قبل أيام، نشرت المغنية اللبنانية، نجوى كرم، صورة عن البدء بتصوير موسم آخر من برنامج "مواهب العرب" Got Talent. سنوات مرت على هذا البرنامج الذي تحول إلى عرض فصلي- ترفيهي بالدرجة الأولى، يحاول تسليط الضوء على بعض المواهب العربية، ويمهّد لها بداية طريق الاحتراف. بيد أن الواقع يختلف عن حلم هذه المواهب. والسبب بالدرجة الأولى، هو فقدان العالم العربي لشركات إنتاج أو متعهدين يتبنون هذه المواهب، ويفتحون أمامها الأبواب، من أجل الاستفادة من الموهبة. تغيب عن الذاكرة بعض الأسماء التي فازت في برامج المواهب. يكاد الجمهور العادي، مثلاً، ينسى أسماء كثيرة عرفت الغناء أو التمثيل من خلال برامج المواهب التي غزت الشاشات العربية، ثم اختفت. لعلّ الفائز الأوحد هو الفنان، ملحم زين، الذي كرس التحدي، أمام مواهب أخرى، بعد تخرجه من برنامج "سوبر ستار" موسم 2002.
ملحم زين استطاع القفز إلى الصفوف الأمامية متسلحًا بصوته وخبرته الموسيقية، بمساعدة بسيطة من شركات الإنتاج التي تبنَّت موهبة زين منذ إعلان صدور ألبومه الأول، وحتى اليوم. لكن التحدي لم يسعف زميلة ملحم زين في برنامج "سوبر ستار" في الدورة نفسها، ديانا كرازون، التي فازت باللقب. انشغلت كرازون بالتسويق لفوزها أكثر من الاهتمام بالغناء. ولم تسع، رغم موهبتها الغنائية الجيدة، لتبني نجاحًا فنياً، بقدر ما سعت إلى نجاح استهلاكي لجهة الأزياء أو النحافة التي أصبحت الشغل الشاغل لها في السنوات الاخيرة، أمام ثورة "السوشيال ميديا" البديلة.
لم تتراجع، ديانا كرازون، وحدها، مجموعة من المواهب التي غزت برنامج "ستار أكاديمي" غابت عن الصورة بشكل نهائي. قلة من الأسماء وعلى مدار 11 موسماً أثبتت أنها مرت أو استحقت النجاح الذي حصدته في "ستاراك". محمد عطية كان الفائز الأول في هذا البرنامج موسم 2003. لكن عطية لم يبذل جهداً كبيراً للحفاظ على الشهرة التي اكتسبها جراء فوزه، وهو اليوم يظهر بشكل "متقطع" أو يشارك في بعض الأفلام السينمائية. لكن على لائحة "ستاراك" مجموعة من الأسماء، بعضها أصبح في حكم النسيان، كنادر قيراط ومحمد مُحي ومروان يوسف ومحمد شاهين، هؤلاء حملوا لقب "ستاراك" لكنهم غائبون عن أي نشاط فني أو إصدار.
مشكلة الإنتاج
يرى البعض أن "المعضلة الأساسية" في اكتشاف المواهب، تكمن اليوم في ضياع شركات الإنتاج بعد الأزمات السياسية والأمنية التي تسيطر على العالم العربي، ولا سيما دول الخليج، والتي تمكنت في السنوات الأخيرة من السيطرة على هذا النوع من البرامج، كما تعهدت المواهب ذاتها، عبر شركات إنتاج مضى لها أكثر من عشرين عامًا. لكن السؤال هل تبني موهبة ناشئة هو استثمارٌ خاطئ؟
من المؤكد أن يأتي الجواب بـ"نعم"، يقول أستاذ الموسيقى، نبيل الزين، لـ"العربي الجديد": "قبل سنوات كانت المواهب الغنائية تتصارع من أجل دخول إمبراطوريات الإنتاج الكبيرة. صراع تجوز تسميته بسيف ذي حدين، إذْ إما أن تنجح الموهبة من الإصدار الغنائي الأول، أو أن تفشل. أما اليوم، فالصراع حول من يجد "المكان" ليقف ويبدأ رحلة الغناء والنجاح والشهرة". ويتابع الزين: "مع تفاقم أو انتشار مواقع التواصل، لم يعد بمقدور أحد أن يحصي كمية المغنين في العالم العربي لا بل في العالم. الكل يصور فيديوهات وينشرها تحت مسمى مطرب أو فنان". لكن ذلك لا يكفي، بحسب الزين. إذْ ترى بعض المواهب أن المنبر الشخصي أو الصفحة الخاصة على المواقع الاجتماعية لا تكفي، وتستعين ببرنامج مواهب كما هو حاصل اليوم مع "غوت تالنت" لتلميع صورة الموهبة أكثر، والحصول على شهادة من مجموع الفنانين الذين يشكلون لجنة تحكيم هذه البرامج. لكن الوقت، وانقلاب الأزمات في العالم العربي، يحولان الجهد إلى سراب، تمر السنون دون أي تقدم يحققه المتبارون. يقول الزين بأن هناك "تضخماً فنياً" هو تماماً كما "التضخم الاقتصادي" الذي يؤثر على حياة الشعوب ويومياتها في كافة أنحاء العالم. ويؤكد الزين أن بعض المواهب التي تعمل، أو تلك التي تصادف خبراء أو محترفين في عالم الموسيقى، تلقى نتيجة سريعة في حال عرفت كيف تحافظ على نجاح "أغنية" واحدة مثلاً. الأمثلة كثيرة برأيه، لكنه لا يحب أن يُسمي. ويشير الزين: "في المقابل، نحن نعاني في العالم العربي من سوء اكتشاف أو إدارة الأعمال، ليس هناك من مدير أعمال في لبنان أو العالم العربي يدرك كل شيء، بعضهم متعهدون فقط".
محاولات جادة
تقدَّم المغني اللبناني، جوزف عطية، خريج برنامج " ستاراك" بخطوات ثابتة. لكن تركه لإدارة الأعمال التي ساعدته في بداياته جعلته يتراجع بشكل تلقائي، بخلاف زميله محمد عساف الذي نجح وتحول إلى ظاهرة في الشارع العربي عموماً، خصوصاً أنه يمثل أو ينقل صوت فلسطين الجريحة. اللافت، أن محمد عساف يعلم جيداً أنه لم ينجح من خلال أغانيه، بل من خلال التعاطف، وهذا ما يؤكد خطر استمرار النجاح كعاطفة، وليس كمهنة على الأرض. كما تحاول الأردنية، نداء شرارة، أن تعمل بجهد، بعد حملها للقب "أحلى صوت" عام 2015. ويتعهد الموزع اللبناني، جان صليبا، موهبة نداء شرارة ويفتح أمامها الطريق، ولو أنها لم تستقر على لون غنائي محدد حتى الآن، يكرس حضورها عند المتابعين الذين شهدوا لها منذ ثلاث سنوات بحسن وفرادة صوتها.