13 فبراير 2022
منطقة الخليج وفوضى النظام الدولي
أعادت الأزمة الخليجية الراهنة تذكيرنا بالطبيعة السائلة والغامضة التي يمرّ بها النظام الدولي (أو بالأحرى اللانظام) حالياً. وعلى الرغم من أنها أزمةٌ إقليميةٌ في مضمونها، إلا أنها تركت، ولا تزال، أصداء عالمية واسعة، وهي بالأحرى إحدى الأزمات النادرة التي بدت فيها العولمة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية حاضرةً ومؤثرةً بقوة، ما يجعلها أزمةً مختلفةً عن الأزمات الأخرى التي شهدها النظام الدولي طوال العقدين الأخيرين.
ويمكننا أن نلمس أكثر من ملمح لهذه الأزمة، فيما يخص النظام الدولي الذي يُصار إلى إعادة تشكيله حالياً. لعل أولها طبيعة الصراع في الخليج. تاريخياً، خصوصا منذ منتصف القرن الماضي، كان الخليج، نظراً إلى موقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، أحد نقاط التنافس الدولي، خصوصا بين الدول الغربية، وتحديداً بين أميركا وبريطانيا. ولكن، مع تراجع نفوذ الأخيرة، أصبحت أميركا اللاعب الدولي الرئيسي في هذه المنطقة طيلة العقود السبعة الماضية. وقد ازداد الحضور الأميركي بشكل خاص بعد أزمة الخليج الثانية التي عزّزت التعاون الأمني والعسكري والاستراتيجي بين الولايات المتحدة والبلدان الخليجية التي كانت لا تتمتع بغطاءٍ عسكري واستراتيجي، يمكنه حمايتها من مغامرات جيرانها، خصوصا العراق وإيران.
بيد أنه خلال العقد الماضي، تحول الصراع على الخليج من المستوى الدولي إلى المستوى الإقليمي، بحيث بات الصراع علي الخليج ينبع من داخله وبين دوله سواء، وليس من النظام الدولي، كما كانت الحال. سواء تمثل ذلك في حروب الخليج المتعدّدة بين إيران والعراق، والعراق والكويت، أو الأزمة الحالية التي تكشف حجم التوتر المتزايد في هذه المنطقة.
ثانياً، لا يمكن الفصل بين البعدين الإقليمي والدولي في الأزمة الحالية. بل يمكن القول إن
الأزمة الحالية انعكاسٌ غير مباشر لما يحدث علي المستوى الدولي، فالتحولات التي يمر بها النظام الدولي حالياً، سواء بسبب صعود القوي الشعبوية، أو هيمنة اليمين المتطرّف علي الساحة السياسية، بل ووصوله إلي مركز القرار في دولةٍ كبرى، كالولايات المتحدة، ناهيك عن صعود السلطويات العتيقة، كما هي الحال في روسيا، تلعب دوراً مهماً في إعادة تشكيل الأنظمة والتحالفات الإقليمية، وتشجع دولا صغيرة على لعب دور أكبر من حجمها، مدفوعة بإمكاناتها المادية والاقتصادية، وقدرتها على التأثير علي صانعي القرار الدوليين. فلولا اعتقاد دولةٍ صغيرةٍ، جغرافياً وتاريخياً وبشرياً، بأن النظام الدولي يمر باضطرابٍ وفوضى، وأنه يمكن شراء ولاءات بعض دوله، كما حدث في الأزمة الحالية، وذلك من أجل كسب تأييدها أو على الأقل تحييدها. وقد رأينا جميع أطراف الأزمة منهمكين في جذب هذا الطرف أو ذاك لصالحها، مستفيدة في ذلك من حالة التشابك والتعقد التي تؤطر العلاقات الدولية منذ عقود.
ثالثاً، تعيد هذه الأزمة تعريف أوزان اللاعبين في الساحتين، الإقليمية والدولية، فالشائع بين باحثي العلاقات الدولية أن الدول الكبرى هي التي تحرّك الأحداث والتفاعلات على الساحة الدولية. بيد أن الأزمة الحالية تؤكد أن الدول المتوسطة والصغيرة حجماً يمكنها أيضا أن تلعب دوراً مهماً في رسم هذه التفاعلات وتحريكها. وقد ازداد تأثير البلدان الصغيرة في العلاقات الدولية خلال العقد الماضي، ليس فقط نتيجة طموحات هذه البلدان ورغباتها، وإنما أيضا بسبب ضعف الدول الكبرى، وتراجعها واهتزازها، وانشغالها بمشكلاتها وقضاياها الداخلية. فدولة مثل إيران أو تركيا تلعب دوراً محورياً في صياغة التفاعلات والديناميات الإقليمية في المنطقة. في حين بدأت الدول التي تقل عنها حجماً، كالإمارات والسعودية وقطر، تدخل مضمار التنافس الإقليمي، وباتت تلعب دوراً مؤثراً في صياغة قواعد اللعبة الإقليمية على نحو ما دلت عليه الأزمة الحالية. وتستفيد كل دولة من إمكاناتها المادية وثرواتها الطبيعية، من أجل تعزيز نفوذها.
رابعاً، يختلف الصراع بين الدول الصغيرة عن الذي قد ينشب بين الدول الكبرى. ذلك أن التنافس بين الأولى لا يتوقف عند حدود تحقيق توازن إقليمي، يضمن تحقيق مصالحها، وإنما بالأساس السعي إلى تحقيق التفوق وفرض النفوذ والإرادة على بعضها بعضا. وقد حاولت، ولا تزال، الأطراف الثلاثة في الأزمة الحالية (الإمارات، والسعودية، والبحرين) فرض إرادتها على قطر لأسباب مختلفة، ليس لها علاقة بالذرائع التي يتم الحديث عنها، مثل "تمويل الإرهاب" و"دعم الإخوان المسلمين"...إلخ.
خامساً، بقدر ما تحاول الدول الصغيرة الاستفادة من تناقضات النظام الدولي، وصراعات
أطرافه، بقدر ما تستغل القوى الكبرى حالة الصراع بين هذه البلدان، ليس فقط من أجل ضربها ببعضها بعضا، ووقف التقارب بينهما، وإنما أيضا لابتزازها سياسياً وماديا، على نحو ما تفعل الولايات المتحدة في الأزمة الخليجية الراهنة. فمن الواضح أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كما أوضح مقال سابق للكاتب، يتعاطى مع الأزمة الخليجية بمنطق "المقامرة" التي يمكنها أن تحقق له أكبر قدر من المكاسب المادية، وقد تفاخر بذلك علناً أكثر من مرة، فزيارته الرياض قبض ثمنها مقدّماً من خلال صفقة بيع أسلحة أميركية للسعودية، بلغ حجمها، باعتراف وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، حوالي 380 مليار دولار.
ربما لم تلعب منطقة دوراً مهما في النظام الدولي، خلال العقد الماضي، مثلما فعلت المنطقة العربية التي أصبحت مسرحاً للأحداث والتفاعلات والتدخلات الخارجية، ناهيك عن حالة العنف المستشرية، سواء على مستوى السلطويات العربية، أو منافسيها من الجماعات الراديكالية، والذي تدفع الشعوب العربية ثمنه غالياً.
ويمكننا أن نلمس أكثر من ملمح لهذه الأزمة، فيما يخص النظام الدولي الذي يُصار إلى إعادة تشكيله حالياً. لعل أولها طبيعة الصراع في الخليج. تاريخياً، خصوصا منذ منتصف القرن الماضي، كان الخليج، نظراً إلى موقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية، أحد نقاط التنافس الدولي، خصوصا بين الدول الغربية، وتحديداً بين أميركا وبريطانيا. ولكن، مع تراجع نفوذ الأخيرة، أصبحت أميركا اللاعب الدولي الرئيسي في هذه المنطقة طيلة العقود السبعة الماضية. وقد ازداد الحضور الأميركي بشكل خاص بعد أزمة الخليج الثانية التي عزّزت التعاون الأمني والعسكري والاستراتيجي بين الولايات المتحدة والبلدان الخليجية التي كانت لا تتمتع بغطاءٍ عسكري واستراتيجي، يمكنه حمايتها من مغامرات جيرانها، خصوصا العراق وإيران.
بيد أنه خلال العقد الماضي، تحول الصراع على الخليج من المستوى الدولي إلى المستوى الإقليمي، بحيث بات الصراع علي الخليج ينبع من داخله وبين دوله سواء، وليس من النظام الدولي، كما كانت الحال. سواء تمثل ذلك في حروب الخليج المتعدّدة بين إيران والعراق، والعراق والكويت، أو الأزمة الحالية التي تكشف حجم التوتر المتزايد في هذه المنطقة.
ثانياً، لا يمكن الفصل بين البعدين الإقليمي والدولي في الأزمة الحالية. بل يمكن القول إن
ثالثاً، تعيد هذه الأزمة تعريف أوزان اللاعبين في الساحتين، الإقليمية والدولية، فالشائع بين باحثي العلاقات الدولية أن الدول الكبرى هي التي تحرّك الأحداث والتفاعلات على الساحة الدولية. بيد أن الأزمة الحالية تؤكد أن الدول المتوسطة والصغيرة حجماً يمكنها أيضا أن تلعب دوراً مهماً في رسم هذه التفاعلات وتحريكها. وقد ازداد تأثير البلدان الصغيرة في العلاقات الدولية خلال العقد الماضي، ليس فقط نتيجة طموحات هذه البلدان ورغباتها، وإنما أيضا بسبب ضعف الدول الكبرى، وتراجعها واهتزازها، وانشغالها بمشكلاتها وقضاياها الداخلية. فدولة مثل إيران أو تركيا تلعب دوراً محورياً في صياغة التفاعلات والديناميات الإقليمية في المنطقة. في حين بدأت الدول التي تقل عنها حجماً، كالإمارات والسعودية وقطر، تدخل مضمار التنافس الإقليمي، وباتت تلعب دوراً مؤثراً في صياغة قواعد اللعبة الإقليمية على نحو ما دلت عليه الأزمة الحالية. وتستفيد كل دولة من إمكاناتها المادية وثرواتها الطبيعية، من أجل تعزيز نفوذها.
رابعاً، يختلف الصراع بين الدول الصغيرة عن الذي قد ينشب بين الدول الكبرى. ذلك أن التنافس بين الأولى لا يتوقف عند حدود تحقيق توازن إقليمي، يضمن تحقيق مصالحها، وإنما بالأساس السعي إلى تحقيق التفوق وفرض النفوذ والإرادة على بعضها بعضا. وقد حاولت، ولا تزال، الأطراف الثلاثة في الأزمة الحالية (الإمارات، والسعودية، والبحرين) فرض إرادتها على قطر لأسباب مختلفة، ليس لها علاقة بالذرائع التي يتم الحديث عنها، مثل "تمويل الإرهاب" و"دعم الإخوان المسلمين"...إلخ.
خامساً، بقدر ما تحاول الدول الصغيرة الاستفادة من تناقضات النظام الدولي، وصراعات
ربما لم تلعب منطقة دوراً مهما في النظام الدولي، خلال العقد الماضي، مثلما فعلت المنطقة العربية التي أصبحت مسرحاً للأحداث والتفاعلات والتدخلات الخارجية، ناهيك عن حالة العنف المستشرية، سواء على مستوى السلطويات العربية، أو منافسيها من الجماعات الراديكالية، والذي تدفع الشعوب العربية ثمنه غالياً.