وعكست هذه الأرقام، وفق تقرير نشره مركز التجارة الدولية "ITC"، أخيراً، التراجع الكبير في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما نسبته سالب 42%، وفق تصريحات رسمية سورية، ونحو سالب 75% وفق التقديرات الدولية.
فقد أوصل نظام بشار الأسد، الذي بلغت تكاليف حربه حتى الآن، 275 مليار دولار، الاقتصاد السوري إلى مرحلة الانهيار وعدم الأمل بالعودة من دون قروض وارتهان.
وعلى صعيد التجارة الخارجية، يقول الخبير الاقتصادي السوري د. عماد الدين المصبح، إن قيمتها انخفضت خلال الثورة إلى نحو 0.2% من إجمالي قيمة التجارة العالمية، وحصة سورية لم تزد العام الماضي عن 0.01% من التجارة العالمية، بعد تهديم الصناعة وبنى الزراعة، وتحوّل النفط من أهم الصادرات بنحو 145 ألف برميل يومياً قبل الثورة، إلى عجز هائل واستيراد الآن.
وأشار التقرير الدولي إلى تراجع الواردات، نتيجة تراجع قدرة السوريين الشرائية، خلال الفترة 2011 - 2015 من 17.1 مليار دولار عام 2011 إلى 4.4 مليارات دولار عام 2015، بمعدل انخفاض حوالي 288%، معتبراً أن الفارق الكبير بين تراجع الصادرات وتراجع الواردات، هو النتيجة الطبيعية لسياسة اقتصادية، استخدمت ذريعة لتأمين المواد وإطلاق يد الاستيراد ما أمكن، مقابل عدم دعم قدرات الإنتاج المحلي، والتي تنعكس فعاليتها تصديراً.
وهكذا، بلغ عجز الميزان التجاري حوالي 29.3 مليار دولار خلال سنوات الأزمة الخمس، إذ وصل مجموع الواردات إلى 43 مليار دولار، ومجموع الصادرات إلى 13.2 مليار دولار.
ولجهة الشركاء التجاريين مع سورية، بين تقرير مركز التجارة الدولية، أن تركيا احتلت المرتبة الأولى من جهة الواردات منذ عام 2012، حيث بلغت الواردات السورية من تركيا في عام 2015 أكثر من 1.52 مليار دولار، وهو ما يشكل 31% من إجمالي الواردات. بينما الصادرات السورية إلى تركيا لا تتجاوز 51 مليون دولار، وبالتالي تساهم في عجز الميزان التجاري السوري بمبلغ 1.47 مليار دولار، وهو يشكل حوالي 39% من العجز التجاري في عام 2015. لتأتي الصين في المرتبة الثانية بقيمة مستوردات وصلت إلى مليار دولار خلال 2015، تليها مصر بقيمة واردات 242 مليون دولار.
وتعتبر هذه الأرقام بديهية، خصوصاً من ناحية تصدّر تركيا قائمة الشركاء التجاريين. إذ من الطبيعي أن تحتل أنقرة قائمة المصدرين لسورية، لأنها تمد المناطق المحررة باحتياجاتها من الغذاء والطاقة، وذلك في ظل فرض الحصار والعقوبات التي يمارسها النظام على المناطق المحررة. ويلفت مصبح النظر إلى تغييب التقرير الدولي لإيران التي تشير بيانات غرفة تجارة دمشق أنها الشريك التجاري الأول لنظام الأسد العام الماضي.
أما بالنسبة للصادرات، فأشار التقرير إلى أنه حتى عام 2010 كانت دول الاتحاد الأوروبي تستحوذ على القسم الأكبر من الصادرات السورية.
ومع انفجار الثورة السورية عام 2011 تغيرت وجهة الصادرات السورية نحو الدول العربية، إذ بلغت خلال عام 2015 نحو 650 مليون دولار، واحتلت مصر المرتبة الأولى بقيمة صادرات بلغت 158 مليون دولار، وبنسبة 23% من إجمالي الصادرات السورية، يليها الأردن بنسبة 15.5% وبقيمة صادرات 101 مليون دولار، لتأتي السعودية في المرتبة الثالثة بقيمة صادرات 84 مليون دولار وبنسبة 13%.
وبيّن التقرير أن الأجهزة الكهربائية استحوذت على المرتبة الأولى، ضمن مستوردات عام 2015 بمقدار إجمالي 298 مليون دولار، ونسبة 7% من الواردات، يأتي من ضمنها 55 مليون دولار أجهزة الهاتف المحمول وملحقاتها، وبالقيمة نفسها تقريباً استوردت سورية في عام 2015 السيارات وقطع الغيار بمبلغ 297 مليون دولار، لتشكل كل من الأجهزة الكهربائية والسيارات وقطعها نسبة 14% من إجمالي الواردات، ومبلغ 595 مليون دولار خلال عام!
تأتي في المرتبة الثانية المواد الغذائية، ولكن حصتها تتراجع بتراجع مستورداتها مقارنةً مع الواردات الكمالية، وذلك مع تراجع قدرات الاستهلاك السوري، وتراجع عدد سكان سورية الموجودين في داخلها، وتراجع الأسعار العالمية للمواد الغذائية...
وأما فاتورة الصادرات، فقد تغيرت خلال الثورة، من النفط الخام والقطن، لتقتصر الصادرات على القهوة والشاي التي تحتل المرتبة الأولى، والتي نستوردها بمقدار يقارب 195 مليون دولار، ليتم تصدير جزء هام منها بقيمة 55 مليون دولار، وتشكل أكبر وزن للصادرات السورية، يليها تصدير الفواكه بقيمة 54 مليون دولار، والخضار بمقدار 27 مليون دولار، وأما القطن الذي يعد ثالثاً ضمن الصادرات السورية، بعد النفط والفوسفات، فقد تراجعت صادراته من 199 مليون دولار في عام 2011 إلى 10 مليون دولار في عام 2015.
إلا أن هذه الأرقام المأخوذة من إحصاءات التجارة الخارجية السورية، والتي أصدرها مركز التجارة الدولية، مثيرة للشك والريبة في آن. إذ تغيب عن التقرير عائدات تصدير الفوسفات والألبسة، التي تأتي أولاً بعد تراجع النفط والقطن الخام.
والملفت، حسب خبراء، هو تصدّر الشاي والقهوة الصادرات السورية، رغم أن البلاد غير منتجة لهاتين السلعتين، ولا يمكن أن تأتي عمليات التغليف وإعادة التصدير، بأرقام الملايين التي ذكرها هذا التقرير الدولي.
ووسط تناقض الأرقام والإحصاءات والتقارير الدولية، تبقى حقيقة ساطعة، وهي أن الاقتصاد السوري يعيش في أزمة لا تعرف الهدوء.