الدولار الواحد لا يكفي لشراء فنجان قهوة أحياناً، فما بالك بصلاحيته كمهر لعروس متكاملة الجمال والنسب والأخلاق؟ هذا هو الواقع لدى كثير من الأمازيغ.
سخر مستخدمو "فيسبوك" في الجزائر من الغلاء الناتج عن قانون المالية الجديد، بالقول إنّ سن المراهقة ارتفع إلى عتبة ثلاثين سنة، وعتبة الزواج إلى سن الخمسين. يشتكي هؤلاء من غلاء المهور بالذات، ما يساهم في تأخر سنّ الزواج. أحدهم كتب أنه سيباشر، بنفس مبلغ المهر إذا توفر له، مشروعاً تجارياً يعود عليه بالفائدة كلّ يوم. وكتب آخر أنه يشعر كأنّه في سوق سيارات، كلما حضر حفل قران أحد معارفه.
تأتي تلمسان في الغرب وقسنطينة في الشرق والجزائر العاصمة في الوسط، في طليعة المدن الجزائرية التي تعرف فيها المهور ارتفاعاً كبيراً. يشير الإعلامي، نجم الدين سيدي عثمان، إلى أنّ المهر لا يقلّ في قسنطينة عن ثلاثة آلاف دولار، من غير احتساب تكاليف العرس.
من جهته، يقول الممثل، عبد الرزاق مليكي، إنّ المهر في تلمسان لا يقل عن أربعة آلاف دولار، بعضها يُعطى نقداً، وبعضها ذهباً وملابس. ويلمّح إلى أنّ بعض الشباب في المنطقة، باتوا يفكرون في كسر التقاليد، والتوجه إلى الزواج من منطقة الأمازيغ في الوسط، حيث لا يزيد المهر عن حفنة من النقود.
ظاهرة المهر الرمزي في بعض المناطق الأمازيغية، تمتد إلى قرون خلت، لكنّ الغلاء الذي بات مهيمناً على اليوميات الجزائرية، جعلها تبرز، وتصبح متداولة على ألسنة الشباب المقيمين في المناطق الأخرى.
يقول عز الدين ميساوي، الذي يقيم في مدينة سطيف في الشرق، ويعمل في مجال التصميم الفني، لـ"العربي الجديد"، إنه قرر الزواج قبل مدة، لكنّ تكاليف المهر والزواج في مدينته جعلته يؤخر الأمر كلّ مرة. ويردف: "لكن، ولأنّي سمعت عن المهور في القرى الأمازيغية، فسيكون عرسي قريباً".
اقرأ أيضاً: فوضى الإفتاء في الجزائر
بدوره، يقول الباحث في جامعة بجاية، لونيس بن علي، لـ"العربي الجديد"، إنه تزوج عام 2009 بما يقل عن عشرة دولارات، وهو مبلغ ينقص غرب بجاية، ويزيد كلما جرى التوغل شرقاً. يعيد هذه الظاهرة إلى الطبيعة الزراعية للمجتمع الأمازيغي، التي تقوم على التكافل الاجتماعي. ويضيف: "تنتشر في الأوساط الأمازيغية ظاهرة الزواج من الأسرة نفسها. أي أنّ ابن العم يخطب بنت عمه، وهو من العوامل التي أسست لظاهرة المهور الرمزية".
في هذا الإطار، ينقل الإعلامي، بلقاسم بوكر، لـ"العربي الجديد"، عبارة قالها جده لخطيب حفيدته في منطقة آث يعلى: "لا ثمن لابنتي، ثمنها أن تجعلها تاجاً فوق رأسك". ويضيف أنّ هناك مثلاً شعبياً يتداوله الأمازيغ: "الهنا يسبق الغنى". وهو المنطق الذي دفع بكثير من جماعات الأعيان في المناطق الأمازيغية، التي تملك سلطة معنوية لا يمكن تجاهلها، منها منطقة آقبو، إلى جعل دينار جزائري وخمسة سنتيمات، أي ما يقل عن الدولار بعشر مرات، عتبة قصوى للمهر، يفرض تجاوزها العقوبة الجماعية. ثم سمحوا بأن يقدم العريس اختيارياً مبلغاً في حدود 30 دولاراً لوالد العروس، وتقضي العادة بأن يعيد منه شطراً إلى أهل العريس، وشطراً للإمام المشرف على قراءة الفاتحة. يعلق بوكر: "الزواج رباط مقدس، وحاجة الشباب إليه ملحة، لذا يجب أن يكون خالياً من التعسف المالي، وخاضعاً لمنطق الحب واقتناع كل طرف بالآخر".
في منطقة واضية، بحسب المسؤول في قطاع التعليم العالي، حكيم دحماني، ما زالت إحدى قريباته تحتفظ بقطعة عشرة دنانير (عُشر دولار) تلقتها مهراً من زوجها قبل عدة عقود. وكتجربة شخصية، يقول دحماني، لـ"العربي الجديد"، إنّ أباه تلقى من خطيب شقيقته عام 2009 مجموعة من الأوراق النقدية، أمسك منها ورقة بقيمة ألف دينار، أي ما يساوي ستة دولارات، من باب تحقيق ركن المهر، مع خاتم الخطوبة لا غير.
هذا المبلغ، يكاد يكون ضخماً، بالمقارنة مع مبلغ المهر المعتمد في منطقة شرشال غرب الجزائر العاصمة، والمقدر بعشرين سنتيماً، أي ما يعادل سنتاً أميركياً واحداً، في إطار ما يسمى في المنطقة بـ"عرف سيدي معمر" الولي الصالح المنتمي إلى منطقة الشلف. وقد جُلب العرف إلى شرشال وجبل شنوة الأمازيغي من طرف شخصيات دينية، منها سيد علي الفكي. ومنه أخذت منارة ميناء المدينة تسميتها.
يقول الإعلامي، حسان خروبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الزواج في هذه المنطقة، يتميز، بالإضافة إلى هذا المهر الرمزي، بنقل العروس حافية القدمين، على ظهر الفرس إلى بيتها الجديد، في أجواء صوفية توحي بقداسة الرباط. يبدي أسفه على بدء هذه الطقوس بالتراجع. يقول: "لقد بدأ النسيج الاجتماعي يتمزق، ويخضع لتمردات الجيل الجديد عليه، بتوجهه إلى استبدال كلّ ما هو موروث، بما هو مكتسب".
اقرأ أيضاً: نكتة الجزائريين مضحكة ولاذعة