألف طفل، مما يترجم نسبة 30 في المائة من المجموع السكاني، حيث يمثل الأطفال، الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة 63 في المائة، فيما تتجاوز نسبة هؤلاء ممن تقل أعمارهم عن الخمس سنوات 20 في المائة.
وفي الجزائر، تبقى الإحصائيات والأرقام محل تباين وجدل كبيرين، فوزارة التضامن الوطني والأسرة، في الغالب، تتحفظ على الإحصائيات الدقيقة والحقيقية حول الظاهرة، رغم أن المنظمة العالمية للطفولة في عام 2012 ذكرت أن الجزائر في مقدمة الدول التي تعرف ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير قدر بـ 1.8 مليون طفل.
ورغم ما عمدت إليه الوزارة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة، بالتنسيق مع قطاعات وزارية أخرى، ومنظمة اليونيسيف، من سياسات وخطوات فيها أبعاد إيجابية عاب عليها العديد من المختصين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، من جمعيات مختلفة تهتم بشؤون الطفل استناداً إلى معطيات قديمة أو بالأحرى واقع قديم.
وكما هو معلوم، فإن واقع الطفل الجزائري عاش العديد من التغييرات وبروز مفاهيم جديدة يجب دراستها ومعالجتها بالاعتماد على أرقام وتفسيرات آنية، وهو ما يجعل المخطط، حسب العديد ممن حضروا عملية إطلاقه ويتابعونه في الوقت الحالي، ناقصا على الرغم من إمكانية الحصول على أرقام حديثة بالنسبةإلى مؤسسة حكومية بحجم الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة.