في عالم تغير ويتغير بشكل مستمر، أصبحت الحاجة ماسة إلى منهج دراسي يواكب كل هذا التغيير، خاصة مع كل التحولات الثورية الناتجة عن العولمة، التي بدأت إرهاصاتها في نهايات القرن المنصرم.
وأضحى الهدف المنشود من التعليم خلق "مواطن عالمي" (Global Citizen) قادر على الإسهام في الحياة في القرن الحادي والعشرين بشكل فعال. وهذا هو ما دعا عدداً من علماء وخبراء التربية والتعليم بمبادرة من جامعة هارفارد الأميركية إلى تطوير منهج دراسي لعالم يتغير باستمرار.
وقام فرناندو راميريز، الأستاذ الجامعي في كلية الدراسات العليا للتعليم بجامعة هارفارد والمتخصص في سياسات التعليم الدولية، بمشاركة خبراء وعلماء من مختلف أنحاء العالم بتطوير منهج دراسي عالمي يناسب المستقبل، والذي أطلق عليه "مساق العالم" (World Course).
ويتميز هذا المساق العالمي بأنه يوفر مناهج دراسية تغطي فترة التعليم قبل الجامعي بأكملها ابتداء بروضة الأطفال وانتهاء بالمدرسة الثانوية.
مساق العالم
يركز هذا المنهج الدراسي العالمي بالأساس على فكرة أن عالمنا يتغير باستمرار، وأن المستقبل ستصبح فيه البشرية أكثر اتصالاً وتشابكاً، كما أنها ستواجه العديد من التحديات الصعبة التي تتطلب تعاوناً بين كل البشر على كافة الأصعدة بشكل يتجاوز الأعراق والقوميات والحدود. لذا فإن ذلك المنهج يسعى لخلق مواطنين عالميين يقدرون على تفهم وتقبل تنوعهم الثقافي، ويمكنهم العمل سوياً على مشاريع مشتركة، ويتميزون بالإبداع اللازم لإيجاد حلول مستدامة للمشاكل المعقدة، ويعرفون كيف يستخدمون التكنولوجيا ويطوعونها لتطوير أنفسهم، ويدركون أنهم، كأفراد يعملون سوياً، قادرون على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعهم العالمي.
يضم هذا المساق الدراسي عدة مناهج مختلفة تنقسم إلى جزأين رئيسيين. الأول يضم مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الأساسية إلى الصف الثامن، والثاني يضم المرحلة الثانوية من الصف التاسع إلى الصف الثاني عشر. ويتدرج المساق عبر تلك المناهج من الأنشطة البسيطة وصولاً إلى التعلم القائم على المشاريع، كما أنه يركز بشكل أساسي على الكيفية التي يتم بها تدريس المعارف والمهارات أكثر من المعارف والمهارات في حد ذاتها.
يبدأ المساق بتقديم العالم إلى الأطفال الصغار كمكان متنوع وجميل يمكن استكشافه بصور وأشكال مختلفة وذلك خلال عامي رياض الأطفال. بعد ذلك يتم تقديم عدد من الموضوعات
المختلفة للطلبة في صفوف المرحلة الأساسية، والتي تتطور من صف دراسي للتالي بشكل أوسع وأعمق. حيث تركز تلك الموضوعات على المفاهيم التالية:
-
قيمة ريادة الأعمال الاجتماعية.
-
تطور الحضارة عبر العصور.
-
دور الأفراد في إحداث تغيير إيجابي بالمجتمع والعالم.
-
الواقع المستمر لحركة وانتقال البشر والأفكار حول العالم.
ويتم تدريس تلك الموضوعات عبر العام الدراسي من خلال الأنشطة والمشاريع والأفلام والكتب، وينتهي كل عام دراسي بمشروع كبير مثل تأليف كتاب أو صناعة فيلم وثائقي أو إنشاء مشروع يحل مشكلة مجتمعية. وبنهاية الجزء الأول من مساق العالم يصبح الطلبة قادرين على إيجاد معنى لما يتعلمونه، بدلا من مجرد تعلم عدة معارف واكتساب عدة مهارات.
الجزء الثاني: الصف التاسع إلى الصف الثاني عشر
يبدأ طلبة الصف التاسع في مساق العالم باختيار موضوعين دراسيين من خمسة مواضيع مصممة بعناية لتلبية أهداف المساق هي:
-
البيئة
-
المجتمع والصحة العامة
-
الصراعات العالمية ومواجهتها
-
اقتصاديات التنمية
-
التكنولوجيا والإبداع والعولمة
حيث يقوم كل طالب بدراسة الموضوعين المختارين كل على حدة خلال فصل دراسي كامل. وبنهاية الصف التاسع يقوم كل طالب بتحديد مشكلة أو تحدي معين يريد إيجاد حل له.
مع بداية الصف العاشر يقوم الطالب بالاندماج في مشروع مدته ثلاثة أعوام حتى انتهاء الصف الثاني عشر، بناءا على المشكلة أوالتحدي الذي قام باختياره. يشترط لهذا المشروع أن يتم فيه إجراء بحث أكاديمي بشكل مستقل، بجانب إتمام تدريب تحت إشراف مرشد أو مؤسسة، بالإضافة إلى تطوير وتنفيذ خطة لحل المشكلة المختارة، وأخيرا تقديم عرض نهائي بنهاية الصف الثاني عشر للمشروع بأكمله.
وبالطبع فإن هذا المشروع لا يتم تنفيذه في الفراغ، حيث يتم إدراج الطلبة في مجموعات نصح وإرشاد من المعلمين والخبراء من خارج المدرسة بجانب طلبة آخرين من مختلف الصفوف ومختلف الدول. وبهذا يحدث التكامل المنشود لتخريج مواطن عالمي قادر على الإسهام في الحياة في القرن الحادي والعشرين بشكل فعال وإيجابي.