ردّ إدارة سجون الاحتلال على الإضراب تمثل بتصعيد ممارسات القمع حيث نفذت عمليات نقل واسعة للأسرى المضربين عن الطعام، واقتحمت العديد من أقسام وغرف الأسرى، رافق ذلك عمليات تفتيش واسعة ومصادرة لمقتنيات الأسرى بشكل كامل.
وبدأ الإضراب بدعوة من القيادي الفتحاوي الأسير، مروان البرغوثي، إلى جانب رفاق له من قادة الحركات الوطنية الفلسطينية، في سجن "هداريم" سيئ الصيت، ليكون بمثابة خطوة جديدة في مسيرة طويلة من الإضرابات عن الطعام كوسيلة مقاومة لا عنفية خاضها الأسرى الفلسطينيون مراراً فيما سبق، وسبقهم إليها مناضلون آخرون. في هذا التقرير، نستعرض أبرز عشر إضرابات عن الطعام خاضها مناضلون في سجون جلاديهم منذ مطلع القرن الماضي:
1. إضراب الناشطات البريطانيات والأميركيات للمطالبة بحق الاقتراع للمرأة
خاضت المُطالِبات بحق اقتراع المرأة، في مطلع القرن العشرين، إضراباً عن الطعام، في السجون البريطانية. وكانت الناشطة، ماريون دونلوب، أول من بدأ الإضراب عن الطعام في العام 1909. وقد أُطلق سراحها حينها، حيث أن السلطات البريطانية لم ترغب في إظهارها بمظهر الشهيدة. وحذت حذوها باقي المُطالبات بحق اقتراع المرأة في السجن، وبدأن الإضراب عن الطعام، مما دفع سلطات السجن إلى إخضاعهن للإطعام بالقوة، الأمر الذي صنفته المُضربات كنوع من أنواع التعذيب.
وتوفيت كل من ماري كلارك وجين هيوارت وكاثرين فراي وغيرهن نتيجة لما تعرضن له من إطعام قسري بالقوة. وفي العام 1913 تم تغيير قانون الإفراج المؤقت بسبب اعتلال الصحة، والذي عرف باسم "قانون القط والفأر"، حيث أبدى السجّانون تسامحاً أكبر تجاه المضربين بحيث يتم إطلاق سراحهم عند مرضهم، وإعادتهم للسجن عند تماثلهم للشفاء لإنهاء محكومياتهم.
واستخدمت الناشطات الأميركيات بحق الاقتراع للمرأة الإضراب عن الطعام أيضاً كوسيلة احتجاج سياسي، حيث قامت مجموعة من الناشطات الأميركيات بحق الاقتراع للمرأة، بقيادة الناشطة أليس بول، بالانخراط في الإضراب عن الطعام في العشرية الثانية من القرن الماضي، قبل أن ينجحن بدفع الحكومة الأميركية لإقرار التعديل التاسع عشر للدستور الأميركي عام 1920، والذي ألغى التمييز بين الرجل والمرأة في حق التصويت، ومنح المرأة حقوقا سياسية مساوية لحقوق الرجل.
2. إضرابات غاندي ورفاقه
كان المهاتما غاندي مسجوناً لفترات متلاحقة لدى الحكومة البريطانية، وشارك في العديد من أحداث الإضراب عن الطعام وذلك احتجاجاً على الحكم البريطاني في الهند، حيث كان يرى أن الإضراب عن الطعام وسيلة غير عنيفة وفعالة تتماشى مع مبدأ "الساتياغراها" الذي تبناه، ويعني المقاومة غير العنيفة.
وبالإضافة إلى غاندي، فقد استَخدَم كثيرون من رفاقه الإضراب عن الطعام للاحتجاج على الحكم البريطاني وللمطالبة باستقلال الهند، ومن هذه الشخصيات جاتين داس (الذي صام حتى الموت)، وبهجت سنغ وغيرهم.
3. إضراب الهندي بوتي سريرامولو
توفي المناصل الهندي، بوتي سريرامولو، أثناء إضرابه عن الطعام لمدة 58 يوماً في العام 1952، بعد استقلال الهند، حيث طالب بتشكيل ولاية منفصلة، تسمى ولاية "أندرا". وقد كان لتضحيته دورٌ فعال في إعادة تنظيم الولايات في الهند على أساس قومي (لغوي).
4. إضرابات الجمهوريين الأيرلنديين
أعلن سبعة سجناء من الجيش الجمهوري الأيرلندي عام 1980 الإضراب عن الطعام في سجن "ميز"، احتجاجاً على الحكومة البريطانية لنقضها اعتبارهم "أسرى" كالسجناء شبه العسكريين في إيرلندا الشمالية. وانتهى الإضراب، الذي قاده بريندان هيوز، قبل حدوث أي حالة وفاة، عندما أبدت بريطانيا موافقتها على تقديم تنازلات لمطالبهم.
ولكن فيما بعد نكثت بريطانيا بتلك الاتفاقية، فقام السجناء في السنة التالية بإضراب آخر عن الطعام، وكان بوبي ساندز الأول من بين عشرة سجناء من الجيش الجمهوري الأيرلندي يتعرض للموت بسبب الإضراب عن الطعام في عام 1981.
وكان هناك تأييد واسع النطاق للمضربين عن الطعام من الحزب الجمهوري الأيرلندي ومن المجتمع القومي على جانبي الحدود الأيرلندية. وتم انتخاب بعض المضربين عن الطعام في البرلمانات الأيرلندية والبريطانية من قبل الناخبين الذين يرغبون في تسجيل دعمهم لهم.
5. إضراب النشطاء في تركيا ضد سلطات انقلاب 1980
سجل في العام 1984 أول إضراب عن الطعام في تاريخ تركيا، احتجاجاً على أساليب التعذيب والمعاملة الوحشية التي تلقاها السجناء السياسيون، بعد انقلاب 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفرين، وقد أودى هذا الإضراب بحياة أربعة من اليساريين الثوريين وهم عبد الله ميرال وحيدر بسباق وفاتح أوكتولموس وحسن تيلسي. وتتالت الإضرابات في السجون التركية بعد ذلك لكن الجنرال كنعان إيفرين الذي بقي في السلطة حتى عام 1989 لم ينصع لأي من مطالب المضربين.
6. إضرابات المعارضين الكوبيين
في إبريل/نيسان من العام 1972 قام المنشق الكوبي والشاعر المسجون، بيدرو لويس بوايتيل، بإعلان إضرابه عن الطعام، حيث عاش ما يقارب 53 يوماً على السوائل فقط، مما أدى إلى وفاته بسبب الجوع في 25 مايو/أيار 1972. ودفن بواتيل في قبر غير معلم في مقبرة كولون في هافانا.
أما الناشط والصحافي غوليرمو فاريناس، فقد استمر في حالة إضراب عن الطعام في عام 2006 ما يقارب سبعة أشهر ضد الرقابة الشديدة على الإنترنت في كوبا. وفي خريف 2006 توقف عن إضرابه الذي نتج عنه العديد من المشاكل الصحية، وقد تسلم فاريناس في نفس العام جائزة حرية الصحافة الإلكترونية المقدمة من منظمة "مراسلون بلا حدود".
7. إضراب الناشط الإيراني أكبر غانجي
خاض الناشط الإيراني أكبر غانجي إضرابه عن الطعام في الفترة بين 19 مايو/أيار 2005 حتى مطلع أغسطس/آب من نفس العام، باستثناء فترة 12 يوماً أطلق سراحه خلالها وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية الإيرانية التاسعة في 17 مايو/أيار 2005.
ووصف غانجي بأنه "المنشق السياسي الأبرز في إيران" حيث كان من المؤيدين للثورة الإسلامية في شبابه، لكنه ضاق ذرعاً من سياسات الدولة في منتصف التسعينيات؛ فتم حبسه في سجن إيفين الواقع في طهران من 2001 إلى 2006 بعد قيامة بنشر عدد من المقالات التي تتناول موضوعات مقتل عدد من المؤلفين المعارضين، التي عرفت فيما بعد باسم "جرائم القتل المتسلسل في إيران". أثناء وجوده في السجن، أعلن الإضراب عن الطعام وأصدر بياناً ينادي باستبدال النظام الثيوقراطي الإيراني بالنظام الديمقراطي.
8. إضراب الناشط المصري محمد سلطان
أضرب الناشط السياسي المصري، محمد سلطان، عن الطعام بعد اعتقاله إثر الانقلاب العسكري بمصر صيف عام 2013، ووُضع في غرفة تسمى "الثلاجة"، وساءت ظروفه بالسجن فأضرب عن الطعام 495 يوما، ولُقب بـ"صاحب أطول إضراب عن الطعام بالعالم"، ثم أفرج عنه في مايو/أيار 2015 بعد تنازله عن جنسيته المصرية وتم ترحيله إلى فيرجينيا الأميركية.
9. إضرابات معتقلي غوانتانمو
دخل المعتقلون لدى الولايات المتحدة الأميركية في السجن الواقع بخليج غوانتانمو على جزيرة كوبا عدة إضرابات عن الطعام خلال السنوات الماضية، كان أشهرها الإضراب الذي استمر لشهرين عام 2005 والإضراب الذي استمر لأكثر من ستة أشهر عام 2013 مطالبين بنقلهم إلى بلدانهم الأصلية، ومن أصل 166 معتقلاً بدأوا الإضراب تلقى 86 من جنسيات مختلفة موافقة السلطات العسكرية الأميركية على نقلهم إلى بلدانهم الأصلية.
10. إضرابات الأسرى الفلسطينيين
لجأ الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي مراراً إلى الإضراب عن الطعام كوسيلة نضال لا عنفية، حتى بات نضالهم الأكثر شهرة دولياً، وكانت أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، في سجن نابلس في أوائل عام 1968، حيث خاض المعتقلون إضراباً عن الطعام استمر لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها.
ثم تتالت الإضرابات من إضراب سجن الرملة عام 1969 والذي استمر 11 يوماً، وإضراب معتقل كفار يونا في نفس العام، وإضرابات سجن عسقلان الأربعة بأعوام 1970 و1973 1976 و1977، وإضراب سجن نفحة عام 1980، وإضراب سجن جنيد 1984 وعشرات الإضرابات الأخرى في التسعينيات وفي السنوات الأخيرة، وصولا إلى أحد أكبر الإضرابات في التاريخ، حين أعلن نحو 1600 أسير من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلية على رأسهم الأسرى خضر عدنان وثائر حلاحلة وبلال ذياب بتاريخ 17 أبريل/نيسان 2012 إضرابهم عن الطعام الذي أطلقوا عليه اسم "معركة الأمعاء الخاوية".
وفي 14 مايو/أيار، تم الإعلان عن موافقة السجناء على إنهاء إضرابهم عن الطعام بعد توصلهم لاتفاق مع السلطات الإسرائيلية بوساطة مصرية وأردنية في أعقاب طلب رسمي من الرئيس محمود عباس. وبموجب الاتفاق، فقد وافقت إسرائيل على قصر مدة الاعتقال الإداري على 6 شهور فقط عدا في حالات تظهر فيها أدلة جديدة ضد المشتبه به، وعلى زيادة الزيارات العائلية وعلى إعادة المحتجزين انفرادياً إلى الزنزانات العادية.