يصر الموظفون المحالون للتقاعد القسري من عملهم في وزارتي التربية والتعليم والصحة الفلسطينيتين منذ نحو شهر، على محاسبة كل من تسبب بإحالتهم للتقاعد، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة من كافة المؤسسات الحقوقية لدراسة ملفاتهم.
ونظم العشرات من الموظفين المحالين للتقاعد القسري المبكر في الوزارتين، وعددهم 132 موظفا (117 معلما، و15 في وزارة الصحة) اليوم الثلاثاء، وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله، بالتزامن مع عقد جلسة المجلس الأسبوعية، رفعوا خلالها لافتات تطالب بمحاسبة المتسببين بتقاعدهم، وضرورة إنصافهم.
ودعا المربي صامد صنوبر، الذي أحيل إلى التقاعد القسري المبكر قبل أسابيع، من عمله مدرساً في منطقة جنوب نابلس شمال الضفة الغربية لـ"العربي الجديد"، على هامش الوقفة، إلى "محاسبة من أحالنا للتقاعد، لأنه وقع علينا ضرر يتعدى الوظيفة، وما حدث تسبب لنا بضرر نفسي وتعرضنا نتيجته للإهانة، نريد إنصافنا ورد الاعتبار لنا".
وشدد صنوبر على أن قضية إحالتهم للتقاعد ليست شخصية، بل تسلط الضوء على الواقع الذي تعيشه فلسطين اليوم. وقال: "لذا على الجميع الوقوف عند مسؤولياتهم ومساندتنا بالشكل اللائق، نحن نفتقد القوى الوطنية والإسلامية وأعضاء المجلس التشريعي والفئات التي من المفترض أنها تقف إلى جانبنا وتساندنا".
الدكتورة أسماء ياغي، التي شغلت منصب مديرة نائب التدريب والتعليم في وزارة الصحة الفلسطينية، قالت لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك مستمر للمطالبة بضرورة إنصاف المحالين للتقاعد المبكر والرجوع عن هذا القرار، فهم مسوا بكرامتنا قبل أن يمسوا رواتبنا".
وأوضحت ياغي أنه "لا يوجد أية أسباب لإحالتها للتقاعد"، مرجحة ارتباط إحالتها للتقاعد بعد إبلاغها من ديوان الرقابة المالية والإدارية بوجود تجاوزات إدارية ومالية في وزارتها. وتشدد على ضرورة "تشكيل لجنة تظلمات مستقلة وشفافة ونزيهة من المؤسسات الحقوقية يدرسون جميع ملفات الموظفين، ولا بد من محاسبة من قام بالتعامل بهذا الأسلوب".
وأكدت "يجب محاسبتهم على ما فعلوه بنا، استغلوا قرار الرئيس حول التقاعد المكبر لتمرير وتصفية حسابتهم الشخصية، أنا لا أتهم رئيس الوزراء أو وزير الصحة، لكن هناك بطانة حولهم من مررت هذا القرار دون علمهم، ولذا يجب أن يكشفوا ويحاسبوا".
وأوضحت ابتسام محمد خالد، المدرسة في مدرسة بنات جيوس الثانوية في قرية جيوس بمحافظة قلقيلية شمال الضفة لـ"العربي الجديد"، أنها أحيلت للتقاعد رغم ممارسة عملها منذ نحو 15 عاماً، دون تلقيها أية عقوبة طوال تلك السنوات، وبدون أية أسباب واضحة، معتبرة أن تقاعدها تعسفي.
وطالبت ابتسام بضرورة تشكيل لجنة نزيهة من خارج الوزارة، تضمن لها استرداد كرامتها ومحاسبة من قاموا بذلك، وأن يعود الموظفون المحالون للتقاعد المبكر إلى عملهم، لأن ما جرى غير قانوني وهو طرد تعسفي.
الإحالات المبكرة للتقاعد، شملت كذلك من يحملون درجات علمية عليا. وأكدت المربية سعاد برهم، من رام الله، والتي جاءت لتشارك في الوقفة الاحتجاجية، أنها أحيلت للتقاعد المبكر من عملها مدرسة في وزارة التربية الفلسطينية دون معرفة السبب، رغم أنها حاصلة على شهادة الدكتوراه في مناهج العلوم وطرائق تدريسها وتقديراتها جيدة في عملها. وأشارت في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنها جاءت لتطالب بعودة حقوقها وزملائها ومحاسبة المسؤولين عن هذا القرار التعسفي.
المستشار القانوني لمؤسسة الحق الفلسطينية، عصام عابدين، طالب في حديث لـ"العربي الجديد"، مجلس الوزراء الفلسطيني بضرورة تشكيل لجنة مهنية مستقلة وحيادية، تراجع ملفات المحالين للتقاعد بهدف محاسبة كل من أساء واستغل السلطة والنفوذ. واعتبر أن ما جرى يدفع بالقلق الكبير من تكرار مثل هذه القرارات سنوياً، واستهداف الموظفين في الوظيفة العمومية سواء مدنيين أو عسكريين، ويصبح التقاعد المبكر سيفاً مسلطاً على رقاب الموظفين.
وخلال الوقفة الاحتجاجية، قال عابدين: "لدينا إفادات عدة تؤكد عدم وجود معايير للإحالة إلى التقاعد المبكر، وما جرى من إحالات كان بقانون مؤقت أقر العام الماضي واستمر مدة ستة أشهر، لكن ما نخشاه أن يصبح تقليدا سنويا يحال فيه عشرات الموظفين إلى التقاعد المبكر".
وطالب عابدين بضرورة إدراج المعايير التي أحيل بسببها الموظفين للتقاعد الكبر على المواقع الرسمية للوزارات، تستند على أسس مهنية، وبخلاف ذلك، فإن المطلوب تشكيل لجنة مستقلة للنظر في كافة ملفات الموظفين وإنصافهم بهذا الخصوص.
من جهة ثانية، قال عابدين إن "من بين المحالين للتقاعد المبكر كانوا من ذوي الإعاقة، وهذا مخالف للاتفاقية التي انضمت إليها فلسطين عام 2006، ويخالف قانون حقوق المعوقين الفلسطيني".
ولفت إلى لقاء مرتقب مع رئيس الوزراء ورئيس اللجنة الوزارية التي شكلت بهذا الخصوص، إضافة إلى اجتماع مع ديوان الرقابة المالية والإدارية لوجود شكاوى تتعلق ببعض المحالين للتقاعد نتيجة إبلاغهم عن تجاوزات مالية وإدارية في وزاراتهم، علاوة على لقاءات مع النائب العام الفلسطيني ومع هيئة مكافحة الفساد.