ميليشيات حكوميّة تجتاح "فيسبوك"

06 يناير 2015
(Getty)
+ الخط -
لم تكتفِ الميليشيات المدعومة حكومياً في العراق باجتياح المناطق الساخنة وإحراق أخضرها ويابسها على أرض الواقع، بل تعدّت ذلك إلى العالم الافتراضي لتشن حملة طائفية غير مسبوقة على صفحات الناشطين المعارضين للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويستعين الناشطون المعارضون ــ وهم بأغلبهم من أبناء الطائفة السنية نتيجة الانقسام السياسي والطائفي في البلاد ـ بـ"فيسبوك"، في نشر ما تقوم به هذه الميليشيات من جرائم القصف والقتل والاختطاف والتهجير، بسبب سيطرة الحكومة العراقية على وسائل الإعلام المحلية، وفرضها قيوداً صارمة على البث والنشر.

ويفصح المهندس راجح العبيدي (45 عاماً)، الخبير في أمن المعلومات لـ"العربي الجديد"، عن أنَّ "فيسبوك" أصبح وسيلة لا غنى عنها للناشطين في المحافظات الساخنة، ويعتبر الموقع خطيراً جداً على أمن الناشطين، من خلال متابعتهم إلكترونياً من قبل مجموعات متخصّصة بمتابعة الحسابات والتجسّس عليها وإغلاقها.

ويضيف العبيدي: "تلجأ ميليشيات فيسبوك إلى عدة وسائل في متابعة الناشطين، أبرزها الدخول بأسماء الإناث للإيقاع بالناشطين أو اختراق حساب أحد أصدقائهم للحصول على معلومات عن أماكن تواجدهم أو التبليغ عن حساباتهم، فيما يلجأ الناشطون إلى وسائل مختلفة، منها عدم وضع أي معلومات أو صور شخصية على صفحاتهم، والاستعانة ببرامج خاصة لتغيير موقعهم الجغرافي خشية الملاحقة الأمنية".

وكانت أبرز حملات الناشطين على "فيسبوك" خلال عام 2014، حيث تمّ إطلاق حملة واسعة عبر وسم بعنوان "#محاكمة_المالكي_مجرم_حرب"، لينتشر في آلاف الصفحات ويلاقي تعاطفاً محلّياً ودولياً غير مسبوق. وكشف ضابط في وزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد" أن "مسؤولاً رفيعاً في الحكومة السابقة جنّد أكثر من خمسة آلاف عنصر لمتابعة حسابات الناشطين عبر "فيسبوك" واختراقها والتجسّس عليها مقابل مرتبات شهرية".

وأوضح الضابط، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنَّ "مسؤولاً كان يشغل منصباً رفيعاً في الحكومة السابقة خصّص رواتب ومكافئات مالية لعناصر ألكترونية، جنّدها مقابل اختراق أو إغلاق حسابات الناشطين والكتّاب المناهضين لحكومته".

ومضى الضابط بالقول "اعتقلت القوات الأمنية خلال العام الماضي 2014 عشرات الناشطين على فيسبوك، عبر متابعتهم ورصد تحرّكاتهم والتجسس على معلوماتهم الشخصية".

وسرّب ناشطون معلومات تفيد بقيام مسؤول حكومي رفيع بتجنيد 120 موظفاً "ميليشياوياً" إلكترونياً ومع كل منهم مئات العناصر تحت إشرافهم، يقومون بإنشاء مئات الحسابات الوهمية يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، يروّجون له من جهة ويستهدفون المخالفين لسياسة حكومته، ويبلغون ضد حسابات الناشطين والكتّاب لإغلاقها أو متابعتهم واعتقالهم من جهة أخرى.

استُهدف حساب الناشط وائل العاني (30 عاماً) عشرات المرات، وتم اختراق حاسوبه وسرقة معلوماته الشخصية. وقد بيّن لـ"العربي الجديد" أنَّ "ميليشيات فيسبوك لا تقلّ خطراً عن الميليشيات التي تقاتل على أرض الواقع، فهم يتلقّون مكافآت خاصة لقاء متابعة أحد الناشطين وتحديد مكانه والقبض عليه، أو تصفيته عبر معلوماته الشخصية أو اختراق حسابه أو حساب أحد أصدقائه".

ولفت العاني إلى أنّ "هذه الميليشيات الإلكترونية تقوم بثلاة مهام، أولها تحديد مكان الناشط تمهيداً لاعتقاله أو تصفيته، إن كان في منطقة تسيطر عليها الحكومة، أو التشهير به عبر معلوماته الشخصية أو تهديد عائلته وأقاربه، إن كان خارج البلد، أو إغلاق حسابه عبر آلاف التبليغات من مجاميع خاصة تأتمر بتعليمات موظفين مختصين بهذا الشأن ومدعومين حكومياً".

ولجأت الحكومة إلى هذه "الميليشيات الفيسبوكية" بعد الحرب الإلكترونية العنيفة التي شنها ناشطون ضد سياساتها القمعية، وباءت محاولاتها الكثيرة في قطع شبكة الإنترنت عن المحافظات الساخنة بالفشل، بعد إيجاد الناشطين بدائل مختلفة للحصول على الشبكة.

وأفادت مصادر مطلعة عن تعاون بين المخابرات العراقية وعدد من الدول لمتابعة الناشطين والكتّاب المعارضين لسياسة الحكومة عبر "فيسبوك" وملاحقتهم، غير أن هذا التعاون لم يثمر عن شيء، لرفض تلك الدول الحد من الحريات الشخصية في التعبير عن الرأي.

علي سلمان (26 عاماً)، الملقّب بـ"هاكر العراق"، أفصح لـ"العربي الجديد" عن عدة طرق لتلافي المتابعة عبر "فيسبوك"، أهمها "تأمين الحساب بشكل جيد، وعدم وضع معلومات أو صور شخصية، والابتعاد عن فتح الروابط الغريبة والضغط على الإعلانات الوهمية، وضرورة استخدام حواسيب خالية من المعلومات والصور الشخصية، خشية الاختراق واستخدام برامج خاصة بتغيير الموقع الجغرافي تلافياً للمتابعة الإلكترونية"، موضحاً أنَّ "هذه الطرق لا تزيل مخاطر الملاحقة الإلكترونية ولكنها تقلل من شأنها".

يُذكر أنّ الدستور العراقي كفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي.
المساهمون