من رسالة إلى إخوانيّ
صدقني، تثير القرف رؤيتك، وأنت تدعي الدفاع عن الديمقراطية، وكأننا يمكن أن ننسى سعيك إلى لحظة التمكين التي تخرس فيها أصوات المختلفين معك، بل إنك لم تنتظر حتى تحين تلك اللحظة، بل أخذت تقوم بتكفيرهم وتخوينهم بأسلحتك الفتاكة المتاحة في منابر المساجد والفضائيات والمواقع الإلكترونية، وعندما جاءتك فرصة امتلاك النفوذ بدأت في قتل من يخرجون ضدك إلى الشارع، معتبرا على لسان رئيسك أن "مسبحة الضابط بندقيته"، وحتى عندما سلط الله عليك بندقية الظالم الذي استعنت به، أخذت تلومه وحده، لتثبت أن الله سلط عليك، أيضاً، غباءك فلم تفهم، حتى الآن، أن مشكلتك تكمن فيك قبل كل أعدائك.
نعم، أنا أدافع عن حرياتك وحقوقك، ليس لأني أحبك، فيشهد الله أنني أبغضك في الثورة والوطن، تماما كما أبغض الذين يقتلونك بدم بارد، أبغضكم جميعا لأنكم تشبهون بعضكم تماماً. الشعارات بالنسبة لكم ليست سوى ركوبة إلى السلطة ومصالحها، والناس بالنسبة لكم ليسوا سوى أرقام مهللة ومفوضة ومبايعة، لكنني، على الرغم من ذلك، أعلم أنه لا سبيل للخلاص منكم إلى الأبد، فأنتم جزء من واقعنا المرير المريض، وغاية ما أحلم به أن يتم تحجيم دوركم ونفوذكم، عندما يدرك أغلبية المصريين أن مستقبلهم لن يصبح أفضل، إلا في ظل دولة مدنية ديمقراطية، تؤمن بالعقل والعلم، وتبني كل سياساتها على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
لذلك كله، أنا حريص على أن تظل موجودا فوق الأرض، لأن العمل تحت الأرض سيمنحك حصانة من الحساب، وسيعيدك إلى لعب دور الضحية الذي تتصور أنه سيساعدك على التأثير، كما فعل في الماضي، قبل أن تكتشف الملايين حقيقتك. صحيح أن عقلية اللواءات التي تعجلت قطف الثمرة، ولم تتعلم من دروس يناير، هيأت لك فرصة لعب تمثيلية المظلومية من جديد. لكن، صدقني لن تنطلي التمثيلية على أغلبية الشعب، هذه المرة، لا هي ولا تمثيلية السيسي المنتظر والزعيم المخلص التي يتصور ديناصورات الدولة القمعية أنها ستعيد قدرتهم على "شكم الشعب وعفق البلد"، ستكشف الأيام أن الواقع تجاوزكم جميعا، أنتم وكل من لا يمتلك مشروعا لحل مشكلات مصر سوى البطش والتسلط على الناس، باستخدام شعارات الدين أو الوطنية، ستعلم التجارب المريرة الناس أن مصر يمكنها أن تسير نحو المستقبل، في طريق ثالث لا يعرف القمع ولا التكفير ولا الجهل والتخوين، طريق لا يقودها فيه زعماء مخلصون ولا هتيفة ولا تجار دين، لا يقودها فيه إلا العقل.
لم أكن أبداً، ولن أكون من الذين يصفقون لقتلك وقمعك، مع أنك كنت ستصفق لقتلي وقمعي، لأنني أريد أن أكون أفضل منك، ومن جلاديك، ليس لأنني رومانسي أبله، بل لأنني أؤمن أن التمسك بالمبادئ، والبعد عن ازدواج المعايير، خيار واقعي يمثل طوق النجاة الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا جميعا، وما أودى بك إلى مصيرك المزري هو أنه لم يكن لديك مبادئ، بل كان لديك دائما مصالح تدوس على الجميع من أجلها، وسيشاركك المصير المزري نفسه حتما كل من يدوس على مبادئه، من أجل تحقيق مصالحه، ليست هذه حكاية خرافية تروى قبل النوم، بل هي حكاية صعودك وهبوطك، أنت ومن سبقوك، وهي حكاية واقعية مريرة، لا زلنا نعيشها، ومع ذلك لم يتعظ بها، للأسف، من حالت كراهيتك بينهم وبين ضمائرهم وعقولهم.
كثيرون من كارهيك يريدون منك أن تموت في صمت، وهو مطلب غير عادل قطعا، لكنه تماما يشبه ما كنت تطلبه من الثوار، عندما كانوا يتعرضون للقتل والتنكيل ممن كانوا حلفاءك بالأمس، وصاروا قاتليك اليوم، وليس عندي أدنى أمل في أن هذه المفارقة ستؤثر فيك، وستغير تفكيرك، فمن خاصم عقله وهو في أحضان السلطة لن يتذكره وهو مدهوس تحت بياداتها".
(مقتطفات من مقال بعنوان رسالة إلى إخوانجي نشرته يوم 28 أكتوبر 2013 )