اقتران اسمه بالعديد من قضايا التحرّر الوطني، جعل متابعيه ينظرون إلى موسيقاه بوصفها تعبيراً موازياً لأفكاره وآرائه السياسية وفي الشأن العام، بينما يشير العديد من النقّاد الذين تخصّصوا لدراسه أعماله، إلى أنه امتلك مشروعاً متماسكاً منذ مطلع ستينيات القرن الماضي.
سعى صاحب إلى تجديد التراث الموسيقي في بلاده من خلال تنظيراته حول "الموسيقى الميتاسيمفونية" عبر إدخال أغان شعبية وإيقاعات تقليدية يونانية مع الأوركسترا الغربية، وقد ترك عشرات السيمفونيات مثل "السيمفونية الأولى" (بروتي سيمفونيا/ 1953)، و"السيمفونية الثانية" (أغنية الأرض/ 1981)، و"سيمفونية الربيع" (1983)، و"أندلسيا" (2010).
كان مولده في جزيرة خيوس اليونانية، وفي سنين الطفولة الأولى بحث بنفسه عن الموسيقى، حيث كان ينصت إلى اليونانيين يغنّون حزناً ويغنّون فرحاً وكان يردّد أنه سيغدو مؤلّفاً، وقبل أن يتمّ الثانية عشرة كان يعزف البيانو ووضع العديد من كلمات الأغاني والألحان قبل السابعة عشرة.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وقعت اليونان تحت الاحتلال الإيطالي والألماني، وتأسّست مقاومة شعبية شارك فيها ثيودوراكيس الذي اعتقلته القوات الإيطالية ودخل معسكرات التعذيب حيث كاد أن يدفن مرتين ظنّاً أنه فارق الحياة، ليخرج من تحت التراب ويواصل الطريق بعين لا يرى بها جيداً ومرض السل الذي سيلازمه.
قدّم "أغنية الكابتن زكريا" عام 1939 التي أصبحت نشيداً احتجاجياً للثوار اليونانيين ضد المحتل ثم في الحرب الأهلية (1944 – 1949) بين الحكومة المدعومة بريطانياً وأميركياً وبين قوى اليسار، ليصعد اسمه لأول مرة بكلمات الأغنية التي استند فيها إلى تراث أرسطو، وقد اعتقل في تلك الفترة لرفضه التجنيد الإجباري والقتال مع جيش النظام ونُفي إلى جزيرة ماكرونيسوس، وهناك سيقابل الشاعر يانيس ريتسوس (1909 – 1990).
مع ريتسوس، يحظى ثيودوراكيس بنقلة نوعية تزيد من انتشاره وحضوره الموسيقي، حين لحّن قصيدته "أبيتافيوس" بعد عدّة سنوات، وهي نص جنائزي يتكوّن من عشرين نشيداً أو ترنيمة مستوحاة من الغناء العامي والأساطير الإغريقية والطقوس الأرثوذكسية.
سينتقل من منفاه إلى باريس ويواصل هناك دراسته في "المعهد العالي للموسيقي"، ويتعرّف إلى العديد من المثقفين مثل لويس أراغون وبابلو نيرودا، وصولاً إلى عام 1960 حيث رجع إلى بلاده وبدأ في تلك الفترة يقدّم أعمالاً تستند إلى قصائد شعراء يونانين من أمثال جيورجوس سيفريس، وليتل كيكلادس، وأكسيون إستي، وإياكوفوس كامبانيليس، ويانيس ريتوس، إلى جانب فيديريكو غارسيا لوركا.
بعد الانقلاب العسكري عام 1967، سيخرج إلى المنفى مجدّداً حتى سنة 1974، حيث يعود الحكم الديمقراطي لليونان، وينتخب عمدة لأثينا ونائباً في البرلمان لعدّة دورات، ووزيراً بلا حقيبة، كما سيعهد إليه إعادة إحياء "أوركسترا الإذاعة اليونانية الحكومية"، وفي الثمانينيات سيقدّم أبرز أعماله الموسيقية ويشارك في حفلات حول العالم.
وقف مع نضالات الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال الصيهوني، وقام بتوزيع النشيد الفلسطيني بطريقة صوتية وأخرى أوركسترالية، وزار المقاومة الفلسطينية في لبنان بداية الثمانينيات حيث أعلن تأييده للكفاح المسلح بمواجهة "إسرائيل"، كما عارض السياسات الأميركية وتدخّلاتها العسكرية في يوغسلافيا والعراق، وقارن بين الإمبريالية والإرهاب في تسبّبهما الألم للإنسانية.
لم يتوقّف عن الإدلاء بآرائه السياسية حتى بعد تركه العمل العام، حيث ردّ في مقابلة صحافية منذ عامين، حول الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعيشها بلاده، بأنه "خلال الأوقات الصعبة، يمكن أن يصبح اليوناني بطلاً أو عبداً".