وكذلك كان في تونس، حيث ظهر كثيرون على حقيقتهم، عرّاهم صمتهم بعد وفاة مرسي وكشفتهم لامبالاتهم. ولكن آخرين في المقابل سموا برفعة موقفهم، وبرزوا من بين ركام الجثث الحاسبة، بأعناق طويلة أظهرت حقيقة معادنهم ورفعتهم في مصافي البشر، بينما غرق آخرون في عمى الاصطفافات الغبية، لا يفرقون بين الحق والمصلحة، في حال كانت هناك مصلحة أصلاً.
وكان هناك مصطفى بن أحمد، نقابي أصيل، يساري من ذلك الجيل الذي تربى على حب الناس، نائب في البرلمان التونسي، والذي خِفت عليه يوم انبرى بكل أعصابه تحت قبة البرلمان يقدّم دروساً من التاريخ في كيفية التعامل مع الإنسان، وإن كان خصماً سياسياً. تصدّى الرجل لدعاة الديمقراطية المرتجلة ومتحرري آخر الزمان، وكتب بعد أن تلقّى بعضاً من سهامهم المسمومة لأنه اعتبر أنّ قراءة سورة الفاتحة على مرسي "خطوة إنسانية لا علاقة لها بالتدخل في الشأن السياسي المصري": "سأتعاطف مع كل مضطهد، وأترحّم على كل متوفى وأتمنى الشفاء لكل مريض، ولو كان ألدّ خصومي، وانعتوني بما شئتم، تحيا الحرية".
وكان هناك آخرون مثل بن أحمد، في السياسة والإعلام والشارع، لم يعودوا إلى آلاتهم الحاسبة لإصدار موقف، وإنّما صدحوا بأفكارهم ولم يخشوا أحداً، لأن مرسي مات، أمّا الحقيقة فحيّة لا تموت.