06 نوفمبر 2024
منظمات حقوقية أم قفازات ناعمة لأطراف الحرب في اليمن؟
في الحراك الحقوقي المصاحب لانعقاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف في سبتمبر/ أيلول الجاري، يحضر ملف انتهاكات أطراف الحرب اليمنية وحلفائها الإقليميين، واللافت في سجالات هذا العام التأثر بسياقات الصراعات الإقليمية والمكايدات السياسية، أكثر من كونه انتصارا لضحايا الحرب في اليمن؛ فخلافاً للعام الماضي، يبدو أن الكتلة العربية التي كانت موحّدة فيما مضى ستدخل "دورة جنيف" الحالية منقسمةً على نفسها، حيث ألقت تداعيات الأزمة الخليجية بظلالها على ملف الانتهاكات في اليمن، فالكتلة العربية التي كانت قد توحدت لإعاقة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات أطراف الحرب تستخدم اليوم ملف الضحايا اليمنيين، لمقايضة خصومها الإقليميين في مقابل قبولهم التفاوض في ملفاتٍ سياسيةٍ أخرى، في حين تضغط الدول المتدخلة في اليمن بقوة المال للإفلات من المساءلة عن جرائمها في حق اليمنيين.
يتجلى الانقسام الحاد في مقاربة ملف الضحايا اليمنيين وتسييسه واضحاً في مواقف المنظمات الحقوقية اليمنية الفاعلة في الساحتين، اليمنية والدولية، إذ تباينت مواقفها ما بين الحاجة الماسّة لتشيكل لجنة دولية، معللة ذلك بافتقار اللجنة الوطنية التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور
هادي للخبرة الدولية، فضلاً عن أن تشكيلها من الرئيس هادي، فيما هو طرف في الحرب، كالسعودية التي تستمر في ارتكاب جرائمها بحق اليمنيين، يطعن في مصداقيتها؛ فيما طالبت منظمات أخرى بدعم استمرار اللجنة الوطنية، مستدعيةً فشل لجنة التحقيق الدولية في ليبيا وسورية. اللافت في تباينات هذه المواقف أنها لم تنبثق من سياقٍ حقوقي مهني، يتبنى مصالح أسر الضحايا اليمنيين منذ بدء الحرب، بغض النظر عن هوية قاتلهم، وإنما انطلق من دوافع سياسيةٍ متأثرة بوجهة الصراعات الاقليمية في المنطقة، أو بأجندات المال السياسي.
أسهمت الحرب وأقلمة الصراع في اليمن في تجريف ما تبقى من الرأسمال الرمزي للمنظمات الحقوقية اليمنية، مجرّدة إياها بذلك من مهنيتها، لتتفوق بذلك المنظمات الحقوقية اليمنية، بالنسبة ليمنيين كثيرين، في انتهازيتها وتمثيل مصالحها على الأحزاب السياسية اليمنية. يبدو أن تدفق الأموال، وتعدّد مصادره، فضلاً عن غياب آلية مجتمعية محايدة لمراقبة مصادر التمويل، أطلق يد هذه المنظمات، ليس فقط في اعتساف حقوق الضحايا اليمنيين في مقابل المال، والتبرير لأطراف الحرب، بل وفي احتكار تمثيلها المجتمع المدني اليمني أمام المجتمع الدولي، واستثمار ملف ضحايا الحرب في اليمن، وكذلك علاقاتها مع المنظمات الدولية، لأجل تنصيب نفسها متحدثا باسم الضحايا اليمنيين، فضلاً عن تأثير المال السياسي في صيغة تقاريرها، وهو ما جعل منها صوتاً سياسياً للدول المموّلة أكثر منه للضحايا.
تتصدّر العربية السعودية، قائدة التحالف العربي، قائمة الدول المموّلة للمنظمات الحقوقية اليمنية في أثناء الحرب، تليها الإمارات التي انحصر تمويلها لمنظمات حقوقية جنوبية عديدة، وهو ما انعكس على أداء هذه المنظمات وتقاريرها، وانحيازاتها السياسية؛ فمن جهة، استثمرت منظمات يمنية ممولة سعودياً ملف انتهاكات مليشيات الحوثي وصالح في مدينة تعز مبرّرا لتعطيل مساءلة دول التحالف العربي عن انتهاكاتها في اليمن. وعليه، يتم إسقاط حقوق ضحايا التحالف لصالح ضحايا المليشيات، أو العكس، في حين تجاهلت المنظمات الجنوبية، المموّلة إماراتيا انتهاكات الإمارات في السجون والمعتقلات، بما فيها موت المعتقلين جرّاء التعذيب، وكيّفت بعض حوادث سقوط ضحايا التحالف العربي في عدن كجرائم مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح؛ فيما تبنت المنظمات التابعة لهذه المليشيات، الممولة من منظمات دولية أو من جهات إيرانية، ملف انتهاكات التحالف العربي في اليمن، للتغطية على جرائم المليشيات في مدينة تعز.
على يسار المنظمات الحقوقية اليمنية المسيسة، استطاعت منظمات أخرى، عبر علاقاتها بالمنظمات الدولية وحضورها في وسائل الإعلام الأجنبية، توجيه إمكاناتها المالية لحصر تمثيل الضحايا اليمنيين في كيانها القانوني، وانطلقت في هذا السياق في قيادة رأي عام لتشكيل لجنةٍ دوليةٍ مستقلة، للتحقيق في انتهكات أطراف الحرب، على أن سياقات الحملة تؤكد أن انحيازها لتشيكل لجنة دولية لا يأتي من إيمانها بمبدأ إنصاف الضحايا، كما يأمل يمنيون كثيرون، وباعتبار إجراء تشكيل لجنة محايدة يستقيم مع تعقيدات الحرب، وتشوه المنظمات اليمنية، وإنما بغرض انفرادها بامتيازات خاصة، كالتمتع بدعمٍ دولي في حال الاتفاق على آلية دولية.
تشريح تحولات مواقف منظمات حقوقية يقتضي تتبع تقاريرها الحقوقية، منذ بدء الحرب في اليمن، لإدراك التحولات في مواقفها المحكوم غالبيتها بالطموح الذاتي وجهة المال السياسي. وتبرز تقارير مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان الذي يترأسه وزير حقوق الإنسان الأسبق في حكومة الشرعية، عز الدين الأصبحي، مثالا جليا على انحيازات منظماتٍ يمنية كثيرة في ظل الحرب، إذ انتهجت المنظمة خطاً سياسياً واضحاً منذ بدء الحرب، بتجاهل
ضحايا التحالف العربي من المدنيين، واقتصرت تقاريرها وبياناتها الحقوقية على تبني خطٍّ أحادي بإدانة جرائم مليشيات الحوثي وصالح في تعز، فضلاً عن إعاقة رئيسها من موقعه السابق وزيرا تشكيل لجنة تحقيق دولية في العام الماضي، إلا أن اللافت أن المنظمة نفسها تتبنى اليوم مقترح تشكيل لجنة دولية. وبالطبع، ليس هذا التغير المفاجئ نتاج صحوة ضمير متأخرة، وانحيازاً لحقوق الضحايا اليمنيين، وإنما لتقاطع مصالح مالية حرّكتها تداعيات الأزمة الخليجية في اليمن.
المشهد الحقوقي اليمني الفسيفسائي الذي أحدثته الحرب، وانحيازات المال السياسي، يؤكدان تشوهات هذه المنظمات التي سقطت في اختبارات المهنية، فضلاً عن جرم استرزاقها من ملف الضحايا اليمنيين، وفرض نفسها ممثلا وحيدا لهؤلاء الضحايا. بالطبع، استفادت أطراف الحرب في اليمن من الانقسام الحقوقي وجيّرتها لمصلحتها، فالمال السياسي المتدفق على المنظمات اليمنية لم يغسل عار أطراف الحرب في اليمن وحسب، بل وحمل هذه المنظمات على التنكّر لمهمتها الإنسانية، وقبولها وظيفة تمثيل مصالح أطراف الحرب وتبرير جرائمها. في ظل تشظي الوسط الحقوقي اليمني وتسيسه، وارتهانه لإملاءات الخارج، يبدو، للأسف، أن لا أمل في تصحيح مساره، فالمنظمات الحقوقية الجديدة التي يترأسها جيل حقوقي شاب لا تختلف، في انتهازيتها، عن الجيل الأول من منظمات حقوق الإنسان، ما يجعل من ولادة منظمات حقوقية يمنية نزيهة تمثل مصالح الضحايا اليمنيين أمراً غير وارد، على الأقل في مرحلة الحرب.
يحتاج ضحايا الحرب في اليمن، الذين سقطوا بغارات طيران التحالف أو بالتعذيب في سجونه، أو الذين قتلتهم قذائف مليشيات الحوثي وصالح أو في سجونها، أكثر من أي وقت مضى لتحريرهم من المنظمات الحقوقية اليمنية المتاجرة بأسمائهم وعذاباتهم، بعد أن تحوّل غالبيتها إلى جلاد غليظ ورخيص، لا يتحدث عن الضحايا إلا للانتصار لطرفٍ من أطراف الحرب أو التبرير له.
يتجلى الانقسام الحاد في مقاربة ملف الضحايا اليمنيين وتسييسه واضحاً في مواقف المنظمات الحقوقية اليمنية الفاعلة في الساحتين، اليمنية والدولية، إذ تباينت مواقفها ما بين الحاجة الماسّة لتشيكل لجنة دولية، معللة ذلك بافتقار اللجنة الوطنية التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور
أسهمت الحرب وأقلمة الصراع في اليمن في تجريف ما تبقى من الرأسمال الرمزي للمنظمات الحقوقية اليمنية، مجرّدة إياها بذلك من مهنيتها، لتتفوق بذلك المنظمات الحقوقية اليمنية، بالنسبة ليمنيين كثيرين، في انتهازيتها وتمثيل مصالحها على الأحزاب السياسية اليمنية. يبدو أن تدفق الأموال، وتعدّد مصادره، فضلاً عن غياب آلية مجتمعية محايدة لمراقبة مصادر التمويل، أطلق يد هذه المنظمات، ليس فقط في اعتساف حقوق الضحايا اليمنيين في مقابل المال، والتبرير لأطراف الحرب، بل وفي احتكار تمثيلها المجتمع المدني اليمني أمام المجتمع الدولي، واستثمار ملف ضحايا الحرب في اليمن، وكذلك علاقاتها مع المنظمات الدولية، لأجل تنصيب نفسها متحدثا باسم الضحايا اليمنيين، فضلاً عن تأثير المال السياسي في صيغة تقاريرها، وهو ما جعل منها صوتاً سياسياً للدول المموّلة أكثر منه للضحايا.
تتصدّر العربية السعودية، قائدة التحالف العربي، قائمة الدول المموّلة للمنظمات الحقوقية اليمنية في أثناء الحرب، تليها الإمارات التي انحصر تمويلها لمنظمات حقوقية جنوبية عديدة، وهو ما انعكس على أداء هذه المنظمات وتقاريرها، وانحيازاتها السياسية؛ فمن جهة، استثمرت منظمات يمنية ممولة سعودياً ملف انتهاكات مليشيات الحوثي وصالح في مدينة تعز مبرّرا لتعطيل مساءلة دول التحالف العربي عن انتهاكاتها في اليمن. وعليه، يتم إسقاط حقوق ضحايا التحالف لصالح ضحايا المليشيات، أو العكس، في حين تجاهلت المنظمات الجنوبية، المموّلة إماراتيا انتهاكات الإمارات في السجون والمعتقلات، بما فيها موت المعتقلين جرّاء التعذيب، وكيّفت بعض حوادث سقوط ضحايا التحالف العربي في عدن كجرائم مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح؛ فيما تبنت المنظمات التابعة لهذه المليشيات، الممولة من منظمات دولية أو من جهات إيرانية، ملف انتهاكات التحالف العربي في اليمن، للتغطية على جرائم المليشيات في مدينة تعز.
على يسار المنظمات الحقوقية اليمنية المسيسة، استطاعت منظمات أخرى، عبر علاقاتها بالمنظمات الدولية وحضورها في وسائل الإعلام الأجنبية، توجيه إمكاناتها المالية لحصر تمثيل الضحايا اليمنيين في كيانها القانوني، وانطلقت في هذا السياق في قيادة رأي عام لتشكيل لجنةٍ دوليةٍ مستقلة، للتحقيق في انتهكات أطراف الحرب، على أن سياقات الحملة تؤكد أن انحيازها لتشيكل لجنة دولية لا يأتي من إيمانها بمبدأ إنصاف الضحايا، كما يأمل يمنيون كثيرون، وباعتبار إجراء تشكيل لجنة محايدة يستقيم مع تعقيدات الحرب، وتشوه المنظمات اليمنية، وإنما بغرض انفرادها بامتيازات خاصة، كالتمتع بدعمٍ دولي في حال الاتفاق على آلية دولية.
تشريح تحولات مواقف منظمات حقوقية يقتضي تتبع تقاريرها الحقوقية، منذ بدء الحرب في اليمن، لإدراك التحولات في مواقفها المحكوم غالبيتها بالطموح الذاتي وجهة المال السياسي. وتبرز تقارير مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان الذي يترأسه وزير حقوق الإنسان الأسبق في حكومة الشرعية، عز الدين الأصبحي، مثالا جليا على انحيازات منظماتٍ يمنية كثيرة في ظل الحرب، إذ انتهجت المنظمة خطاً سياسياً واضحاً منذ بدء الحرب، بتجاهل
المشهد الحقوقي اليمني الفسيفسائي الذي أحدثته الحرب، وانحيازات المال السياسي، يؤكدان تشوهات هذه المنظمات التي سقطت في اختبارات المهنية، فضلاً عن جرم استرزاقها من ملف الضحايا اليمنيين، وفرض نفسها ممثلا وحيدا لهؤلاء الضحايا. بالطبع، استفادت أطراف الحرب في اليمن من الانقسام الحقوقي وجيّرتها لمصلحتها، فالمال السياسي المتدفق على المنظمات اليمنية لم يغسل عار أطراف الحرب في اليمن وحسب، بل وحمل هذه المنظمات على التنكّر لمهمتها الإنسانية، وقبولها وظيفة تمثيل مصالح أطراف الحرب وتبرير جرائمها. في ظل تشظي الوسط الحقوقي اليمني وتسيسه، وارتهانه لإملاءات الخارج، يبدو، للأسف، أن لا أمل في تصحيح مساره، فالمنظمات الحقوقية الجديدة التي يترأسها جيل حقوقي شاب لا تختلف، في انتهازيتها، عن الجيل الأول من منظمات حقوق الإنسان، ما يجعل من ولادة منظمات حقوقية يمنية نزيهة تمثل مصالح الضحايا اليمنيين أمراً غير وارد، على الأقل في مرحلة الحرب.
يحتاج ضحايا الحرب في اليمن، الذين سقطوا بغارات طيران التحالف أو بالتعذيب في سجونه، أو الذين قتلتهم قذائف مليشيات الحوثي وصالح أو في سجونها، أكثر من أي وقت مضى لتحريرهم من المنظمات الحقوقية اليمنية المتاجرة بأسمائهم وعذاباتهم، بعد أن تحوّل غالبيتها إلى جلاد غليظ ورخيص، لا يتحدث عن الضحايا إلا للانتصار لطرفٍ من أطراف الحرب أو التبرير له.