29 أكتوبر 2024
ناي وأنا والانتخابات
كتبتُ مقالي هذا ظهر الأحد 6 مايو/ أيار، قبل أن تعلَن نتائجُ الانتخابات النيابية اللبنانية، وكان قد هطل على جوّالي في اليومين السابقين عدد مخيف من الرسائل الهاتفية التي تدعوني إلى التصويت لفلان وعلتان من المرشّحين، وأغلبهم من منطقة المتن، في ما يبدو وكأنه طلب استغاثة أخير، في حين أني من دائرة انتخابية مختلفة، لا تتيح لي إلا التصويت فيها، وهي دائرة الشمال، في منطقة بشرّي بالتحديد.
وأنا التي سبق أن قدّمت أربعة طلبات استبدال هوية ضائعة، وذلك منذ نحو سبع سنوات وإلى الأمس القريب، ولم أتلقّ عن أيّ منها جوابا بالقبول أو بالرفض من وزارة الداخلية، أو من سرايا طرابلس، أو من مأمور النفوس، أو من المختار. كنت مدعوة إلى استخراج إخراج قيد جديد، يتيح لي أيضا طلب جواز سفر جديد، حلّا بديلا، يمنحونه لي على وجه السرعة، لكي يتيحوا لي ممارسة حقي الديمقراطي باعتباري مواطنة، والتصويت لممثّلي وممثل الشعب في المجلس النيابي المعروف بالبرلمان.
والحال أني لم أسارع إلى مركز الأمن العام لطلب جواز سفر، لأني كنت في رحلة عمل. ولأني أملك جوازا فرنسيا يغنيني، والحمد الله، عن واحد لبناني. ولأني، في مطلق الأحوال، حتى وحين كنت أطالب بالهوية، لم يكن هدفي ممارسة حقٍّ في الانتخاب، وهو في الحقيقة حقّ بقدر ما هو واجب، فأنا إجمالا لا أنتخب، ولم أنتخب، لا هنا ولا هناك، لأني، خلال إقامتي في فرنسا، لم أجد مشروعا سياسيا يعنيني بحق، إذ لم يكن السجال السياسيّ يمين – يسار، الفارغ من أي طرحٍ حقيقي، ليخاطبني، فكيف الحال في لبنان، حيث الأمور أخطر بكثير من مجرّد غياب أي مشروع سياسي حقيقي، متّصل ببناء الدولة، مع انتشار الخطب الطائفية الفارغة من طرح أي إصلاحٍ حقيقي، وغياب أي طموحٍ بإلغاء الدويلة المسلّحة، وإن كان لا بد من الاعتراف بوجود هامشٍ أكبر للاعتراض لن يؤدي، للأسف، إلى أي تغيير فعليّ.
ولكي لا أكون كاذبةً بصدد عدم مشاركتي في أي انتخابات، عليّ الإقرار بأني أدليت بصوتي مرة يتيمة فقط، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في أبريل/ نيسان 2002، حين أطاح اليميني المتطرّف جان ماري لوبان رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، ووجد في المرتبة الثانية بعد جاك شيراك، واعتُبر ذلك زلزالا دفع من كان مثلي، إلى الانتخاب إجبارا، ضد لوبين.
اليوم، وأنا في طريقي إلى بشرّي، هربا من حرّ بيروت المفاجئ، ورغبة في الغطس الحيّ في أجواء الانتخابات، أجدني في وضعٍ حرج، مع ابنتي ناي ذات السبع سنوات، والتي أبدت نفورا كبيرا من ضجيج المرشّحين يملأ شاشة التلفزيون منذ مدة، فسألتني بعد تأفّف وضجر: وما تكون هذي الانتخابات التي قرقعوا بها رؤوسَنا. وإذ شرحت لها "اللعبة" باختصار وتبسيط وإيجابية، قالت إنها قرّرت أن تنتخب سعد الحريري، فضحكتُ من أعماقي، وسألتها لمَ الحريري، فقالت هكذا ولم لا، وحسبتُ أنها رأته كثيرا في الفترة الماضية، وأنه بدا لها حتما الأوسم والأكثر شبابا، إلى أن سألتني من تُراني سأنتخب أنا، فضعت وارتبكت، ولم أدر كيف أشرح لها امتناعي عن التصويت، سوى بسؤالها إلى أي أغنيةٍ تودّ الاستماع.
إلا أن طريقنا الطويلة، المحاذية للبحر أولا، والصاعدة من ثم باتجاه الجبال، والمرصوفة بشكل غير مسبوق بصور المرشحين العملاقة، وشعاراتهم الطنّانة، جعلتْ ناي تتسلّى بقراءة الأسماء والشعارات، وبالضحك من أعماقها على بعض الملامح والوضعيات والكلمات، في ما كان علامةً واضحةً على حسن مزاجها، وفرحا فائضا لكونها ستلاقي، بعد قليل، الضيعة البعيدة التي تحبّ، بانتخاباتٍ وبلا انتخابات، وإليها تحنّ وتشتاق.
وأنا التي سبق أن قدّمت أربعة طلبات استبدال هوية ضائعة، وذلك منذ نحو سبع سنوات وإلى الأمس القريب، ولم أتلقّ عن أيّ منها جوابا بالقبول أو بالرفض من وزارة الداخلية، أو من سرايا طرابلس، أو من مأمور النفوس، أو من المختار. كنت مدعوة إلى استخراج إخراج قيد جديد، يتيح لي أيضا طلب جواز سفر جديد، حلّا بديلا، يمنحونه لي على وجه السرعة، لكي يتيحوا لي ممارسة حقي الديمقراطي باعتباري مواطنة، والتصويت لممثّلي وممثل الشعب في المجلس النيابي المعروف بالبرلمان.
والحال أني لم أسارع إلى مركز الأمن العام لطلب جواز سفر، لأني كنت في رحلة عمل. ولأني أملك جوازا فرنسيا يغنيني، والحمد الله، عن واحد لبناني. ولأني، في مطلق الأحوال، حتى وحين كنت أطالب بالهوية، لم يكن هدفي ممارسة حقٍّ في الانتخاب، وهو في الحقيقة حقّ بقدر ما هو واجب، فأنا إجمالا لا أنتخب، ولم أنتخب، لا هنا ولا هناك، لأني، خلال إقامتي في فرنسا، لم أجد مشروعا سياسيا يعنيني بحق، إذ لم يكن السجال السياسيّ يمين – يسار، الفارغ من أي طرحٍ حقيقي، ليخاطبني، فكيف الحال في لبنان، حيث الأمور أخطر بكثير من مجرّد غياب أي مشروع سياسي حقيقي، متّصل ببناء الدولة، مع انتشار الخطب الطائفية الفارغة من طرح أي إصلاحٍ حقيقي، وغياب أي طموحٍ بإلغاء الدويلة المسلّحة، وإن كان لا بد من الاعتراف بوجود هامشٍ أكبر للاعتراض لن يؤدي، للأسف، إلى أي تغيير فعليّ.
ولكي لا أكون كاذبةً بصدد عدم مشاركتي في أي انتخابات، عليّ الإقرار بأني أدليت بصوتي مرة يتيمة فقط، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في أبريل/ نيسان 2002، حين أطاح اليميني المتطرّف جان ماري لوبان رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، ووجد في المرتبة الثانية بعد جاك شيراك، واعتُبر ذلك زلزالا دفع من كان مثلي، إلى الانتخاب إجبارا، ضد لوبين.
اليوم، وأنا في طريقي إلى بشرّي، هربا من حرّ بيروت المفاجئ، ورغبة في الغطس الحيّ في أجواء الانتخابات، أجدني في وضعٍ حرج، مع ابنتي ناي ذات السبع سنوات، والتي أبدت نفورا كبيرا من ضجيج المرشّحين يملأ شاشة التلفزيون منذ مدة، فسألتني بعد تأفّف وضجر: وما تكون هذي الانتخابات التي قرقعوا بها رؤوسَنا. وإذ شرحت لها "اللعبة" باختصار وتبسيط وإيجابية، قالت إنها قرّرت أن تنتخب سعد الحريري، فضحكتُ من أعماقي، وسألتها لمَ الحريري، فقالت هكذا ولم لا، وحسبتُ أنها رأته كثيرا في الفترة الماضية، وأنه بدا لها حتما الأوسم والأكثر شبابا، إلى أن سألتني من تُراني سأنتخب أنا، فضعت وارتبكت، ولم أدر كيف أشرح لها امتناعي عن التصويت، سوى بسؤالها إلى أي أغنيةٍ تودّ الاستماع.
إلا أن طريقنا الطويلة، المحاذية للبحر أولا، والصاعدة من ثم باتجاه الجبال، والمرصوفة بشكل غير مسبوق بصور المرشحين العملاقة، وشعاراتهم الطنّانة، جعلتْ ناي تتسلّى بقراءة الأسماء والشعارات، وبالضحك من أعماقها على بعض الملامح والوضعيات والكلمات، في ما كان علامةً واضحةً على حسن مزاجها، وفرحا فائضا لكونها ستلاقي، بعد قليل، الضيعة البعيدة التي تحبّ، بانتخاباتٍ وبلا انتخابات، وإليها تحنّ وتشتاق.