"لماذا تفعلين هذا بي؟ أنا إنسان بسيط، لا أريد إلا أن أعمل". هذا ما قاله محمد البوعزيزي، بائع الخُضار التونسي المُحبط، بعد أن قامت شرطية بتوجيه صفعة إليه على الملأ، وأعقبتها بمصادرة عربته. فمنذ التضحية بالنفس من قبل البوعزيزي كان الربيع العربي يدور إلى حد كبير في فلك نار الفقر. ولعل كلماته الأخيرة لوالدته، قبل إشعال نفسه والمنطقة، تقف شاهدة على ما شعر به من قهر وهو في وطنه وبين أهله: "مسافر يا أمي، سامحيني، ما يفيد ملام. ضايع في طريق ما هو بإيديا. لومي على الزمان ما تلومي عليّ. رايح من غير رجوع. ما عاد يفيد ملام على زمان غدّار في بلاد الناس".
ثورة شعبية عارمة انطلقت في تونس من عربة بائع خضار مُتجوَّل عاطل من العمل. وعند هذه اللحظة بالذات، بدأ ملايين من المسحوقين والمهمشين والعاطلين من العمل في العالم العربي يعبّرون عن آفاقهم الاقتصادية الكئيبة التي أخذت شكل احتجاجات عارمة، أدت إلى تساقط الأنظمة. لكن استمرار الاضطرابات لفترة أطول من المتوقع، أدى إلى تواصل الخلاف حول توصيف الحالة التي تمر بها المنطقة، وأصبح التشكيك تجاه الربيع العربي أكثر انتشارا.
بنظرة سريعة إلى قائمة الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي أقل من عشرة آلاف دولار للفرد الواحد، نجد خمساً من أصل عشر دول (مصر، العراق، سورية، السودان، واليمن) شهدت صراعاً داخلياً كبيراً أو حرباً أهلية خلال السنوات الثلاث الماضية.
في تونس، البلد الذي يفتخر في كونه أنجز التحوُّل الديمقراطي الأكثر نجاحاً، فإن صوت البوعزيزي ما زال حاضراً، ذلك أن كثيراً ما يُعبِّر سياسيون، وبشكل علني، عن أن الحد من الفقر هو في صلب أولوياتهم. وبالمثل في مصر، فإن الفقر بات مؤشر الأداء الرئيسي لتقييم أداء السلطة.
والأهم من ذلك، فإن الفقر اليوم يُشكِّل عاملاً أساسياً في النضال الإقليمي الأوسع نطاقاً ضد التطرُّف. إذ لا يمكن فهم مكاسب الدولة الإسلامية في شرق سورية وغرب العراق خارج سياق خيبة أمل سكان محليين مع واقعهم المادي المرير. فليس من المستغرب بأن معقل "الدولة الإسلامية" القوي في سورية يقع في محافظة الرقة، تلك المحافظة الأكثر فقراً في البلاد والتي ضربها جفاف شديد في فترة ما قبل الحرب.
في العراق، اتخذت العلاقة بين الفقر والتطرُّف شكلها الوثيق عندما تحالفت القبائل السُنِّية، المحرومة مادياً، في محافظة الأنبار مع "الدولة الإسلامية"، لإبعاد سلطة بغداد المركزية في أقرب وقت، نتيجة تعرضهم للتهميش والإقصاء على مدى سنوات طويلة. وبالمثل في الأردن، فإن دعم "الدولة الإسلامية" يزدهر في المدن الريفية الفقيرة والمُهملة، مثل مدينة معان، حيث يبلغ معدل البطالة فيها نسبة تعتبر الأعلى بين المدن الأردنية وبواقع لا يقل عن 28%.
في شبه جزيرة سيناء في مصر، والقرى اليمنية النائية، لا يزال الفقر يُغذّي الراديكالية بين الجماعات الجهادية. أما مساعي الحكومات الجديدة في هذه الدول، فهي تنصب بالاستمرار في نهج التسلُّح، في حين تبقى مبادرات التنمية في اتجاه مجتمعاتها البدوية الفقيرة، مصدر قلق ثانوياً.
(خبير اقتصادي أردني)
بنظرة سريعة إلى قائمة الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي أقل من عشرة آلاف دولار للفرد الواحد، نجد خمساً من أصل عشر دول (مصر، العراق، سورية، السودان، واليمن) شهدت صراعاً داخلياً كبيراً أو حرباً أهلية خلال السنوات الثلاث الماضية.
في تونس، البلد الذي يفتخر في كونه أنجز التحوُّل الديمقراطي الأكثر نجاحاً، فإن صوت البوعزيزي ما زال حاضراً، ذلك أن كثيراً ما يُعبِّر سياسيون، وبشكل علني، عن أن الحد من الفقر هو في صلب أولوياتهم. وبالمثل في مصر، فإن الفقر بات مؤشر الأداء الرئيسي لتقييم أداء السلطة.
والأهم من ذلك، فإن الفقر اليوم يُشكِّل عاملاً أساسياً في النضال الإقليمي الأوسع نطاقاً ضد التطرُّف. إذ لا يمكن فهم مكاسب الدولة الإسلامية في شرق سورية وغرب العراق خارج سياق خيبة أمل سكان محليين مع واقعهم المادي المرير. فليس من المستغرب بأن معقل "الدولة الإسلامية" القوي في سورية يقع في محافظة الرقة، تلك المحافظة الأكثر فقراً في البلاد والتي ضربها جفاف شديد في فترة ما قبل الحرب.
في العراق، اتخذت العلاقة بين الفقر والتطرُّف شكلها الوثيق عندما تحالفت القبائل السُنِّية، المحرومة مادياً، في محافظة الأنبار مع "الدولة الإسلامية"، لإبعاد سلطة بغداد المركزية في أقرب وقت، نتيجة تعرضهم للتهميش والإقصاء على مدى سنوات طويلة. وبالمثل في الأردن، فإن دعم "الدولة الإسلامية" يزدهر في المدن الريفية الفقيرة والمُهملة، مثل مدينة معان، حيث يبلغ معدل البطالة فيها نسبة تعتبر الأعلى بين المدن الأردنية وبواقع لا يقل عن 28%.
في شبه جزيرة سيناء في مصر، والقرى اليمنية النائية، لا يزال الفقر يُغذّي الراديكالية بين الجماعات الجهادية. أما مساعي الحكومات الجديدة في هذه الدول، فهي تنصب بالاستمرار في نهج التسلُّح، في حين تبقى مبادرات التنمية في اتجاه مجتمعاتها البدوية الفقيرة، مصدر قلق ثانوياً.
(خبير اقتصادي أردني)