لم يكن للسينما العربية حضور لافت في دورة هذا العام من "مهرجان كان السينمائي الدولي"، لولا الفيلم الجديد للمخرج المغربي نبيل عيّوش "الزين اللي فيك" الذي عُرض الثلاثاء الماضي في إطار فئة "أسبوعي المخرجين" (La quinzaine des réalisateurs) وهي مسابقة موازية تجري خارج المنافسة الرسمية.
ترك الفيلم أصداء طيبة في أوساط المتابعين والإعلاميين ونقاد السينما الذين حضروا العرض. مرة أخرى، نجح المخرج السينمائي المغربي في إثارة ضجّة قوية ليس في "كان"، بل في المغرب ولأسباب لا علاقة لها بالسينما أو النقد السينمائي. يتناول الفيلم بشكل جريء ومباشر ظاهرة الدعارة في المغرب عبر أربع شخصيات نسائية: حليمة ونورا وسكينة وحليمة اللواتي يبعن أجسادهن مقابل المال في ليل مدينة مراكش مع السياح.
أحدث الفيلم ضجة كبيرة في المغرب، بعد أن شاهد المغاربة ثلاثة مقاطع قصيرة من الفيلم في موقع "يوتيوب". قال المخرج نبيل عيوش إنها تسريبات جرت من دون علمه. ويُظهر المقطع الأول مشهداً ساخناً في إحدى الكباريهات، تقوم فيه فتيات مغربيات بأداء رقصات أمام مجموعة من الزبائن السكارى وهم حول طاولة عامرة بالمشروبات الكحولية.
وفي مقطع آخر، هناك حوار بين بطلات الفيلم يتبادلن فيه كلاماً نابياً وسوقياً بالعامية المغربية دفع بالكثير من المغاربة إلى مهاجمة الفيلم ومخرجه في الجرائد والمواقع المغربية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هكذا توزع المغاربة بين قلّة مدافعة عن الفيلم باسم حرية التعبير، وضرورة أن تتصدّى السينما المغربية لمواضيع تدخل في دائرة المحرمات، وغالبية من المهاجمين تنطلق من منظور أخلاقي محافظ وترى فيه فيلماً منحطاً يشوّه صورة المغرب والمغربيات.
المفارقة أن أحداً لم يشاهد الفيلم كي يتناوله بالدفاع أو الهجوم، خصوصاً وأن الفيلم لن ينزل إلى صالات العرض قبل ستة أشهر، هذا في حال حصل على تأشيرة تسمح بعرضه والتي تمنحها "لجنة المراقبة المغربية" المكوّنة من ممثلين عن "المركز السينمائي المغربي" ووزارة الثقافة وفاعلين سينمائيين.
بلال مرميد، واحد من أبرز المتابعين للسينما المغربية، أوضح لـ "العربي الجديد"، باعتباره أحد القلائل الذين شاهدوا الفيلم في "كان"، أن عيّوش "وُفّق في اختيار موضوع الفيلم بلا شك، لكنه أخفق فيه سينمائياً لأنه تاه في تناول الكثير من المواضيع دفعة واحدة؛ الدعارة والمثلية الجنسية والرشوة".
ويضيف "تختلط التفاصيل الكثيرة ويتسيّد الملل وتتكرر الفكرة نفسها. وننتظر طيلة الفيلم تلك اللحظة السينمائية التي تهزّ المشاهد لكنها لا تأتي أبداً. وحتى شاعرية الفضاء التي تميّز بها عيوش في بعض أفلامه السابقة، غابت بالمطلق في "الزين اللي فيك". في النهاية، نحن أمام فيلم يخلق ضجة أكبر منه، كثير من الضجيج وقليل من السينما للأسف".
يرى بعض المتابعين للسينما المغربية أن عيوش اختار عن قصد خلق ضجة أخلاقية حول الفيلم، وهو من تعمّد تسريب المقاطع القصيرة الثلاث المختارة بعناية لخلق صدمة لدى المشاهد المغربي غير المعتاد على الحوارات السوقية المبتذلة في صالات العرض والمشاهد الساخنة ذات الإيحاء الجنسي المباشر.
قد تكون نتيجة هذا الأمر أن ترفض "لجنة المراقبة الفنية" منحه تأشيرة العرض، وهو ما سيدفع بعيوش، وهو بالمناسبة من أم فرنسية وأب مغربي، إلى طلب "اللجوء السينمائي" في فرنسا، وعرض فيلمه في بضع صالات باريسية كما تعوّد على ذلك في الماضي، لاعباً دور "الضحية" الملاحَق في بلده بسبب شجاعته في تناول المحرمات الأخلاقية.