في مولدافيا، الجمهورية السوفييتية السابقة، الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، الأفقر بين دول المنطقة، يبدو أن المرشح الرئاسي الموالي لموسكو، إيغور دودون، نجح في هزيمة الموالية للتوجه نحو أوروربا أكثر، مايا ساندو. فانتخابات هذا البلد نظر إليها المراقبون كاختيار بين الاتجاه نحو "الشرق" و"الغرب"، وللمرشحين رؤيتان مختلفتان في ما يجب أن تكون عليه مولدافيا مستقبلاً.
استفاد دودون من كونه شغل وزارة الاقتصاد في الحكومة الشيوعية بين 2006 و2009، في تعزيز علاقاته بموسكو على مستويات عدة، ليس أقلها التجارية، موعوداً من الكرملين بتفضيلات تخرج بلاده من أزماتها، منذ إعلان استقلالها بداية التسعينات، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.
المرشحة الرئاسية ساندو، فضلت مواصلة التقارب مع الاتحاد الأوروبي، بعد أن وعد الأخير بلدها قبل عامين باتفاق تفضيل تجاري يسمح بتصدير نصف صادرات البلد إلى دول الاتحاد.
روسيا التي تعيش أزمة في علاقاتها مع أوروبا، منذ تدخلها في شبه جزيرة القرم، لعبت أكثر من مرة لعبتها المفضلة بالتدخل "الفظ" تارة، كفرض مقاطعة لأهم الصناعات الزراعية المولدافية قبل عامين، وتارة أخرى عبر تدخل "ناعم" يلعب على وتر "التاريخ المشترك" من الحقبة السوفييتية.
ولم يرق للكرملين أن تفوز مرشحة قريبة من أوروبا، طالبت وبشكل واضح سحب روسيا آلاف الجنود من إقليم ترانسنيستريا، الذي انشق عن البلد باعتبار أغلبية قاطنيه من المتحدثين بالروسية. هي ذات اللعبة، من أوكرانيا الجارة حتى دول البلطيق، التي يلعب عليها الكرملين في قرص ساسة الاتحاد الأوروبي، والرد عليهم حيث تصل أصابعه. الحكم البرلماني السابق لمدة 16 سنة انتهى بحكم رئاسي هذه المرة، على الرغم من أن نسبة المشاركة لم تتخط 53 في المائة، وهو ما يفضله الكرملين مع الجمهوريات المحيطة به، من روسيا البيضاء إلى أوكرانيا سابقاً وبقية الدول التي استقلت.
ليس بعيداً، في جنوب شرق أوروبا، وصلت مؤثرات روسيا التي أظهرت في بلغاريا أن نتائج الانتخابات الرئاسية جلبت أيضاً أحد الموالين لموسكو؛ الجنرال السابق، رومين راديف. لم تنتظر وكالة سبوتنيك الروسية طويلاً لتحتفي بالجنرال الحليف في لعبة عض الأصابع الروسية الأوروبية حول المحيط من الدول.
ولفهم طبيعة التدخل الروسي في صوفيا، يتوجب قراءة ما قاله الرئيس البلغاري الحالي، روزين بليفنيليف، لقناة "بي بي سي"، فالرجل عبر عن قلقه من خطوات الكرملين لسحب بلاده لتدور في فلكه: "(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يرغب في أن يكون الآخرون معتمدين على روسيا". لم يتردد بليفنيليف في اتهام موسكو، إنها "تقف خلف الهجمات الإلكترونية على موقع لجنة الانتخابات المركزية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015".
بغض النظر عن حقيقة ما قاله، إلا أن الصراع أيضاً، في بلغاريا، كمثيله في مولدافيا، يعكس تنازعاً بين توجهات شرقية نحو روسيا وأخرى نحو الغرب والاتحاد الأوروبي. يمين الوسط لا يخفي أنه "أوروبي الهوى". سياسات يمين الوسط لم ترق للمزارعين البلغار "الذين دفعوا ثمن انتقادات ساستهم لموسكو أيضاً بالمقاطعة الروسية لمنتوجاتهم، فهم يصدّرون 25 في المائة إلى روسيا، بالاستراتيجية ذاتها التي يعمل وفقها بوتين". وفقاً لما نُقل في الصحافة الإسكندنافية عن المحلل في مركز دراسات الديمقراطية في صوفيا، مارتن فلاديمروف.
خشية البلغار من الوقوع بين ثلاثة أطراف: تركيا والاتحاد الأوروبي وروسيا، تفقد البلد كثيراً من الاستقلالية اقتصاداً وسياسة. وفقاً لما تبديه النتائج ونسب المشاركة، ورحيل رئيس الوزراء الحالي بسبب النتيجة، وبحسب ما يفيد به مركز دراسات الديمقراطية في صوفيا، فإن "بلغاريا تحاول أن ترضي الجميع، فهي عضوة في الاتحاد الأوروبي والناتو، وبنفس الوقت لديها حدود مع تركيا ولا تريد أن تخسر موسكو".
لكن من الواضح أن المرشح الاشتراكي، رومين رادوف، حليف موسكو الوثيق، عرف كيف يلعب على مشاعر الناس بالقول، قبل شهر من التصويت، إن بلاده "ستخسر كثيراً إذا ما اعتبرت موسكو عدوتها".
باختصار، يبدو أن عصر تمدد أصابع روسيا في فلكها من البلطيق حتى جنوب شرق أوروبا، والتحالف مع اليمين القومي المتطرف غرباً، هو ما سيتخذه الكرملين من استراتيجية فُتحت شهيتها في أكثر من تجربة.