كان الرئيس بوتفليقة قريباً من كرسي القداسة حتى عام 2008. كان قد أنجز منذ اعتلائه سدة الحكم عام 1999 خطة الوئام المدني والمصالحة الوطنية عام 2005، والتي أسهمت في إطفاء نار الفتنة في البلاد وتسليم المسلحين سلاحهم والعودة إلى أحضان المجتمع، ومعالجة آثار أزمة أمنية دامية ومؤلمة في حياة الجزائريين كلفتهم 120 ألف قتيل أو يزيد. كان ذلك المنجز كافياً، وإن أخفق في تحقيق المنجز الاقتصادي وبناء الديمقراطية، ليضع الرئيس بوتفليقة في مَصَفّ استثنائي، ويلبس "برنوس" (عباءة) القداسة. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 تنازعت الرئاسة والقداسة في خلد الرئيس بوتفليقة، برغم متاعبه الصحية التي كانت قد بدأت، منذ أول وعكة ألمت به عام 2005. كان حينها هذا الرجل الوافد من الزمن الدبلوماسي العتيد، ينهي ولايته الرئاسية الثانية، ولم يكن الدستور الذي أصدره الرئيس العسكري السابق ليامين زروال عام 1996 يتيح له الترشح لولاية ثالثة. كانت صفحة من التاريخ مفتوحة ليكتب فيها عن رئيس أنجز ما استطاع، وسلم المشعل في مشهد لا يحدث كثيراً في بلاد العرب، لكن شهوة الحكم تفعل في الحاكم ما تفعل. مدّ الرئيس بوتفليقة يده للدستور ليعيد تفصيله على مقاس يتيح له الترشح، وقد فعل في ولاية ثالثة عام 2009 ورابعة أيضاً عام 2014، برغم ما ألمّ به منذ أبريل 2013 من مرض جعله حبيس القصر الرئاسي وجعل البلد متوقفاً عند بحة صوت، وتفاقمت الشكوك عمن يحكم البلد ويدير دفة الحكم، وباتت الصورة مشوهة ومشوبة بالغموض في بلد يفتقد إلى مؤسسة حكم ديمقراطي وعاد أدراجه إلى حقب "الزعيم المفدى".
بعض الكبار تمنحهم الحياة مسارات فائقة العلو، لكن شهوة الحكم تستدرج أحياناً الفردانية والغلو، ويمنحهم التاريخ فرصة أن يكتبوا في أول السطر، لكنهم يكتبون في آخر الورقة. كذلك كان الرئيس بوتفليقة مخيراً بين كرسي القداسة والرئاسة، فاختار الخلود في الحكم حتى النهايات.