يجمع نائب رئيس مجلس النواب التونسي، ونائب رئيس حركة "النهضة"، الشيخ عبد الفتاح مورو بين الصفتين السياسية والدينية بشكل سلس، ويُجسد التكامل بين الصفتين المنهج الوسطي من خلال مواقفه التي تظهر في العديد من المناسبات، وآخرها خلال سلسلة محاضرات ألقاها في العاصمة اللبنانية بيروت بدعوة من "الجماعة الإسلامية" (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين).
وعلى هامش المحاضرات التقت "العربي الجديد" مورو في حوار جمع بين الواقع السياسي في تونس، والتحديات الماثلة أمام الحركة الإسلامية التي يُشكل مورو أبرز منظّريها.
يؤكد مورو لـ"العربي الجديد" أن الملف الأول الذي يعني حركة "النهضة" في تونس "هو إنجاح بناء الجمهورية الثانية وإرساء أُسس الديمقراطية الصحيحة". ومن هذا المُنطلق شاركت الحركة بوزيرين ومعاونين في حكومة الحبيب الصيد "التي نتمنى نجاحها". أما مسألة حجم التمثيل فهي "غير مهمة بالنسبة للنهضة لأن المطلوب مشاركة فاعلة، ومعارضة تُصوّب الأداء".
وخلال محاضراته، ذكّر مورو "بالنسَب المرتفعة التي حازها الإسلاميون في الانتخابات التونسية، والتي تجاوزت خمسين وستين في المئة، فشطحنا واعتقدنا أن حكم الشريعة آتٍ، وهو خطأ لأن الناس التي منحتنا أصواتها تخلّت عنا عندما فشلنا في تحقيق مطالبها الاقتصادية والاجتماعية". احتد مورو كثيراً عند الحديث عن أهمية التعاون "مع العلمانيين والشيوعيين والقوميين وغيرهم لبناء المساحة المُشتركة وهي الوطن، وأنتم في لبنان الأكثر قدرة على هذا نتيجة طبيعة بلدكم المُنفتح والقائم على الحوار".
بعد تجربة تعايش بين حركة "النهضة" وحزب "نداء تونس" امتدت منذ 6 أشهر وحتى اليوم، يؤكد مورو أن "الخلاف مع نداء تونس انحسر بعد الانتخابات في شكل مؤسسات الدولة التي نبنيها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس، وهو ليس خلافاً إيديولوجياً أو فكرياً".
وعلى الرغم من حصر الخلاف بالصورة التي قدّمها مورو، إلا أن "النهضة" تحمل بشدة على قرار إقالة أئمة، وهو ما يرى فيه مورو "قراراً غير مدروس وضربة للحرب ضد التطرف التي يُشكّل عدد من الأئمة المُقالين أساساً لها من خلال بث دعوات الوسطية في أوساط الشباب".
اقرأ أيضاً: تونس وجدل عزل الأئمة: محاربة إرهاب أم "احتكار الدين"؟
وعلى صعيد قانون المُصالحة، يُقسّم مورو "أعداء الثورة" إلى دوائر "تضيق وتتسع بحسب شكل وحجم مُشاركة المعنيين في بناء ديكتاتورية (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي". ويكفي مورو "اعتراف رجال الأعمال الذين استفادوا بصورة غير قانونية من مكاسب ورُخص خلال عهد بن علي بهذه التجاوزات وإعادة الأموال إلى المجموعة الوطنية لمصالحتهم". ويُحذر، في المقابل، من "شلل الإدارة في تونس نتيجة خوف المسؤولين الإداريين من المُلاحقة ضمن قانون المصالحة والمحاسبة، وهو ما يحتاج لمُصالحتهم حتى تعود عجلة الإدارة للدوران". كما يحذر مورو من "ضعف الدولة نتيجة توقف قطاعات أساسية عن العمل كالسياحة ونقل الفوسفات في ظل الحركة المطلبية المُستمرة منذ الثورة".
ويشير مورو إلى أن "عدم إبراز مبدأ المُحاسبة في عنوان القانون جعل الكثيرين يتوجسّون خيفة منه ويعتبرون أن المصالحة من دون مُحاسبة سابقة غير مقبولة".
المطلوب معركة بدر فكرية
انطلق مورو في الحديث عن دور الحركة الإسلامية في العالم العربي من وقائع الثورات. فأكد أن البلدان العربية "تتمتع بخصوصية تفرض على الحركات الإسلامية فيها عدم الخوف من مصير الحركات في البلدان المجاورة كمصر، ولا رفع نماذج لدول حققت الحركات الإسلامية فيها بعض النجاحات كتركيا". وحذر من "اتخاذ الإقصاء لأشكال مُختلفة من الدبابة إلى الاتحاد العام للشغل"، في إشارة إلى حركات الاعتراض التي قابلت حكم الإسلاميين في كل من مصر وتونس.
لا يأمن مرور تكرار التجربة المصرية في تونس أو غيرها، لكنه يؤكد السعي "للتقليل من أسبابها من خلال المسارات الفكرية والسياسية". ويؤكد لـ"العربي الجديد" وجود "اتصالات مُمهدة يقوم بها الشيخ راشد الغنوشي لوساطة في ملف الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وهي بانتظار موافقة الأطراف المعنية". ويشدد على سرية هذه الاتصالات ودقتها.
ويدعو مورو علماء الحركة الإسلامية والناشطين فيها "لإطلاق معركة بدر فكرية لمواجهة التطرّف الذي يمثّله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي قام على المزج بين الجهل والنقل غير الأمين للتُراث الإسلامي الذي يتضمن خيارات اجتهادية مُرتبطة بظروفها الزمانية والمكانية وإسقاطها على واقع مُخالف". كما يطالب العلماء بـ"التشهير بالمُتطرفين الإسلاميين من دون الالتفات إلى التطرف المُقابل لداعش ممن يذم الإسلام ويستبعده خوفاً من ممالأتهم". لتتلخص دعوة مورو في "قراءة علمية للنصوص وهجمة شرسة على العقل العربي الخرب".
اقرأ أيضاً: منظمات تونسية: مشروع المصالحة خرق للدستور وتطبيع مع الفساد