-مضى عامان على الفراغ الرئاسي، هل يتم من خلال فرض هذا الفراغ ضرب موقع رئاسة الجمهورية؟
إذا أردت تفسير الواقع بشكل آخر سيكون التفسير أبشع. المعطّل إما يقصد الشلل وتنفيذ انقلاب سياسي أبيض، أو هو غير عاقل. ما يعني أنّ العقد الاجتماعي، أي اتفاق الطائف، لم يعد مقبولاً في لبنان.
- هل حزب الله وحلفاؤه مسؤولون عن هذا الفراغ؟
التعطيل طبعاً، حزب الله مشارك فيه والطرف المصرّ على موقفه والذي لم يقتنع بعد بضرورة التوصل إلى حلّ. لكن ألوم حزب الله أكثر لأن الموقع الرئاسي هو للمسيحيين ويجب على المسلمين القادرين والفاعلين أن يساهموا في هذا الاستحقاق أولاً من خلال الحضور إلى المجلس النيابي.
- هل تقصد أنّ حزب الله وحلفاءه يقودون انقلاباً أبيض لتعديل العقد الاجتماعي والنظام اللبناني؟
ما دام الحزب يقول إنه لا يريد هذا التعديل، فأنا مضطر إلى تصديقه، لكن هذا التصرّف ربما يقود إلى تعديل النظام اللبناني من أساسه. لو لم يذهب حزب الله إلى التمديد والتشريع كان يمكن أن يكون ثمة انسجام في موقفه لناحية رفضه النزول إلى المجلس النيابي، وأنا لا أزال آمل أن يؤدي حزب الله دوراً في الانتخابات الرئاسية، في إقناع حلفائه بحلّ ما، وأنا أعارض المقاطعة بشكل مبدئي على اعتبار أنها تؤدي إلى التعطيل.
-بعيداً عن موقف حزب الله، هل النظام اللبناني لا يزال قادراً على الاستمرار بهذه الصيغة وإعادة إنتاج الحياة السياسية بعد أزمات التعطيل والشغور التي يعيشها بين عهد وآخر؟
ربما كان مطلوباً في السابق تغيير النظام في لبنان أو تعديل العقد الاجتماعي فيه، لكن نتيجة ما حصل حولنا أعتقد أنه صار مطلوباً الإبقاء على النظام كما هو لكن بإدارة حياتية وسياسية أفضل وبطاقم سياسي أفضل. لبنان سيكون محط دعم كافة الدول وأصبح أكثر فأكثر النموذج الذي تتعايش فيه الطوائف بإدارة الشأن العام واجتماعياً ومواطنياً. ودور لبنان سيكون مطلوباً أكثر بتركيبته المميزة عندما تهدأ الأمور في المنطقة.
- هل يعني ذلك أنّ النظام اللبناني قادر على الصمود؟
أعتقد ان لبنان صمد منذ خمس سنوات، وقادر على الصمود أكثر. كنا دائماً نسمع أنّ الويل للبنان في حال هبت أي رياح في سورية، انظروا اليوم سورية تنهار ولبنان باقٍ. تنوعه أعطاه القوة أي عكس ما كنا نقول، وأكثر مما كنا نتوقّع لأنّ الطوائف ترى ما يحصل في أكثر من مكان. والإرهاب غير قادر على زرع نقاط تواصل بين المناطق نتيجة التنوّع الجغرافي والطائفي، وثمة مناعة نتيجة تنوّع الجيش، لذلك أقول إنّه يجب المحافظة على اتفاق الطائف وتأمين التحصينات اللازمة له، منها تعديلات ومنها إيجاد مواد جديدة لتحسين الوضع، مثل مجلس الشيوخ وهيئة إلغاء الطائفية السياسية ووضع قانون لمنع وصول المتعصّبين طائفياً ومذهبياً إلى مجلس النواب. أفضّل ألف مرة أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية بـ40 مسيحياً و40 مسلماً على أنّ ينال الرئيس 60 صوتاً مسيحياً وعشرين صوتاً مسلماً، إذ ينال حصانة معنوية وطائفية ومعنوية. لا حلّ إلا بالتوازنات. والحلول السياسية التي يتم العمل عليها من الضروري أن تحدد دور كل طرف، ولا يمكن لأحد التشبيح على الأطراف الأخرى. أي مكسب تحققه أي طائفة في لبنان سيزول إذا اضطرب الوضع في المنطقة، والمكسب الأفضل هو أن نكون متفاهمين في ما بيننا ومشتركين جميعاً في هذا البلد، أكرر، لأن لبنان سيلعب دوراً مميزاً في المرحلة المقبلة.
-كرئيس سابق للجمهورية كيف تُعرّف دور الرئيس في جمهورية الطائف؟
هذا الفراغ، شخصياً علّمني أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية ليست سيئة، وينقصها أمران: بعض الإجرائيات التنفيذية في مواد الدستور التي يمكن تفسيرها بأشكال مختلفة أو ليست كافية كما هي، وثانياً التعاون بين السلطات بحسب ما تنص عليه مقدمة الدستور، أي فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. وحين لا يحصل التعاون بين السلطات، تتعطل صلاحيات الرؤساء تماماً كما في الماضي.
لذلك، إنّ مقاربة دور الرئيس أفضل من مقاربة صلاحيات الرئيس. ودور الرئيس، بناءً على تجربتي، أولاً في أنه ضمير الدستور. مثلاً، في ملف القانون الأرثوذكسي (للانتخابات)، عارضتُ الموضوع وعطّلته لأنه كان مشروعاً لتفجير البلد وهذا كان من واجباتي، لم يكن الأمر من صلاحياتي لكني رفعت الصوت واستندت إلى الدستور ووقفت بوجه تفجير البلد. ثانياً، الرئيس ضمير العلاقات بين الأطراف وضامن لهذه العلاقات، فالرئيس يجب أن يحرص على التعاون مع السلطات أيضاً شرط ألا يكون هناك نكد سياسي. مثلاً، عندما كنت أترأس هيئة الحوار لم أكن أرضى بأن يحلّ الحوار مكان مجلس الوزراء، الآن مع محبتي للهيئة التي تنعقد، فقد تجاوزوا مجلس الوزراء في بحث ملفات تفصيلية، الحوار أعلى من السلطة التنفيذية. الدور الثالث للرئيس، هو الدور الخارجي وهي نقطة مهمة، وأؤكد أنّ الدستور لم يحرم الرئيس من دوره في السياسة الخارجية، فلا يزال موقع الرئاسة رقماً أول في السياسة الخارجية. وتشير المادة 52 من الدستور إلى أنّ الرئيس يفاوض بالاتفاق مع رئيس الحكومة ويبرم المعاهدات. ولا تصبح المعاهدات مبرمة إلا بعد الموافقة عليها في مجلس الوزراء. في تجربتي، تفاهمتُ مع رئيس الحكومة في مواقف مختلفة، مع الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وكنا في الموقف نفسه في الأمور الخارجية، وعلاقة لبنان بالخارج مهمة جداً.
إضافة إلى ذلك، هناك الدور الأمني من خلال المجلس الأعلى للدفاع، ولو أنّ الأخير لا يمكن أن يستغني عن مجلس الوزراء ولكون رئيس الجمهورية هو قائد القوات المسلحة، أي قائد كل القوى الأمنية، ووفق الدستور يمكن للرئيس أن يأمر القوات المسلحة التي تنفذ السياسة المقرّة في مجلس الوزراء، وفي هذا الإطار لا يمكن لمجلس الوزراء أن يكون خارج سياسة الرئيس أيضاً. لذلك صلاحية الرئيس حقيقية إلى درجة كبيرة.
-ما هي أهم التعديلات التي تراها ضرورية لتحصين واقع رئاسة الجمهورية وصلاحيات الرئيس؟
لا أريد الحديث عن صلاحيات الرئيس، بل عن سدّ ثغرات دستورية، لأن الصلاحيات تعني بشكل أو بآخر صراعاً بين الطوائف أو تناتشاً للمصالح في ما بينها. وقبل أن أصل إلى موقع الرئاسة كنت أعتمد تعبير "صلاحيات الرئيس"، لكن يوم وصلت إلى الحكم اكتشفت أنّ الحديث عن الصلاحيات ضرب لاتفاق الطائف وهو ما ليس في مصلحة أحد خصوصاً المسيحيين. لذا ثمة تعديلات أو إضافات يجب العمل عليها، ثمة نقص أساسي مثلاً في إجراءات انتخاب الرئيس، يجب وضع آلية لانتخاب الرئيس أو إجراءات معيّنة لحصول الانتخاب قبل أن تنتهي ولاية الرئيس السابق وهو ما يحصل في كل دول العالم، مثلاً خفض النصاب القانوني أو الاكتفاء بالأكثرية العادية أو حلّ المجلس (كما في اليونان). ثانياً في تشكيل مجلس الوزراء، هل يجوز أن يبقى مجلس الوزراء 11 شهراً من دون تشكيل؟ يجب فرض استشارات نيابية جديدة بعد مرور فترة زمنية على الاستشارات الأولى إن لم يتم تشكيل الحكومة، على اعتبار أنّ ثمة شهراً لإعداد البيان الوزاري، وفرض هذه الفترة الزمنية منبثق إذاً من روحية الدستور. ثالثاً، المهل الوزارية؛ يحق للوزير أن يوقف القرار الصادر عن مجلس الوزراء ولا يحق للرئيس ولرئيس الحكومة ذلك. بالإضافة إلى وجوب منح رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية حق حل مجلس النواب ولمرة واحدة عند الضرورة والاقتدار، بمبادرة من الرئيس وذلك انسجاماً مع مبادئ النظام البرلماني الذي يعطي السلطة التشريعية حق سحب الثقة من الحكومة، أي ليس للرئيس فقط، بل للسلطة التنفيذية أيضاً انطلاقاً من مبدأ التوازن بين السلطات، وإلّا تبقَ السلطة التشريعية هي الأقوى. تعديل الأكثرية في مجلس النواب لدى رد الرئيس مشاريع القوانين، وإعطاء رئيس الجمهورية حق دعوة مجلس الوزراء إلى لانعقاد سنداً إلى مادة 83 بوجود ظروف استثنائية. وتحديد الحالات التي يفقد فيها مجلس النواب ومجلس الوزراء شرعيته بمخالفته الدستور الفقرة "ياء" والتدابير الدستورية لإعادة تكوينه. (تنص الفقرة ياء على أن لا شرعية لأي سلطة تخالف العيش المشترك)، لذا يجب توضيح الفكرة وترجمتها وبناءً على ذلك يمكن لرئيس الجمهورية التصرّف.
ليس الموضوع تنازع صلاحيات، بل وضع وتحديد مسؤوليات الجميع، رئيس الجمهورية، الحكومة ومجلس النواب. أنا ضد مقاربة الموضوع من باب صلاحيات الطوائف أو صلاحيات المسيحيين، وللإبقاء على صيغة العيش المشترك.
-أهم محطات عهدك هو حوار بعبدا وما أنتجه وهو إعلان بعبدا، لماذا انقلب حزب الله عليه؟
عندما أطلقنا إعلان بعبدا كان ثمة شباب مسلم من طرابلس تحديداً يدخل إلى سورية لمساندة المعارضة السورية، وحصل تخبّط في الجو السنّي فوضعنا إعلان بعبدا والكل وافق عليه. لم يعترض أحد أبداً حتى "القوات اللبنانية" التي لم تكن مشاركة في الحوار. بعد شهرين تقريباً تم التنكّر له، وكان قد تعزز تدخّل حزب الله في سورية، والحزب يقول إنه تم استعمال إعلان بعبدا كشمّاعة. أعتقد أنّ وضعية السياسة قد تغيّرت في المنطقة، ومعروف أن تدخّل حزب الله في سورية كان مباركاً بالخط الإيراني وهذا ما قاله (نائب الأمين العام لحزب الله) نعيم قاسم، بينما إعلان بعبدا يتحدث عن تحييد لبنان عن الصراعات. هذا الواقع الذي حصل وتم التنكّر له، على الرغم من كون رئيس مجلس النواب نبيه بري ظلّ داعماً له وكذلك العماد ميشال عون ولو أنه لا يتم المجاهرة بإعلان بعبدا، ولو أنّ نص الإعلان بات يستخدمه البعض في مشاريعهم السياسية وكان جزءاً مثلاً من ورقة النوايا بين "القوات" و"التيار الوطني الحر".
-ثمة أزمة علاقة بينكم وبين حزب الله، ما هي أسبابها؟
أعتقد أنّ تحالفات حزب الله السياسية كانت محشورة كثيراً بموقفي السياسي، كنت على علاقة طيبة بهم، في ما يخص موضوع المقاومة كان الموضوع خطاً أحمر بالنسبة لي وكنت واضحاً في هذا الملف وأنّ المطلوب هو وضع استراتيجية دفاعية، على اعتبار أنّ المقاومة نشأت في ظل غياب الدولة، أما تضحيات أبطالها فجعلت منها قيمة وطنية كبيرة فلا يجوز التفريط بإنجازاتها في زواريب السياسة الداخلية وما الى هنالك. لم أغيّر موقفي. نشأت الأزمة في سورية وتدخّل حزب الله هناك، فصرت أعترض على ذلك، كانوا يقبلون موقفي إلى أن باتوا لا يتحملون معارضة أي طرف لتدخّلهم، وثمة تحالفاتهم السياسية أيضاً التي تلعب دوراً. وثمة خصومات تافهة بيني وبين الأطراف. وعلى الرغم من أنني كنتُ واضحاً بأنني لا أريد أن أمدّد ولايتي، فقد تصلّبوا في مواقفهم أكثر تجاهي. أعتقد هذه حسابات داخلية أكثر من أي أمر آخر.
-عندما زارك كل من الوزير أشرف ريفي والعقيد الراحل وسام الحسن، هل أكدوا تورّط النظام السوري بالاغتيالات التي كان يتم التحضير لها من خلال أشخاص ومسؤولين فيه؟
لا أقول تورّط النظام السوري مباشرةً. لقد اطلعت على التحقيق منهم ومن القاضي سمير حمود، وأشاروا إلى تورّط ميشال سماحة وجلب المتفجرات من إحدى المؤسسات السورية. لم أقل (رئيس النظام السوري بشار) إن الأسد متورط، ولا كل الأجهزة السورية متورطة، لكن في مكان ما ثمة تسهيلات، وتوضحت الأمور الأكثر لاحقاً.
-ألا يفترض بالدولة اللبنانية أن ترفع الملف إلى مجلس الأمن أو جامعة الدول العربية بالحد الأدنى لارتباط الملف بإحدى المؤسسات السورية؟
لا أعرف، لا أعتقد، لا أعرف إلى أين وصل الملف خصوصاً بعد فصل ملف سماحة عن علي المملوك. في حال استمرار الملف واستمرار الإدارة السورية قد يكون الأمر مجدياً لاحقاً.
لماذا فصل ملف ميشال سماحة عن ملف علي المملوك؟
فصل لكي نستطيع محاكمة سماحة على الأقل.
-الثورة في سورية، بدأت في عهدك، ما كان موقفك منها وما هو موقفك اليوم؟
الثورات العربية كانت محطة لا بد أن تصل الشعوب إليها. التطور قائم وكل شيء يتغيّر واختلفت سلوكيات الناس، نحن غافلون عن شؤون الناس وصارت الثورات تتوالى. طبعاً النظام في سورية قائم منذ أربعين سنة، وقبل الحكم عليه، الديمقراطية تقول بتداول السلطة، وكل ديمقراطية لا تؤدي إلى هذا التداول أو تؤدي إلى تثبيت السلطة، هي ديمقراطية ساقطة. ما قام به الجيش في لبنان عام 2005 (بعد اغتيال رفيق الحريري) ربما جنّب بداية الربيع العربي منذ ذلك الحين: منع الجيش اللبنانيين من الاعتداء على بعضهم مع المحافظة على حرية التعبير. ما حصل في البلاد العربية كان العكس؛ الأسد تحديداً كان يقول عن ملك المغرب إنه ذكي ويدرك كيف ومتى ينفذ الإصلاحات في الوقت المناسب، بينما في سورية لم تحصل الإصلاحات.
-تكلمت عن أحداث لبنان عام 2005 وأداء الجيش الذي كنتَ قائده حينها، كيف تعاملت مع مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري؟
كان القرار السياسي يومها هو منع التظاهر. لكن وفق اعتقادي، ليس بإمكان السلطة التنفيذية منع التظاهر إلا وفق حفظ الأمن، لكن ليس لمنع حرية التعبير. قلت أمنع التظاهر في مربع معين في محيط مجلس النواب، لكن لا يمكن أن أمنعهم من التظاهر في ساحة الشهداء أو في أي ساحة أخرى. كنت أخاطب العسكريين وأحدثهم عن التوازن ودورهم المهم، وأقول إن الجيش لا يمكن أن يكبت مشاعر أحد لكن لا نريد أي اصطدام. كانت المرحلة أصعب من مرحلة حرب نهر البارد. كانت بلاطة جاثمة على صدري لأنّني لا أريد قمع الناس بالقوة وفي الوقت نفسه أريد تنفيذ القرار السياسي. القرار السياسي لا يمكنه المساس بالدستور وبحرية الناس، وإذا نجحت في الحفاظ على الأمن أكون قد نفذت القرار السياسي وفقاً للدستور. فعلت هذا المزج وتجاوب معي الضباط والعسكر. كان وزير الداخلية سليمان فرنجية، لم يضغط في اتجاه معاكس، بل من ضغط كان رئيسا الحكومة والجمهورية، أي يجب منع التظاهر. من التزم جانب المراقبة أكثر هو سليمان فرنجية وتحوّل لاحقاً إلى مؤيد لقراري إذ أشار إلى أنّ أي تصرّف آخر كان سيقود إلى مجزرة في البلد.
-هل هذه تزكية لسليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟
كلا أبداً، أنا أقول الحق. أتمنى ألا يصل فرنجية ولا عون، شخص توافقي من خارج 8 و14 آذار، لا مرشح عندي، وشخص مثلي لا يمكنه أن يرشّح أحداً، لكن أقول إن من يجب أن يصل إلى الرئاسة هو شخص وفاقي.
-أليس وصول عسكري جديد إلى الرئاسة أمراً مؤذياً للبلد وتكريسا لعرف وصول قائد الجيش إلى الرئاسة؟
قد يكون مؤذيا قليلاً. لكن وصول عسكري قادر على الصمود بين عسكره وحافظ على وحدة جيشه ومهماته يصبح محط أنظار بشكل إجباري عند الأطراف. العسكريون مسلمين ومسيحيين، حاربوا إسرائيل مع بعض، حاربوا الإرهاب مع بعض، تعاملوا مع التظاهرات من دون تفرقة. ومن أدار كل ذلك قادر على إدارة البلد. يؤتى بالعسكري ليس لبطشه بل لوفاقيته.
-ماذا عن أحداث 7 أيار 2008؟ ما مدى آثارها على الجيش وصورته؟
محطة سيئة لكننا استوعبناها بفهم الواجب الوطني، أي لا يجوز انقسام الجيش مثلما سبق أن حصل في صفوفه. وقعت الأحداث فجأة. ما حصل لم يكن مجموعات هاجمت أو اقتحمت بل خرجت المجموعات من قلب الأحياء. استوجب الموضوع إعادة تنظيم الجيش لتقسيم المناطق وتنظيفها الواحدة تلو الأخرى. يومان حتى استفقنا من الصدمة وكانت بدأت الأمور تُحلّ سياسياً. لا يمكن لأي جيش في العالم، عندما تسير الأمور باتجاه اقتتال أهلي من هذا النوع، أن يفعل شيئاً. بينما لو كانت المواجهة مباشرة مع الجيش لكانت الأمور أوضح.
- هل يمكن القول إن حزب الله أقوى من الجيش؟
أبداً. الجيش اللبناني أقوى من الجيش السوري وأقوى من الجيش العراقي، وهذه ليست شعارات. لكن ثمة إعاقة أمنية بوجود دولة ضمن الدولة، هذا صحيح، لكن الجيش متسلّح ومحصّن بفضل العيش المشترك والتنوّع الذي فيه.
-على هذا الأساس منحت السعودية الهبة، لتقوية الجيش وتم سحبها لأن ثمة شعوراً بأن الجيش ليس قادراً على الحد من دور حزب الله؟
تم إقرار الهبة بهدف تعزيز الجيش أولاً، وثانياً بناءً لمطالبي المتكررة يوم كنت قائداً للجيش بضرورة دعم الجيش منذ عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله. ولم يحصل شيء يذكر. وإذ تم الدعم نتيجة السببين المتناغمين، لكن هذا الأمر لم يرفق بشروط، حتى السعوديون منحوا الهبة ولم يرسلوا ضباطاً سعوديين لتوجيه ضباط الجيش اللبناني، بل كانت تتم الاستعانة بضباط فرنسيين. لم يكن هناك أي شرط سعودي.
-لماذا سقطت الهبة السعودية؟
ما أعرفه أنه كان يجب ألا تقابل الهبة السعودية بما قوبلت به من تشكيك منذ إعلانها، بأنها صفقات واستفادة مالية ومشروطة وما إلى هنالك، وأتى الاستياء السعودي من الدولة اللبنانية، وأعتقد أن لا سبب مالياً أو اقتصادياً من وراء سقوطها.