ليس سرّاً أنّ خروج كثيراتٍ عن صمتهنّ في ما يتعلق بقضايا التحرّش في المجال الفني قد أودى بعدّة أعمالٍ سينمائية وتلفزيونية، أو شخصياتٍ حاضرة فيها بالحدّ الأدنى. هذا الكشف والإفصاح ليس حكراً على الإناث بالطبع؛ فالممثل كيفين سبيسي لاقى نهاية مسيرته الفنّية عقب اتهاماتٍ من الممثل أنثوني راب، ما فتح الباب أمام عدّة ذكور ليتكلّموا عن وقائع مشابهة مع سبيسي عندما كانوا في سنّ المراهقة.
هكذا، صدر الموسم السادس والأخير من مسلسل "هاوس أوف كاردز" من دون شخصيته الرئيسيّة. وفي قضيّةٍ مشابهة، توقّفت الأعمال التي يشرف على إنتاجها الكوميديان "لوي سي كي"، وتجمّدت عدّة مشاريع، نتيجة ارتباط أحجار زاويتها باتهامات متعلقة بالاستغلال الجنسي، بينما أكّدت شبكة HBO بعد تحقيقاتها أن مسلسل "ذا ديوس" يوفّر بيئة ملائمة ومريحة لكافة العاملين، وتم تجاهل الاتهامات التي طاولت الممثل جيمس فرانكو؛ الذي يؤدي دور شقيقين توأمين في العمل.
خلال تصوير الموسم الثاني، بات حضور منسّقة المشاهد الحميمية أمراً مألوفاً، وتشكّلت بنية جديدة لطريقة الإعداد لهذه المشاهد، عوضاً عن اللاخطّة، أو نظرية "افعلي ما ترتاحين له"، الجاري استعمالها في مجالي السينما والتلفزيون حتى الآن. تقوم المنسّقة بالاتفاق مع المخرج على المشهد، وتنقل الصورة المطلوبة للممثلين/ات ثم تعديلها حتى التوافق؛ بحيث تتيقّن أن كلّ الأطراف لديهم ذات التصوّر لما سيتم العمل عليه بغية الحدّ من المفاجآت، وضمان عدم حدوث انتهاكاتٍ فيزيائية أو شعورية.
ما هو The Deuce؟
ابتكر المسلسل ديفيد سايمون وجورج بيليكانوس وصدر منه حتّى الآن موسمان بانتظار الثالث والأخير في العام القادم. يتمحور العمل حول نهضة الإباحية في نيويورك خلال السبعينيات. لاقى العمل استحساناً نقدياً هائلاً؛ فالكاتب سايمون هو القلم المبدع خلف مسلسل "ذا واير"؛ أحد الأعمال التي أسست لعصر التلفزيون الذهبي في بداية الألفية، ومجرّد عودته للعمل التلفزيوني رفع التوقعات وسلّط الاهتمام على المسلسل.
ابتدأ الأمر مع الممثلة إيميلي ميد عقب تصويرها لمشهد جنسٍ فموي في الموسم الأول، وساورها القلق مع تنامي مشكلة بيئة العمل غير الآمنة في هوليوود. رحّب منتجو العمل بفكرة وجود شخصية اعتبارية تقوم بالإشراف على ما يتم تصويره، خصوصاً أن المشاهد الجنسية ركنٌ أساسي ضمن المسلسل، ومع بداية تصوير الموسم الثاني تم تكليف آليشيا رودز كمنسّقة مشاهد حميمية في المسلسل.
هذه الخطوة حرّضت مزيداً من الجهود المبذولة لفصل ما يحدث بين الممثلين وما يخرج كنتاج نهائي على الشاشة، فالكاتب سايمون أقرّ أن جميع أعماله المستقبلية ستتضمن منسّقاً للمشاهد الحميمية، وتؤهّل شبكة HBO حالياً مجموعة من المنسقين بحيث سيحضرون في جميع إنتاجاتها المستقبليّة.
تتحدث رودز عن مهمّتها موضحةً أن ما تقوم به ينضوي على تجهيز البطانات الخاصّة لتغطية عورات الممثلين والممثلات، والانتباه إلى درجة الحرارة أثناء التصوير، إلى جانب جلب البخاخات المعقّمة، علاوةً على التنسيق بين الكادر التمثيلي والإخراجي قبل التصوير. تصف ميد تجربتها الأولى بوجود رودز، إذ وضعت ملاءة أرضية حيث ستجثو ميد لإبعاد البرودة والوقاية، وفور نهاية التصوير أمّنت الأغطية والمعقّمات. أمورٌ بسيطةٌ كما تبدو لكنّها غائبة عن مواقع التصوير، تُعنى براحة الممثل/ة، وتوفّر الحد المطلوب تماماً سواءً على صعيد العري أو الإيحاءات.
حسب مقابلة رودز مع مجلة "رولينغ ستون"، فإن منصب المنسّق الحميمي موجود في المسرح، لكنّه لا يتوافر في السينما والتلفزيون، رغم وجود مختّصين للتعامل مع الأطفال والحيوانات في ذات الحقل الفني، بالإضافة لمنسّقي المشاهد العنيفة، لكن بالنسبة للجنس فالموضوع غائب. رودز بذاتها بدأت كممثلة ثم تولّت مهمّة مخرجة مشاهد قتالية في عدّة أعمال. وفقاً لشعارها، فإن صناعة الفنّ ليست أمراً مريحاً على الدوام، فهي تحرص خلال مسيرتها على عزل الشخصية ومحدداتها عن شخص الممثل وما قد يلبّيه وفقاً لرؤية إخراجية ما.
هل هناك سلبيات؟
إنّ مجرّد الحديث عن وجود سلبيات في هذه الاستراتيجية القادمة سيلاقي الاستهجان، لكن خطوة للخلف؛ إن الضخ الإعلامي الذي رافق هذه الحركة ارتبط كثيراً بالممثلة ميد التي أشعلت الفتيل لهذه التدابير، من دون الحديث أن العمل من بطولة ممثل تدور حوله كثيرٌ من اتهامات الابتزاز الجنسي، كما شهد الموسم الثاني تضاؤلاً لمحاور الشخصيتين التي يؤديهما فرانكو وغلبةً للأدوار النسائية؛ أي أن الشبكة العملاقة حافظت على مسلسلها وبطله وحوّلت التساؤلات إلى فتحٍ جديدٍ وتغييرٍ ثوريٍّ لتصوير المشاهد الحميمية.
هذا بالنسبة للعمل ذاته؛ لكن بنظرة عامة يقتضي حضور مشهد جنسي وجود سياقٍ قصصي، فالمشهد يخدم الحكاية ولا يُراد له أن يكون نقيّاً عفيفاً، كما أن قبول دورٍ ما يستلزم بالضرورة معرفة مسار الشخصية وجرعة العري والمشاهد الجنسية، ربما في الإنتاج التلفزيوني يتعقّد الموضوع لأن الكادر التمثيلي لا يعرف مآل شخصياته وما سيقبلون عليه مع الأعوام. لكن لا يتغير تصنيف أي مسلسل بُعيد عرضه؛ فالحدود واضحة منذ البداية وإن لم تكن التفاصيل جليّةً.
بالإمكان القول أن وجود المنصب الجديد يخلخل السلطة الإخراجية والعلاقة مع الممثلين، فالتنسيق ليس كما في المسرح مقترنٌ بتمارين خاصّة قبل أداء الرقصات أو التقارب الجسدي، بل يُحدد ما يحصل ويغيّر المشهد تبعاً "لشعور" المؤدي/ة، ولم يُحدد بعد إن كان الممثلون البدلاء سيُعاملون بذات الشروط الجديدة؛ وهنا على الإيهام أن يعمل على التوازي بين ما يصوّر وبين من يؤدّي، أم أّنّه سينهي مفهوم الاستعانة بممثلين بدلاء لتأدية المشاهد الجنسيّة.
ذكريات سيئة
منذ حوالي العقد تحدّثت الممثلة ماريا شنايدر عن مشهد اغتصابها في فيلم "لاست تانغو ان باريس" عام 1972، حيث جرى تصوير المشهد بشكل مغاير عن النص المكتوب؛ أقرّ المخرج برناردو برتولوتشي لاحقاً عام 2013 أنّه اتفق مع بطل الفيلم مارلون براندو على مفاجأة شنايدر بالمشهد ليحصل على ردّة فعل الفتاة وليس الممثلة؛ حيث أراد أن تشعر بالهوان حسب تصريحه. وفي الألفية الجديدة ثارت جلبةٌ حول فيلم "لافيدا دا آديل" 2013 واتّهم المخرج عبد اللطيف كشيش بتحيّزه للجانب الذكوري في تقديمه العلاقة المثلية بين فتاتين؛ بكون المشاهد قريبة من الفانتازيا الذكورية وليس الواقعيّة، خصوصاً بعدما صرّحت بطلتا الفيلم عن سوء المعاملة وتكرار كثيرٍ من اللقطات حتى أنّهما شعرتا كأنهما عاهرتان.
اقــرأ أيضاً
كلا الفيلمين السابقين يحوزان على تقديرٍ نقدي، ويصنّفان كعلامتبن بارزتين في تاريخ السينما، والجدير بالذكر أن التجارب غير السارّة بين الممثلين والمخرجين كثيراً ما أفضت إلى نجاحاتٍ فنيّة، رغم صعوبة المهمّة وما تسببّه من أذىً نفسي لكن ما يبقى هو المنتج بينما تقبع الكواليس بشقّيها المبهج والسيئ في صفحات المعلومات الجانبيّة، ليبقى انقسام الآراء عنواناً للسؤال المطروح بكم تتأثر موضوعية الحكم على نتاج فني بالنظر لما رافق مراحل صنعه.
هكذا، صدر الموسم السادس والأخير من مسلسل "هاوس أوف كاردز" من دون شخصيته الرئيسيّة. وفي قضيّةٍ مشابهة، توقّفت الأعمال التي يشرف على إنتاجها الكوميديان "لوي سي كي"، وتجمّدت عدّة مشاريع، نتيجة ارتباط أحجار زاويتها باتهامات متعلقة بالاستغلال الجنسي، بينما أكّدت شبكة HBO بعد تحقيقاتها أن مسلسل "ذا ديوس" يوفّر بيئة ملائمة ومريحة لكافة العاملين، وتم تجاهل الاتهامات التي طاولت الممثل جيمس فرانكو؛ الذي يؤدي دور شقيقين توأمين في العمل.
خلال تصوير الموسم الثاني، بات حضور منسّقة المشاهد الحميمية أمراً مألوفاً، وتشكّلت بنية جديدة لطريقة الإعداد لهذه المشاهد، عوضاً عن اللاخطّة، أو نظرية "افعلي ما ترتاحين له"، الجاري استعمالها في مجالي السينما والتلفزيون حتى الآن. تقوم المنسّقة بالاتفاق مع المخرج على المشهد، وتنقل الصورة المطلوبة للممثلين/ات ثم تعديلها حتى التوافق؛ بحيث تتيقّن أن كلّ الأطراف لديهم ذات التصوّر لما سيتم العمل عليه بغية الحدّ من المفاجآت، وضمان عدم حدوث انتهاكاتٍ فيزيائية أو شعورية.
ما هو The Deuce؟
ابتكر المسلسل ديفيد سايمون وجورج بيليكانوس وصدر منه حتّى الآن موسمان بانتظار الثالث والأخير في العام القادم. يتمحور العمل حول نهضة الإباحية في نيويورك خلال السبعينيات. لاقى العمل استحساناً نقدياً هائلاً؛ فالكاتب سايمون هو القلم المبدع خلف مسلسل "ذا واير"؛ أحد الأعمال التي أسست لعصر التلفزيون الذهبي في بداية الألفية، ومجرّد عودته للعمل التلفزيوني رفع التوقعات وسلّط الاهتمام على المسلسل.
ابتدأ الأمر مع الممثلة إيميلي ميد عقب تصويرها لمشهد جنسٍ فموي في الموسم الأول، وساورها القلق مع تنامي مشكلة بيئة العمل غير الآمنة في هوليوود. رحّب منتجو العمل بفكرة وجود شخصية اعتبارية تقوم بالإشراف على ما يتم تصويره، خصوصاً أن المشاهد الجنسية ركنٌ أساسي ضمن المسلسل، ومع بداية تصوير الموسم الثاني تم تكليف آليشيا رودز كمنسّقة مشاهد حميمية في المسلسل.
هذه الخطوة حرّضت مزيداً من الجهود المبذولة لفصل ما يحدث بين الممثلين وما يخرج كنتاج نهائي على الشاشة، فالكاتب سايمون أقرّ أن جميع أعماله المستقبلية ستتضمن منسّقاً للمشاهد الحميمية، وتؤهّل شبكة HBO حالياً مجموعة من المنسقين بحيث سيحضرون في جميع إنتاجاتها المستقبليّة.
تتحدث رودز عن مهمّتها موضحةً أن ما تقوم به ينضوي على تجهيز البطانات الخاصّة لتغطية عورات الممثلين والممثلات، والانتباه إلى درجة الحرارة أثناء التصوير، إلى جانب جلب البخاخات المعقّمة، علاوةً على التنسيق بين الكادر التمثيلي والإخراجي قبل التصوير. تصف ميد تجربتها الأولى بوجود رودز، إذ وضعت ملاءة أرضية حيث ستجثو ميد لإبعاد البرودة والوقاية، وفور نهاية التصوير أمّنت الأغطية والمعقّمات. أمورٌ بسيطةٌ كما تبدو لكنّها غائبة عن مواقع التصوير، تُعنى براحة الممثل/ة، وتوفّر الحد المطلوب تماماً سواءً على صعيد العري أو الإيحاءات.
حسب مقابلة رودز مع مجلة "رولينغ ستون"، فإن منصب المنسّق الحميمي موجود في المسرح، لكنّه لا يتوافر في السينما والتلفزيون، رغم وجود مختّصين للتعامل مع الأطفال والحيوانات في ذات الحقل الفني، بالإضافة لمنسّقي المشاهد العنيفة، لكن بالنسبة للجنس فالموضوع غائب. رودز بذاتها بدأت كممثلة ثم تولّت مهمّة مخرجة مشاهد قتالية في عدّة أعمال. وفقاً لشعارها، فإن صناعة الفنّ ليست أمراً مريحاً على الدوام، فهي تحرص خلال مسيرتها على عزل الشخصية ومحدداتها عن شخص الممثل وما قد يلبّيه وفقاً لرؤية إخراجية ما.
هل هناك سلبيات؟
إنّ مجرّد الحديث عن وجود سلبيات في هذه الاستراتيجية القادمة سيلاقي الاستهجان، لكن خطوة للخلف؛ إن الضخ الإعلامي الذي رافق هذه الحركة ارتبط كثيراً بالممثلة ميد التي أشعلت الفتيل لهذه التدابير، من دون الحديث أن العمل من بطولة ممثل تدور حوله كثيرٌ من اتهامات الابتزاز الجنسي، كما شهد الموسم الثاني تضاؤلاً لمحاور الشخصيتين التي يؤديهما فرانكو وغلبةً للأدوار النسائية؛ أي أن الشبكة العملاقة حافظت على مسلسلها وبطله وحوّلت التساؤلات إلى فتحٍ جديدٍ وتغييرٍ ثوريٍّ لتصوير المشاهد الحميمية.
هذا بالنسبة للعمل ذاته؛ لكن بنظرة عامة يقتضي حضور مشهد جنسي وجود سياقٍ قصصي، فالمشهد يخدم الحكاية ولا يُراد له أن يكون نقيّاً عفيفاً، كما أن قبول دورٍ ما يستلزم بالضرورة معرفة مسار الشخصية وجرعة العري والمشاهد الجنسية، ربما في الإنتاج التلفزيوني يتعقّد الموضوع لأن الكادر التمثيلي لا يعرف مآل شخصياته وما سيقبلون عليه مع الأعوام. لكن لا يتغير تصنيف أي مسلسل بُعيد عرضه؛ فالحدود واضحة منذ البداية وإن لم تكن التفاصيل جليّةً.
بالإمكان القول أن وجود المنصب الجديد يخلخل السلطة الإخراجية والعلاقة مع الممثلين، فالتنسيق ليس كما في المسرح مقترنٌ بتمارين خاصّة قبل أداء الرقصات أو التقارب الجسدي، بل يُحدد ما يحصل ويغيّر المشهد تبعاً "لشعور" المؤدي/ة، ولم يُحدد بعد إن كان الممثلون البدلاء سيُعاملون بذات الشروط الجديدة؛ وهنا على الإيهام أن يعمل على التوازي بين ما يصوّر وبين من يؤدّي، أم أّنّه سينهي مفهوم الاستعانة بممثلين بدلاء لتأدية المشاهد الجنسيّة.
ذكريات سيئة
منذ حوالي العقد تحدّثت الممثلة ماريا شنايدر عن مشهد اغتصابها في فيلم "لاست تانغو ان باريس" عام 1972، حيث جرى تصوير المشهد بشكل مغاير عن النص المكتوب؛ أقرّ المخرج برناردو برتولوتشي لاحقاً عام 2013 أنّه اتفق مع بطل الفيلم مارلون براندو على مفاجأة شنايدر بالمشهد ليحصل على ردّة فعل الفتاة وليس الممثلة؛ حيث أراد أن تشعر بالهوان حسب تصريحه. وفي الألفية الجديدة ثارت جلبةٌ حول فيلم "لافيدا دا آديل" 2013 واتّهم المخرج عبد اللطيف كشيش بتحيّزه للجانب الذكوري في تقديمه العلاقة المثلية بين فتاتين؛ بكون المشاهد قريبة من الفانتازيا الذكورية وليس الواقعيّة، خصوصاً بعدما صرّحت بطلتا الفيلم عن سوء المعاملة وتكرار كثيرٍ من اللقطات حتى أنّهما شعرتا كأنهما عاهرتان.