اعتاد السوريون إحصاء ضحايا جدد، منذ اندلاع الثورة في عام 2011، على وقع مجازر شبه يومية، يرتكبها النظام ويلجأ إلى تصعيدها للانتقام من المدنيين، كلما تعرض إلى إخفاق عسكري. لكن السوريين لم يعودوا، اليوم، يحصون عدد الضحايا، سواء القتلى أو الجرحى الذين هم بالآلاف أو مئات الآلاف حتى، إذ يشير أحد الأرقام، التي يقول "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إنه وثقها منذ الثامن عشر من شهر مارس/آذار 2011، وحتى الخامس من يناير/شباط عام 2015، إلى مقتل ما يزيد عن مئتي ألف شخص، نصفهم مدنيون، وإصابة نحو مليون ونصف المليون شخص آخرين بجروح.
المرصد، أصدر، أمس السبت، تقريراً يوثّق "استشهاد ومقتل ومصرع 210060 شخصاً، منهم 100973 مدنيّاً، و10664 طفلاً". وأوضح في تقريره أنّ "الخسائر البشرية في صفوف قوات النظام السوري بلغت 45385 قتيلاً، وذلك فضلاً عن مقتل 33085 عنصراً حاربوا إلى جانب النظام، وينتمون إلى حزب الله اللبناني، ومليشيات شيعية وأجنبية، وجيش الدفاع الوطني".
في المقابل، خسرت فصائل المعارضة بحسب التقرير ذاته "35827 مقاتلاً، في وقت سقط فيه 24989 قتيلاً لجبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وكتائب جنود الشام، وجند الأقصى، وتنظيم جند الشام، والكتيبة الخضراء، من جنسيات عربية وأوربية وآسيوية وأميركية وأسترالية".
في موازاة ذلك، أشار المرصد السوري إلى أنّه "يتوقع أن تكون أعداد قتلى "داعش" والتنظيمات الإسلامية المتشددة أكبر بكثير من الأعداد الموثّقة لديه، إلا أنّ تكتّمهم الشديد على خسائرهم، وصعوبة التواصل مع المناطق النائية في سورية حالت من دون الوصول إلى الأعداد الحقيقة".
والأمر لم يتوقف هنا، فالإحصائيات لا تشمل، كذلك، مصير "أكثر من 20 ألف مفقود داخل معتقلات قوات النظام وأجهزته الأمنية، ولا تشمل آلافاً آخرين فُقِدوا خلال اقتحام قوات النظام والمسلحين الموالين لها، مناطق سورية عدة، وارتكابها مجازر فيها، كما لا تشمل أيضاً مصير آلاف الأسرى من قوات النظام والمسلحين التابعين لها"، بحسب المرصد.
التقرير سلّط الضوء، أيضاً، على أكثر من "مليون ونصف مليون مواطن سوري أصيبوا بجراح مختلفة وإعاقات دائمة، في وقت شُرّد فيه أكثر من نصف الشعب السوري، بين مناطق اللجوء والنزوح، ودمرت البنى التحتية والأملاك الخاصة والعامة، خلال الأشهر الـ47 الفائتة".
ويأتي تقرير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بعد يومين دمويين شهدتهما الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وأحياء داخل مدينة حلب، في تصعيد عسكري ملحوظ من قوات النظام.
وذكر مراسل "شبكة شام الإخبارية" في ريف دمشق حسان تقي الدين، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أكثر من مائة مدني، قُتلوا في الغوطة الشرقية، يومي الخميس والجمعة الماضيين، إثر عشرات الغارات لطيران النظام الحربي، التي تسببت في حالة من الذعر والهلع لدى الأهالي، إذ إنّ الأقبية لم تعد تقيهم من المخاطر، نتيجة شدة وطأة النيران"، واصفاً اليومين الماضيين بـ"أصعب الأيام التي مرّت على الغوطة منذ انتفاضها في وجه بشار الأسد".
وعلى الرغم من أنّ أهالي الغوطة اعتادوا، يوميّاً، قصف منطقتهم، إلا أنّ كثافة القصف والمحاولات المتكررة لقوات النظام لاقتحامها، أخيراً، تزامنت مع إعلان دمشق منطقة عسكرية من قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، الذي وجّه صواريخه إلى أحياء دمشق، فارضاً حظر تجوّل على سكّانها.
مجزرة أخرى خلّفها طيران النظام المروحي في حي بعيدين في حلب، يوم الجمعة، بعد أن ساد المدينة هدوء نسبي طوال الشهرين الماضيين، فتقدُّم كتائب المعارضة في ريف حلب الشمالي وسيطرتها على تلة الميّاسات الاستراتيجية، دفعت النظام كعادته إلى الانتقام من المدنيين واستهدافهم بالبراميل المتفجرة، ما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 25 مدنيّاً، عدا عن وقوع عشرات الجرحى.