20 نوفمبر 2024
من دريفوس إلى ماكرون
مرّ تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن تجريم انتقاد الصهيونية، بدون ردود فعل، في فرنسا والعالم العربي، على الرغم من خطورة تصريحاته التي قد تتحول غداً إلى قوانين نافذة تطبّق فوق التراب الفرنسي، قبل أن تقلّدها دولٌ أخرى، يسعى حكامها إلى التقرب من اللوبي الصهيوني العالمي، أو بضغط من هذا اللوبي الذي يزداد تأثيره قوةً يوما بعد يوم، منذ ظهر الفكر الصهيوني في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا.
وللتذكير، قال ماكرون إن "معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية"، وتوعد بأن تطبق بلاده مفهوما عالميا لمعاداة السامية، يَعتبر معاداة الصهيونية أحد أشكال جرائم الكراهية أو معاداة السامية التي يعاقب عليها القانون في دول كثيرة، بما فيها فرنسا.
لا تهم هنا دواعي الرئيس الفرنسي من إثارته هذا الموضوع في هذا التوقيت الذي أصبح فيه نفوذ المنظمات اليهودية في العالم قويا، فكل من يرغب في التودّد إلى لوبيات الضغط اليهودية العابرة للقارات عليه أن يمر عبر التقرب إلى إسرائيل، ومحاباة ساستها، والسكوت عن جرائمها. لكن، في المقابل، يجب الوقوف عن هذه المغالطات التاريخية والسياسية والفكرية التي يسعى دعاة الصهيونية إلى نشرها، للتغطية على جرائم فكرهم العنصري، فهذا الفكر أول ما قام تأسس على أيديولوجيةٍ عنصريةٍ تعتبر كل من يشكك في وجود دولته "إسرائيل" مجرما معاديا للسامية وكارها لليهود.
يجب أن لا ننسى ما كان لقضيةٍ شهيرة هزّت فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر، هي "قضية دريفوس" من تأثير كبير على الحركة الصهيونية من خلال أحد مؤسسيها، هو ثيودور هرتزل،
ومظاهرات معاداة السامية التي اجتاحت المجتمعات اليهودية في أوروبا الوسطى والشرقية آنذاك. ما يسعى إليه ماكرون، والذي تعيش بلاده اليوم حالة احتقان سياسي واجتماعي غير مسبوق، هو إحداث الصدمة نفسها التي أثارتها قضية الضابط اليهودي ألفريد دريفوس، وقسمت المجتمع الفرنسي إلى مساندين ومعارضين لهذا الضابط المتهم بالخيانة، وما ترتب عن ذلك الاصطفاف من صراع اجتماعي وسياسي وقيمي كان له تأثير كبير على تشكل الجمهورية الفرنسية وقِيمها. ولكن، إذا كانت "قضية دريفوس" قد أنتجت قيما تعادي العنصرية، وكل أشكال التمييز العرقي والديني، فإن دعوة ماكرون تسعى إلى تقديس إيديولوجيةٍ هي
"الصهيونية"، ووضعها فوق كل انتقاد، ومن وراء ذلك حماية إسرائيل وسياساتها الاستعمارية، وحصانة ساستها من النقد والمتابعات القانونية، والتستر على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، بتخويف الناس من انتقادها أو حتى التعليق عليها.
خطورة تصريحات ماكرون في أنها جاءت لتضفي مزيدا من الغموض المقصود على النقاش السائد حاليا في فرنسا عن "معاداة السامية" الجديدة، والدفع بهذا النقاش المغلوط هو ابتزاز فكري واضح ضد كل من يتجرأ على نقد سياسات إسرائيل الإجرامية والاستعمارية.
الصهيونية التي يسعى ماكرون إلى تحصينها ضد كل انتقاد، كانت حتى الأمس القريب تعتبر من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، حسب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، كان يطالب جميع الدول بمقاومة هذه الأيديولوجيا التي كان يُرى فيها أكبر خطر على الأمن والسلم العالميين، وألغي القرار عام 1991، فكيف يسعى رئيس الدولة التي رأت ميلاد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان إلى تجريم انتقاد إسرائيل وسياساتها وساستها في بلاده، في الوقت التي تُنتقد فيه هذه
الدولة وسياساتها وساستها دخل كيانها، ومن مواطنيها المعادين لتوجهاتها العنصرية ولجرائمها ضد الشعب الفلسطيني؟!
بالأمس، أقامت تصريحات النائبة المسلمة في الكونغرس الأميركي، إلهان عمر، الدنيا وأقعدتها داخل واشنطن، عندما عبّرت عن حقيقة صارخة، لا يجهلها أي أحد داخل أميركا وخارجها، وكتبت أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) تدفع المال للساسة الأميركيين لدعم إسرائيل! مع العلم أن هذه المنظمة، وحسب القانون الأميركي، تعتبر جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، والكل في الولايات المتحدة يعرف أنها منظمة إسرائيلية، وعندما تأسست في خمسينيات القرن الماضي كانت تحمل اسم "اللجنة الصهيونية الأميركية للشؤون العامة". وحتى عندما اعتذرت النائبة عن تصريحاتها، طالبها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالاستقالة من الكونغرس، ووصف اعتذارها بـ "الأعرج"، مشيراً إلى أن ما قالته "متجذّر في قلبها".
ما نشهده ميلاد نوع جديد من أنواع محاكم التفتيش السيئة الصيت التي كانت تبحث في أفئدة الناس في القرن الخامس عشر. وهذا النوع المقيت من المزايدات السياسية الرخيصة التي تريد أن تصادر حق الانتقاد الذي تكفله كل القوانين الكونية يغذّيه تنامي الحركات الشعبوية، وانتشار الأفكار اليمينية المتطرفة عبر العالم، وتولّي شخصيات فارغة فكريا، مثل ماكرون وترامب، زمام مقاليد دول عظمى يتحكّم في دواليب صنع قراراتها أنصار الفكر الصهيوني الذي يتمدّد مثل سرطان مخيف.
حان الوقت ليرتفع صوت المثقفين الأحرار عبر العالم صارخا بالجملة نفسها التي كتبها إميل زولا قبل قرنين، مدافعا عن قضية دريفوس، "إني أتهم"، لتوجيه الاتهام إلى كل من يسعى إلى ترهيب الناس، ومصادرة حقهم في الانتقاد وفي التعبير عن آرائهم بحرية، ملوحا في وجوههم بإيديولوجيا ليست فقط عنصرية وتمييزية، وإنما أصبحت مجرمة وخطيرة، لا تهدد السلم والأمن العالميين فقط، بل وتهدّد حتى أبسط الناس، عندما تصادر أبسط حقوقهم في قول "كفى".
لا تهم هنا دواعي الرئيس الفرنسي من إثارته هذا الموضوع في هذا التوقيت الذي أصبح فيه نفوذ المنظمات اليهودية في العالم قويا، فكل من يرغب في التودّد إلى لوبيات الضغط اليهودية العابرة للقارات عليه أن يمر عبر التقرب إلى إسرائيل، ومحاباة ساستها، والسكوت عن جرائمها. لكن، في المقابل، يجب الوقوف عن هذه المغالطات التاريخية والسياسية والفكرية التي يسعى دعاة الصهيونية إلى نشرها، للتغطية على جرائم فكرهم العنصري، فهذا الفكر أول ما قام تأسس على أيديولوجيةٍ عنصريةٍ تعتبر كل من يشكك في وجود دولته "إسرائيل" مجرما معاديا للسامية وكارها لليهود.
يجب أن لا ننسى ما كان لقضيةٍ شهيرة هزّت فرنسا في نهاية القرن التاسع عشر، هي "قضية دريفوس" من تأثير كبير على الحركة الصهيونية من خلال أحد مؤسسيها، هو ثيودور هرتزل،
"الصهيونية"، ووضعها فوق كل انتقاد، ومن وراء ذلك حماية إسرائيل وسياساتها الاستعمارية، وحصانة ساستها من النقد والمتابعات القانونية، والتستر على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، بتخويف الناس من انتقادها أو حتى التعليق عليها.
خطورة تصريحات ماكرون في أنها جاءت لتضفي مزيدا من الغموض المقصود على النقاش السائد حاليا في فرنسا عن "معاداة السامية" الجديدة، والدفع بهذا النقاش المغلوط هو ابتزاز فكري واضح ضد كل من يتجرأ على نقد سياسات إسرائيل الإجرامية والاستعمارية.
الصهيونية التي يسعى ماكرون إلى تحصينها ضد كل انتقاد، كانت حتى الأمس القريب تعتبر من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، حسب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، كان يطالب جميع الدول بمقاومة هذه الأيديولوجيا التي كان يُرى فيها أكبر خطر على الأمن والسلم العالميين، وألغي القرار عام 1991، فكيف يسعى رئيس الدولة التي رأت ميلاد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان إلى تجريم انتقاد إسرائيل وسياساتها وساستها في بلاده، في الوقت التي تُنتقد فيه هذه
بالأمس، أقامت تصريحات النائبة المسلمة في الكونغرس الأميركي، إلهان عمر، الدنيا وأقعدتها داخل واشنطن، عندما عبّرت عن حقيقة صارخة، لا يجهلها أي أحد داخل أميركا وخارجها، وكتبت أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) تدفع المال للساسة الأميركيين لدعم إسرائيل! مع العلم أن هذه المنظمة، وحسب القانون الأميركي، تعتبر جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، والكل في الولايات المتحدة يعرف أنها منظمة إسرائيلية، وعندما تأسست في خمسينيات القرن الماضي كانت تحمل اسم "اللجنة الصهيونية الأميركية للشؤون العامة". وحتى عندما اعتذرت النائبة عن تصريحاتها، طالبها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالاستقالة من الكونغرس، ووصف اعتذارها بـ "الأعرج"، مشيراً إلى أن ما قالته "متجذّر في قلبها".
ما نشهده ميلاد نوع جديد من أنواع محاكم التفتيش السيئة الصيت التي كانت تبحث في أفئدة الناس في القرن الخامس عشر. وهذا النوع المقيت من المزايدات السياسية الرخيصة التي تريد أن تصادر حق الانتقاد الذي تكفله كل القوانين الكونية يغذّيه تنامي الحركات الشعبوية، وانتشار الأفكار اليمينية المتطرفة عبر العالم، وتولّي شخصيات فارغة فكريا، مثل ماكرون وترامب، زمام مقاليد دول عظمى يتحكّم في دواليب صنع قراراتها أنصار الفكر الصهيوني الذي يتمدّد مثل سرطان مخيف.
حان الوقت ليرتفع صوت المثقفين الأحرار عبر العالم صارخا بالجملة نفسها التي كتبها إميل زولا قبل قرنين، مدافعا عن قضية دريفوس، "إني أتهم"، لتوجيه الاتهام إلى كل من يسعى إلى ترهيب الناس، ومصادرة حقهم في الانتقاد وفي التعبير عن آرائهم بحرية، ملوحا في وجوههم بإيديولوجيا ليست فقط عنصرية وتمييزية، وإنما أصبحت مجرمة وخطيرة، لا تهدد السلم والأمن العالميين فقط، بل وتهدّد حتى أبسط الناس، عندما تصادر أبسط حقوقهم في قول "كفى".