08 نوفمبر 2024
من أجل الأسد ضاع البلد
لم يكذب أنصار الرئيس السوري، بشار الأسد، عندما أطلقوا شعارهم الشرّير الشهير، مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011: "الأسد أو نحرق البلد". فهم فعلاً حرقوا البلد ودمروها ومزّقوها إرباً، بحيث أصبح ملايين من شعبها نازحين ولاجئين، وقتلوا وجرحوا مئات الآلاف منهم، ودمّروا ودكّوا مدنها وقراها، وأوقعوا فيها من الفظائع ما يعجز المرء عن تصوّره ووصفه، وتركوها نهباً مستباحاً لحركاتٍ وجماعاتٍ مسلحة متطرفة، وأخرى إجرامية، وثالثة انفصالية. دع عنك رهن استقلالها وسيادتها لإيران وروسيا والولايات المتحدة، وكل من هَبَّ وَدَبَّ من دول الإقليم والعالم، ترسل طائراتها وجنودها ومرتزقتها، مستبيحةً أجواءها وأراضيها "السيادية". تم ذلك كله من أجل الحفاظ على الأسد رئيساً، وعلى نظامه حاكماً. ولكن، هل تحقق ذلك فعلا؟
لعلنا لا نضيف جديداً إذا قلنا إن الجواب هو لا كبيرة. نعم، قد يكون بقي الأسد، نظرياً، رئيساً، لسورية، لكنه، عمليا، موظف بمسمى رئيس، وليس حتى موظفاً برتبة رئيس، أما نظامه فقد تداعى إلى حدٍّ جعل أجنحته المهلهلة تدين بالولاء إلى جهاتٍ مختلفةٍ من داعميه. الأدهى أن الأسد اليوم لا يعمل موظفاً بمسمى رئيسٍ لدى جهةٍ واحدة، بل تتنازع خضوعه جهتان، فثمة إيران من ناحية، وروسيا من ناحية ثانية. ثالثة الأثافي، أن تكون عاصمة حزب الله اللبناني، الضاحية الجنوبية، في بيروت، أحد مراكز التحكّم الإيراني في سورية، ونظام الأسد، بل والأسد نفسه، بعد أن كان لبنان كله، وبيروت، بما فيها ضاحيتها الجنوبية، يوما تأتمر، عقوداً، بأمر دمشق وحاكمها. إلى هذا الحد، وصل الهوان بالأسد الذي حرقت سورية من أجل بقائه.
نسجل هذه الملاحظة المريرة المُغَمَّسَةِ بِسُمِّ الإهانة لنا، نحن العرب، بعد أن تابعنا، الأسبوع الماضي، كيف تم استدعاء "الموظف" بشار للمثول أمام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في دمشق أو قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية شمال غربي سورية، حيث لا نعرف، على وجه التحديد، أين تمَّ اللقاء، أو الاستدعاء، لنكون أدقّ، وإن زعم النظام أنه تمَّ في دمشق. بغض النظر أين كان الاستدعاء، فإن في الأمر إهانة على أي الوجهين، ذلك أن "رئيس" سورية لم يكن يعرف من سيلتقي في عاصمة دولته أو إحدى مدنها التي ما زالت تخضع بقوة لسيطرته، ورأيناه يجاهر ببلاهة: "أنا سعيد جدا بلقائكم اليوم، إنها مفاجأة سارة".. "ولم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيا"! وكما تمّ في حادثة استدعاء الأسد، العام الماضي، للمثول أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، رأينا الأسد يجلس أمام شويغو في غرفة لا تعكس أي طابع بروتوكولي أو سيادي ينبيك أنك في سورية، حيث جلس الأسد من دون مساعدين أو حرس معه، حتى وزير دفاعه لم يكن حاضراً كما يقتضي البروتوكول. أما عَلَمُ النظام، فغاب هذه المرّة على أرض سورية، كما غاب، العام الماضي، في جلسة المثول أمام بوتين في موسكو.
ولا تقف إهانات الروس لبشار ونظامه، بل حتى لإيران وحزب الله، عند ذلك الحد، فروسيا لا
تتردّد أبداً في إعلان تنسيقها مع إسرائيل في خرق مقاتلات الأخيرة الأجواء السيادية السورية، وقصف ما تراه تهديداً لأمنها، وتدمير ما تزعم أنها شحناتٌ تسليحيةٌ لحزب الله. حدث ذلك غير مَرَّة، ولم ينطلق صاروخ واحد من منظومة الدفاع الجوي الروسي "أس400" المتمركزة في قاعدة حميميم. ولم تتردد موسكو في مضاعفة جرعة الإهانة لنظام الأسد، وذلك عندما قامت، قبل أكثر من أسبوعين، بإعادة دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قد غنمها في لبنان عام 1982، وأهدتها سورية إلى الاتحاد السوفييتي السابق. بل إن موسكو وتل أبيب يحضّران لمناورات عسكريةٍ مشتركة في البحر الأبيض المتوسط.
ما سبق، ينضاف، إلى تحييد إيران ونظام الأسد في مفاوضات الهدنة والمحادثات السياسية مع الولايات المتحدة، والتي قد يكون بند إزاحة الأسد على جداولها. بمعنى آخر، ترسل روسيا، رسالة واضحة للأسد وحلفائه من الإيرانيين، وأداتهم اللبنانية، حزب الله، مفادها بأنها ليست شريكاً لهم، وإنما هي صاحبة القول الفصل في سورية وما يتعلق بها. أما إنْ لم يعجبهم ذلك، فإن روسيا قادرة دوماً على تجميد ضرباتها الجوية، لتتكبّد قوات النظام وإيران ومقاتلو حزب الله الخسائر الفادحة، كما جرى، قبل أيام، في الهجوم المضاد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محافظة الرقة.
باختصار، لم يكتف النظام السوري بحرق البلد من أجل الأسد، بل إنه وضع كل سورية تحت وصاية روسية - إيرانية، انتهى فيها من حُرِقَتْ البلد من أجله ليس أكثر من خادمٍ مطيعٍ لا يملك خياراتٍ ولا كرامة ولا استقلالاً، فهو أضعف وأتفه من أن يجلس ندّاً في حضرة الكبار، حتى أمام قادة حزب الله الذين أوكل إليهم، في مناطق كثيرة، قيادة وحدات عسكرية سورية وتوجيهها. أما من تأخذه عزة كرامةٍ من قادة النظام الأمنيين والعسكريين فتتم تصفيته. إلى هذا الحد، هانت سورية، وبعد ذلك يحدثونك عن "المؤامرة الكونية على سورية".. نعم، ثمة "مؤامرة كونية" على سورية، غير أن أبرز متآمر فيها هو الأسد ونظامه، على الأقل بإجرامهم وحماقتهم.
لعلنا لا نضيف جديداً إذا قلنا إن الجواب هو لا كبيرة. نعم، قد يكون بقي الأسد، نظرياً، رئيساً، لسورية، لكنه، عمليا، موظف بمسمى رئيس، وليس حتى موظفاً برتبة رئيس، أما نظامه فقد تداعى إلى حدٍّ جعل أجنحته المهلهلة تدين بالولاء إلى جهاتٍ مختلفةٍ من داعميه. الأدهى أن الأسد اليوم لا يعمل موظفاً بمسمى رئيسٍ لدى جهةٍ واحدة، بل تتنازع خضوعه جهتان، فثمة إيران من ناحية، وروسيا من ناحية ثانية. ثالثة الأثافي، أن تكون عاصمة حزب الله اللبناني، الضاحية الجنوبية، في بيروت، أحد مراكز التحكّم الإيراني في سورية، ونظام الأسد، بل والأسد نفسه، بعد أن كان لبنان كله، وبيروت، بما فيها ضاحيتها الجنوبية، يوما تأتمر، عقوداً، بأمر دمشق وحاكمها. إلى هذا الحد، وصل الهوان بالأسد الذي حرقت سورية من أجل بقائه.
نسجل هذه الملاحظة المريرة المُغَمَّسَةِ بِسُمِّ الإهانة لنا، نحن العرب، بعد أن تابعنا، الأسبوع الماضي، كيف تم استدعاء "الموظف" بشار للمثول أمام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في دمشق أو قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية شمال غربي سورية، حيث لا نعرف، على وجه التحديد، أين تمَّ اللقاء، أو الاستدعاء، لنكون أدقّ، وإن زعم النظام أنه تمَّ في دمشق. بغض النظر أين كان الاستدعاء، فإن في الأمر إهانة على أي الوجهين، ذلك أن "رئيس" سورية لم يكن يعرف من سيلتقي في عاصمة دولته أو إحدى مدنها التي ما زالت تخضع بقوة لسيطرته، ورأيناه يجاهر ببلاهة: "أنا سعيد جدا بلقائكم اليوم، إنها مفاجأة سارة".. "ولم أكن أعلم أنكم ستأتون شخصيا"! وكما تمّ في حادثة استدعاء الأسد، العام الماضي، للمثول أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، رأينا الأسد يجلس أمام شويغو في غرفة لا تعكس أي طابع بروتوكولي أو سيادي ينبيك أنك في سورية، حيث جلس الأسد من دون مساعدين أو حرس معه، حتى وزير دفاعه لم يكن حاضراً كما يقتضي البروتوكول. أما عَلَمُ النظام، فغاب هذه المرّة على أرض سورية، كما غاب، العام الماضي، في جلسة المثول أمام بوتين في موسكو.
ولا تقف إهانات الروس لبشار ونظامه، بل حتى لإيران وحزب الله، عند ذلك الحد، فروسيا لا
ما سبق، ينضاف، إلى تحييد إيران ونظام الأسد في مفاوضات الهدنة والمحادثات السياسية مع الولايات المتحدة، والتي قد يكون بند إزاحة الأسد على جداولها. بمعنى آخر، ترسل روسيا، رسالة واضحة للأسد وحلفائه من الإيرانيين، وأداتهم اللبنانية، حزب الله، مفادها بأنها ليست شريكاً لهم، وإنما هي صاحبة القول الفصل في سورية وما يتعلق بها. أما إنْ لم يعجبهم ذلك، فإن روسيا قادرة دوماً على تجميد ضرباتها الجوية، لتتكبّد قوات النظام وإيران ومقاتلو حزب الله الخسائر الفادحة، كما جرى، قبل أيام، في الهجوم المضاد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في محافظة الرقة.
باختصار، لم يكتف النظام السوري بحرق البلد من أجل الأسد، بل إنه وضع كل سورية تحت وصاية روسية - إيرانية، انتهى فيها من حُرِقَتْ البلد من أجله ليس أكثر من خادمٍ مطيعٍ لا يملك خياراتٍ ولا كرامة ولا استقلالاً، فهو أضعف وأتفه من أن يجلس ندّاً في حضرة الكبار، حتى أمام قادة حزب الله الذين أوكل إليهم، في مناطق كثيرة، قيادة وحدات عسكرية سورية وتوجيهها. أما من تأخذه عزة كرامةٍ من قادة النظام الأمنيين والعسكريين فتتم تصفيته. إلى هذا الحد، هانت سورية، وبعد ذلك يحدثونك عن "المؤامرة الكونية على سورية".. نعم، ثمة "مؤامرة كونية" على سورية، غير أن أبرز متآمر فيها هو الأسد ونظامه، على الأقل بإجرامهم وحماقتهم.