على بعد أمتار من شارع الثورة (شارع الحبيب بورقيبة) في العاصمة تونس، عادت تجارة الورود لتنتعش بعد كساد طيلة أغلب فترات العام، ففصل الصيف هو الأكثر نشاطا لدكاكين الورود التي تحتل أرصفة الشارع حيث يتفنن أصحاب تلك المنافذ في عرض مختلف أنواع الورد ويتنافسون في ابتكار أجمل الباقات.
ودخل التزويق بالورود في السنوات الأخيرة ضمن عادات التونسيين الذين يزينون أفراحهم ومسراتهم بنباتات الزينة الحية الآتية من حقول الوطن القبلي شمال شرق العاصمة. فتلك ظاهرة لم تعد تقتصر على الغرب وحسب.
أمام دكانه، كان فتحي "النواوري" (النوار: الورد بالعامية التونسية) منهمكا في تزيين سيارة طلب صاحبها تزويقها بباقة من الورد الأحمر نزولا عند رغبة العروس التي ستركبها، فكان يختار من الورود أجودها وأكثرها انسجاما محاولا تشكيل باقة مماثلة للصورة الموجودة على شاشة الحاسوب.
يواصل فتحي مداعبة وروده بكل رقة، ويقول متحدثا لـ "العربي الجديد": "الورود أرق النباتات على وجه الأرض، لقد خصها الله بجمال لا مثيل له، لكنها أيضا تتطلب عناية كبيرة، والعمل بين الورود ممتع لكن شوكه أحيانا يدمينا".
وأضاف، "نحن نشتغل في تجارة الورد منذ عشرات السنين، لكنها للأسف تجارة موسمية ولا تنتعش إلا في فصل الصيف حيث نحقق على مدى الأشهر الثلاثة المرابيح التي كان من المفروض أن نحققها على مدار السنة، وما عدا ذلك فشغلنا مناسباتي، ومحظوظ من يظفر بعقد تعامل لتزويد الفنادق أو بعض الأحزاب السياسية الكبرى".
وبالإضافة إلى تزويد السوق المحلية بنحو 20% من الإنتاج التونسي من الورد، يوجه أصحاب المزارع بقية منتجاتهم يوميا إلى السوق الأوروبية التي تستقطب 60% من الكميات المستوردة عالميا.
وأصبح إنتاج الورد قطاعا تصديريا واعدا حيث تخرج يوميا آلاف الورود من مطارات تونس لتصل أسواق أوروبا، ولا تمسي الوردة في باقة في عواصم الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط.
ويعتبر فتحي النواوري تجارة الورد مهنة متجددة، مشيرا إلى أن أبناء القطاع يحتاجون إلى دورات تدريبية لاكتساب أحدث الابتكارات في تزويق الباقات وكيفية حفظ الورود لأطول وقت ممكن.
ولفت النواوري إلى أن بلدانا عربية على غرار لبنان أصبحت رائدة في تجارة وتزويق الورود بسبب إقبال المستثمرين على هذا القطاع المجزي، وفق تعبيره.
اقرأ أيضاً: المشموم التونسي.. زهور الثورة مصدر رزق العاطلين
ويعتبر محدثنا أن تجارة الورد في تونس بقيت تقليدية وتقتصر على بعض المبادرات الخاصة لأصحاب المهنة ممن يجتهدون في تطويرها في غياب الدعم الحكومي، رغم القيمة المضافة التي يمكن أن يحملها هذا القطاع للاقتصاد في حال تصدير الباقات الجاهزة مع الورود المحمولة من المزارع مباشرة.
وتقدر حصة تونس من الورود في السوق العالمية بنحو 1000 طن سنويا، ويوفر هذا القطاع عائدات هامة تقدر بحدود 700 مليون دينار أي ما يفوق 360 مليون دولار حسب أرقام غير رسمية.
ويقول فتحي، إن السلطات التونسية قست على تجار الورد بعد أن أجبرتهم على نقل محلاتهم التي كانت تحتل الرصيف الأوسط لشارع الحبيب بورقيبة إلى نهاية الشارع بسبب التوسعات التي يجري تنفيذها في قلب العاصمة؛ وهو ما أدى إلى تشتت التجار وهجرة البعض الآخر إلى الأحياء الجديدة، ما جعل تجارتهم موسمية بعد أن كان المارة يقبلون على مدار السنة على اقتناء الورود.
ويعتبر عيد الحب الذي يحييه التونسيون في 14 فبراير/شباط ثاني مناسبة تنشط فيها تجارة الورد، حيث ترتفع أسعار الوردة الواحدة إلى 4 دينارات (قرابة 2.6 دولار)، لكن الإقبال يبقي كبيرا.
ويشير فتحي إلى أن إقبال الزبائن كبير خلال هذه المناسبة، وقال مازحا "سنعوض كساد موسم كامل لو يحتفل المحبون بهذا العيد مرتين في العام".
وتعود تجارة الورد في تونس إلى فترة الاستعمار، حيث كانت التونسيون من أصحاب المزارع الكبرى، ينشطون في هذا القطاع لتوفير حاجيات السوق المحلية، لتنتقل هذه المهنة بعد الاستقلال إلى بعض العائلات التونسية التي كانت تقطن أحياء الفرنسيين وبقية الجاليات الأوروبية على غرار حي لافايات وشارع بورقيبة وحلق الوادي.
ولا تزال إلى اليوم هذه الأحياء تحافظ على دكاكين الورد التي يصر أصحابها على المحافظة عليها رغم موسمية شغلهم والتغيرات الكبيرة التي شهدها المناخ في تونس في السنوات الأخيرة من حيث ارتفاع درجات الحرارة، ما يجبرهم على بذل مجهود إضافي للحفاظ على سلعهم.
اقرأ أيضاً: تونس ترفع شعار "الأمن قبل الاقتصاد"