أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، تعيين رئيسة تشيلي السابقة، ميشيل باشليه، في منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، خلفاً للأمير زيد بن رعد الحسين الذي سيتنحى في نهاية شهر آب/أغسطس الحالي، بعد انتهاء ولايته التي استمرت أربعة أعوام في جنيف.
ولم يسبق أن أثارت مسألة تغيير المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ضجة كالتي تحدث حالياً، عشية انتهاء ولاية بن رعد، وقراره الانسحاب بهدوء بعدما وصلته رسائل تفيد بأن أكثر من دولة من الخمس دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، تنوي وضع فيتو ضد التمديد له، بعدما أغضب كل الدول من دون استثناء بسبب لهجته الحازمة ضدّ التجاوزات في حقوق الإنسان، من أميركا إلى الصين مروراً بكل الحكام الذين جعلوا من السنوات الماضية حقبة سوداء في سجل حقوق الإنسان في العالم.
وفي خضمّ التفتيش عن بديل له، كان لافتاً ترشيح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لرئيسة تشيلي السابقة، ميشيل باشليه، لخلافة الدبلوماسي الأردني السابق، مع موافقة مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، على توليها المنصب.
الخبر ليس عادياً، خصوصاً أن باشليه متحدرة من بلاد عانت من ديكتاتورية الجنرال أوغستو بينوشيه، وباشليه عانت شخصياً من هذا النظام. لكن تحدياتها التي انتصرت بها في تشيلي، مختلفة عن حسابات العالم ومشاكله، وهو ما دفع بزيد بن رعد، للخروج عن طوره مرات عدة، في كل مرة لا تواكب الأمم المتحدة والدول مطالبه في شأن حقوق الإنسان.
وُلدت باشليه في 29 سبتمبر/أيلول 1951 في سانتياغو وأمضت طفولتها متنقلة في تشيلي مع والدها الذي كان ضابطاً طياراً في الجيش. وفي عام 1970 بدأت دراسة الطب وانضمت إلى الشباب الاشتراكي. وفي 11 سبتمبر 1973 يوم انقلاب بينوشيه على سلفادور الليندي، اعتُقل والدها الذي كانت قد تمت ترقيته إلى جنرال وكان قريباً جداً من الليندي، وتوفي في السجن بعد تعرضه للتعذيب. واصلت باشليه دراستها وساعدت سراً المضطهدين في عهد بينوشيه. لكن في العاشر من يناير/كانون الثاني 1975 أوقفت مع والدتها من قبل أجهزة الأمن ونُقلتا إلى مركز التعذيب فيلا غريمالدي. وبعد إطلاق سراحهما انتقلتا إلى أستراليا ثم إلى ألمانيا الشرقية، حيث واصلت ميشيل باشليه دراستها. وفي 1979 عادت الى تشيلي وحصلت على شهادة الجراحة وتخصصت في طب الأطفال والصحة العامة.
انتصارات باشليه في تشيلي، شكّلت مصدر إلهام في محيطها الجغرافي، أي في الأرجنتين وبوليفيا والباراغواي والبيرو، لكنها باتت اليوم أمام تحدٍّ آخر لا يقل صعوبة في مسيرتها السياسية العامة، وهو توليها منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان. الملفات كثيرة، بدءاً من اليمن، حيث الوضع الإنساني متدهور وقد يتفاقم مع استمرار المعارك حول ميناء الحديدة ومجزرة صعدة، وهو ما عبّر عنه أخيراً الاتحاد الأوروبي في بيان، بأن "الحرب في اليمن خلّفت أسوأ كارثة إنسانية في العالم جعلت 22 مليوناً بحاجة للمساعدة"، فضلاً عن ثاني أكبر مأساة إنسانية، أي سورية وجرائم الإبادة الحاصلة هناك عشية ما قد يكون حمام دم جديد في إدلب على حد تعبير مفوض الشؤون الإنسانية، زميل باشليه في الأمم المتحدة، يان إيغلاند.
ثم هناك غزة، التي أصبح الوضع فيها أكثر تعقيداً، مع الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مع وقف التمويل الأميركي للمنظمة المقدّر بـ300 مليون دولار، والاعتداءات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وحصاره عبر إقفال المنافذ البرية والبحرية.