منعطف القضية الفلسطينية

21 يونيو 2018
+ الخط -
يدرك المتتبع للقضية الفلسطينية، وما آلت إليه من تشتت داخلي وتحالف إقليمي ودولي لإبرام اتفاق ينهي الصراع مع إسرائيل من دون الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية؛ يدرك أنّ الفترة الحالية ليست فترة عابرة تمر بها القضية عبر قرن، بدءاً بالحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة العثمانية، وصولا إلى إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل، وقد تشكل هذه الفترة بداية ضياع الحق التاريخي للفلسطينيين.
ما تحقق أخيرا، بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم، بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، هو مكافأة لإسرائيل، إذ يبدو أن هذه الصفقة تلاقي دعماً عربياً أكثر منه أوروبيا.
أوروبا التي تبدي تأييدا خجولا لحل الدولتين، لا تكاد تلعب دورا حقيقيا في هذه المعادلة التاريخية، وهل هي تريد هذا فعلاً أم أنها تلعب دور رفع العتب ليس إلا؟
لا شيء مبشر للفلسطينيين، عدا نجاحاتٍ مرحليةٍ يخرج بها الشعب تارة، وصانعو القرار الفلسطيني تارة أخرى، من دون خطة وطنية واضحة، بدايةً من صدور قرار إلزامي من محكمة لاهاي الدولية ببطلان جدار الفصل العنصري، فيما يتبعه لاحقاً اعتراف أممي بدولة فلسطينية تحت الاحتلال استنادا لحدود 1967، إلى جانب صمود محفوف بالمخاطر من القيادة الفلسطينية في وجه الصفقة الأميركية بمقومات شعبية مشتتة.
في غزة ترى التناقض الغريب بين المقاومة المسلحة التي تنتهجها حركة حماس (ومن معها) والشعب الذي يتطلع إلى تحسين الوضع الاقتصادي، ويصب جام حشوده على الحدود الشرقية للقطاع، متظاهرا أو على معبر رفح مهاجراً. وفي الضفة، ترى المقاومة الشعبية وشبه دولة المؤسسات وصمود المقدسيين وسرطان المستوطنات، وكأنه صراع على ملكية الأرض والتاريخ.
دولياً، تقف الإنجازات التي تحققها حركة مقاطعة إسرائيل عاملاً مهما في ضرب الرواية الصهيونية للصراع، مرتكزة على الوعي النسبي لشعوب العالم، ووقوفه المتواصل إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فيما تأتي المبادرات الفردية، رياضياً وفنياً وثقافياً وتعليمياً... من هنا وهناك بارقة أمل لشعبٍ قابلٍ للحياة.
يبدو أنّ فصل غزة عن الضفة سياسيا أصبح أمرا حتميا لا مفر منه، فالقيادة الفلسطينية لغزة والضفة لا تكاد تتنازل عن مصالحها جلبا للوحدة، والشعب مغلوبٌ على أمره، ينتظر في غزة انفراجة اقتصادية، أما في الضفة فتنذر المظاهرات الحالية ضد العقوبات بإشعال فتيل أزمة، تزعزع هياكل السلطة، وتقود لاحقا إلى حكم ذاتي مقتصر على البلديات، على أن تبقى السلطة بشكلها الضعيف كما يراد لها.
ويبدو أيضا أنّ بعض السلطات العربية تستعد للاحتفال بالعلاقات المرتقبة مع إسرائيل، والتي بدأت بوادرها بالظهور مع مشاركة وفود عربية في أنشطة رياضية وثقافية صهيونية، في داخل إسرائيل وخارجها.
في حال لم يطرأ أي مستجد سلبي أو إيجابي يؤثر بشكل كبير على مجريات الأحداث يأتي التساؤل الكبير: ما الذي على الفلسطينيين فعله؟ تغليب المصلحة الوطنية العليا في وجه مصلحة التنظيمات؟ وكيف؟ بالانتخابات؟ مجلس وطني جديد؟ تمكين الحكومة؟ جولة مصالحة جديدة؟ من الذي سيحسم الجدال والخطوة المقبلة؟ حراك شعبي أم ثورة جماهيرية؟ وكيف يمكن للفلسطينيين قلب الطاولة على المشروع الصهيوني، وعدم الانجرار وراء خططه؟ وهل هذا ممكن أصلا؟
على الشعب الفلسطيني أن يمارس دوره الثوري بالعودة إلى القواعد الأولى للنضال. وعليه، أن يدرك جيدا أن معركته مع المشروع الصهيوني، بعيدا عن إيديولوجيته الوجودية أو الحدودية. على الشعب الفلسطيني أن يصحو من غفوته، وأن لا يترك حسم المعركة الكبرى سوى لما يريده.
032DDBC9-0769-4B96-8E58-644CC09CFE75
032DDBC9-0769-4B96-8E58-644CC09CFE75
إسماعيل العثماني (فلسطين)
إسماعيل العثماني (فلسطين)