كل الطرق إلى مسجد "رابعة العدوية" في حي مدينة نصر في العاصمة المصرية القاهرة كانت مغلقة أمس ومنذ أيام عدة؛ أسلاك شائكة، مدرعات جيش، ومتاريس حديدية؛ إضافة إلى لافتات منتشرة كتب عليها: ساحة صلاة العيد عند مسجد الصحابة (أقرب مسجد لرابعة).
مسجد رابعة العدوية أحد أكبر مساجد حي مدينة نصر الراقي، وكانت ساحته الخارجية الواسعة أحد أبرز أماكن صلاة العيد في الحي على مدار سنوات طوال، والعام الماضي شهدت الساحة، التي كانت جزءاً من اعتصام كبير لأنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، العدد الأكبر على الإطلاق الذي يصلي العيد في مكان واحد في مصر، حيث تجاوزت الأعداد عشرات الآلاف.
في اليوم الأول لعيد الفطر العام الماضي، كانت المنطقة السكنية المحيطة بمسجد رابعة، تعجّ بالمعتصمين والمصلين، وبالبهجة أيضاً؛ بالونات وزينة ولوحات الترحيب بالمصلين، وحلوى وكعك يوزع على الزائرين.
بعد الصلاة ظهرت مسابقات وألعاب للأطفال، وأشكال عدة للاحتفال بالعيد تملأ المكان، حتى أن حمام سباحة كبير تم تجهيزه ليستمتع به الأطفال في ظل الحر الخانق في مثل هذا الوقت من العام.
هذا العام، المنطقة كلها خلت من أي نشاط، وساحة المسجد كانت خاوية من المصلين، حتى المارة غابوا عن المنطقة بسبب إغلاق الحكومة المصرية المسجد، ومنع الصلاة فيه منذ فض الاعتصام الذي راح ضحيته المئات، وما زال المسجد مغلقاً حتى الآن، على الرغم من انتهاء ترميمه بالكامل منذ أشهر عدة.
السلطة المصرية الحالية، تبذل قصارى جهدها، منذ فض اعتصام أنصار الرئيس، محمد مرسي، حتى يكون ميدان "رابعة" بعيد المنال عن أي مناهض للانقلاب، أو أي مارٍ عابر للطريق.
ومنذ مجزرة فض الاعتصام؛ هناك صمت وكآبة تغلف المكان، الذي أغلقته الأسلاك الشائكة، واختفت ملامح بهجة العيد عنه؛ فبائعو البالونات والحلوى الجوالون يدورون في الشوارع المحيطة، ويبحثون عن مشترٍ لا يأتي أبداً.
تكبيرات العيد في رابعة، والملاهي التي أقيمت خصيصاً للأطفال، واللافتات المنوعة بألوانها الزاهية، كل ذلك وأكثر، تفتقده أمل، الساكنة بالقرب من محيط الاعتصام السابق، وكانت صلاة العيد في رابعة بالنسبة لها من أجمل الذكريات التي تحتفظ بها عن الاعتصام.
وتقول أمل لـ"العربي الجديد": قضيت نهار العيد رفقة أسرتي في رابعة؛ كنا جميعاً سعداء، وعلى أمل كبير بأن يعود الرئيس الشرعي لحكم البلاد. في إشارة إلى الرئيس المعزول، محمد مرسي.
وتضيف: بعد مرور أكثر من عام على انقلاب 3 يوليو/تموز، لا نشعر بأي أمل أو بهجة للعيد. "حتى اللافتات التي أعدت لمسيرة انطلقت عقب صلاة العيد في ساحة سوق السيارات، وكتب عليها (عيد شهيد)، اتشّحت بالسواد؛ فالعيد بالنسبة لنا كان رابعة".
العشرات قضى ذووهم وأصدقاؤهم في هذا المكان قبل أقل من عام، قتلاً وحرقاً، كثيرون في مصر يزورون قبور وأماكن موت أحبائهم في العيد، المئات كانوا يرغبون في المرور بـ"رابعة" في هذا اليوم لتذكر اعتصامهم وأيامهم ولياليهم وشهدائهم الذين راحوا هناك، لكن المنع يقف بالمرصاد، والذكرى تزعج النظام أكثر مما تزعج أهل الشهداء.