كان عباس يرى في "بروس لي" بطله الأوحد، وقد أمضى جلّ صباه في متابعة نجمه المفضل، وجمع الملصقات الدعائية له، وحتى حين صار شخصاً ناضجاً لم يكن يفكر في شيءٍ سوى أن يسير على طريق بروس لي. كبر وتزوّج من لميعة التي تحبّ بروس لي أيضاً، أو ربما أنها ادعت حبّها له، لتوقِع عباس في أحضانها.
بعد الزواج قرّر عباس أن يؤسس نادي "الكونغ فو للمتزوجين". استخدمت لميعة نفوذها بين النساء لتؤكد لهن ضرورة الانتماء إلى نادي المتزوجين هذا.
استأجر عباس سرداب عمارة قديمة وأعاد ترميمه. يوم تم تغليف القاعة بصور بروس لي، شعر عباس براحة تامة ظناً منه أنه اقترب من تحقيق حلمه، ثم أضاف شاشة كبيرة لتعرض فيديوهات توضيحية للتمارين.
تبدأ التمارين بمشاهدة لقاءات بروس لي التلفزيونية، ومن ثم تمارينه القتالية. صحيح أن عدد المشتركين كان قليلًا جدًا، لكن يوماً بعد يوم كان عدد المحبين لبروس لي يزداد، ورغم أنه وضع سعراً رمزياً للاشتراك الشهري، إلا أن النادي كان يوفر له مبلغ الإيجار وبعض النفقات الأخرى.
غيّر اسمه فأصبح يُشعره بقوة وسكينة لم يعرفهما من قبل
زوجته استغلت النادي لصالحها، وافتتحت ورشة لخياطة ثياب التمارين، خصوصاً وأن أغلب المشاركات بدينات الجسم، فبرعت لميعة بخياطة بزّات الكونغ فو بقياسات خاصة.
عباس الذي فكّر بتطوير اسمه بطريقة ما تجعله مقارباً لاسم بروس لي، قرّر أن يطلق على نفسه عبّوسلي على وزن بروس لي، وليؤكد ذلك وضع يافطة تحمل اسم النادي إضافة إلى ذكر اسمه بالأسفل "بإدارة: الكابتن عبّوسلي"، هكذا أصبح اسمه يُشعره بقوة وسكينة لم يعرفهما من قبل.
ازدادت شعبية عبّوسلي كثيراً وصار من أشهر الشبان في المنطقة، لوحظ ذلك في يوم عيد ميلاده الثالث والثلاثين حيث احتفل حوله ما يقارب المئتي شخص داخل النادي، كلهم يهتفون باسمه، ويشكرونه على ما أحدثه من تغيير في حياتهم بسبب هذه الرياضة.
لكنها كانت أيضاً سنةً مشؤومةً على عبّوسلي، فقد بدأ عدد المشتركين يقل بشكل مفاجئ، ولم ينتبه لذلك إلا بعد أن شعر بخلو النادي تماماً من المتدربين.
لم يصدّق ما حدث وراح يخبر نفسه بأنه لم يرتكب أيّ خطأ، فما الذي حدث لهم؟
لكنه لم يجد غير لميعة ليرسلها لزوجات المتدربين تستقصي حول الموضوع، وانتهت جولتها بمعرفة السبب. كل ذلك حدث بسبب فيلم جديد نزل مؤخراً في السينما، وقد كتبت لها جارتها أم عمران اسم الفيلم في ورقة صغيرة.
عادت لميعة بالفيلم إلى عبّوسلي الذي ذهب للسينما ليتابع "Once Upon a Time… in Hollywood". كان الفيلم طويلاً جداً ورتيباً وكلّما مرّت دقيقة يسأل نفسه ما علاقة الفيلم بناديه، لكن فجأة يظهر له بروس لي وهو يحاور مجموعة من المصوّرين الذين تحلّقوا حوله ليخبرهم أنه لا يعرف شيئاً عن التمثيل، هو رجل مقاتل، ينازل من يطلب منه ذلك، ولا فرق عنده إن كان المنازل كومبارساً أو مقاتلاً حقيقياً، وأنه لم يأت للحياة ليهدر وقته أو ليتصنّع شيئاً. وعندما سألوه عن الملاكم محمد علي كلاي قال بروس لي: "إنه سيطيح به بضربة واحدة لو حدث وأن نازله"، ثم يظهر بعده الممثل المشهور "براد بيت" ليسخر من بروس لي، وبراد بيت هذا كان يلعب في الفيلم دور مساعدِ ممثلٍ فاشل. استدار بروس لي نحو براد بيت وطلب منه أن ينازله ليعرِّفه من هو "بروس لي" الذي من المؤكد أنه لا يعرفه.
كان عبّوسلي هنا قد استعاد بهجته برؤية بروس لي من جديد، وحاول ألا يجهد نفسه في محاولة صدّ السؤال الذي يلاحقه بخصوص النادي والمشتركين وينصت لمعبوده بروس لي. لم تمض دقائق حتى رأى براد بيت يركل بروسلي ركلة قاسية توقعه أرضاً.
تعالت ضحكات المتفرّجين على ذلك المشهد، بينما انتفض عبّوسلي واقفاً وغادر القاعة، وراح يصرخ غاضباً أمام بوابة السينما: "إنها أميركا من فعلت ذلك، تريد أن تحارب رمزاً عظيماً في تاريخ الفنون القتالية فقط لأنه صيني، أساءت لتاريخه ولحياة رجل عاش ومات شجاعاً ولم يخسر أيّ نزال يذكر".
ظل يصرخ وهو يسير في الشوارع حتى وصل عند النهر، وتذكّر قولاً لمعلّمه بروس لي كان يتردد في رأسه: "كن مثل الماء يا صديقي"، أخذ الصوت يتضاعف شيئاً فشيئاً حتى أصابه صداع شديد دفعه لأن يرمي نفسه في النهر وينهي حياته ويعود للماء الذي أراد أن يكون مثله.
أعادت لميعة افتتاح النادي من جديد بعد أن أحدث انتحار عبوسي دعاية قوية جداً للنادي، وخفوت تأثير فيلم "تارنتينو" على شخصية بروس لي التاريخية، وازداد عدد المشتركين في النادي من جديد. وإلى جانب مهامها كمديرة للنادي فقد رجعت لميعة تخيط البزات الرياضية للمشتركين.
لكنها في ما بعد وعندما تعرّفت على ملاكم، سرعان ما أخبرته بأنها كانت تحب هذه الملاكمة أكثر من رياضة زوجها السابق التي أجبرها عليها، ومن ثم تزوجته وحولت "نادي الكونغ فو للمتزوجين" إلى "نادي الملاكمة"، بعد أن أحدثت تغييرات في الديكور واستبدلت صورعبّوسلي بصور زوجها الحالي، وبالطبع غيّرت اليافطة إلى "نادي الملاكمة للمتزوجين/ بإدارة الكابتن: محمد عادل".
* كاتب من العراق