ووجد نتنياهو ضالته في التأييد الكامل وشبه المطلق، لمطالب وزارة الأمن والأجهزة العسكرية، بزيادة الميزانية العامة للوزارة بنحو 11 مليار شيكل (نحو ثلاثة مليارات دولار)، ليصبح حجمها في العام المقبل 60 مليار شيكل، وهي أكبر ميزانية في تاريخ إسرائيل.
هذه الميزانية تبدو كابوساً بالنسبة لوزير المالية، يئير لبيد، وأركان الوزارة، الذين انتقدوا طيلة فترة العدوان مصروفات الحرب، وأعلنوا مراراً أن مطالب وزارة الأمن والأذرع العسكرية، بزيادة الميزانية بنحو 11 مليارا، فضلاً عن تغطية مصروفات وتكاليف الحرب، التي قدرت بعد العدوان بتسعة مليارات شيكل.
وبدا نتنياهو كمن يسجّل النقاط على حساب وزير المالية، يئير لبيد، الذي أعلن مراراً أنه لن يقبل بفرض ضرائب جديدة، ولن يتنازل عن مشروع قانون يعفي الجنود المسرّحين ويمنحهم تخفيضاً بنسبة 18 في المائة، من ثمن أول شقة يشتريها الأزواج الشابة.
ورغم أن اللقاء، الذي جمع بين نتنياهو ولبيد، لم يتمخض عن اتفاق الطرفين على حجم الميزانية المقبلة لوزارة المالية، ولا على حجم العجز المالي المقترح للعام المقبل، لكن ذلك لم يمنع رئيس الوزراء إعلان وجوب زيادة الميزانية المخصصة للأمن بمليارات كثيرة، وإدارة ميزانية مسؤولة، تحافظ على أدنى حد ممكن من العجز المالي، ومنع الانجراف نحو عجز مالي كبير يعود بالضرر على الاقتصاد الإسرائيلي.
ويستند نتنياهو على موقف محافظة بنك إسرائيل كارنيت فلوغ التي تشاركه الدعوة إلى فرض ضرائب جديدة، لتفادي عجز كبير في ميزانية الدولة. والضغط على وزير المالية لإرغامه على وقف سيل التهديدات بأزمة ائتلافية وإسقاط الحكومة، وخصوصاً أن لبيد أعلن أن حزبه لا يريد ولا يسعى إلى انتخابات جديدة.
يتمحور الخلاف الحالي، بحسب الصحف الإسرائيلية، بين نتنياهو ووزارتي المالية والأمن، حول مطالبة الأخيرة، بزيادة ميزانيتها العام المقبل بـ11 ملياراً، بينما تقترح وزارة المالية زيادتها بـ2.5 مليار فقط.
لكن نتنياهو لوّح مجدداً بالأخطار التي تهدد إسرائيل وتستدعي زيادة ميزانية الأمن بمليارات كثيرة، حتى تتمكن إسرائيل من أن تبقى قادرة على مواجهة هذه الأخطار، التي تحيط بها من الشرق والشمال والجنوب، محدداً إيران خطراً أول في مجال السايبر.
ورأى مراقبون أنه في الوقت الذي يتمتع فيه نتنياهو بدعم من وزير الأمن، موشيه ياعلون، ومن محافظة بنك إسرائيل، فإن وزير المالية بات في واقع الحال معزولاً، وخصوصاً أن مسؤولين كبار في وزارته غير مقتنعين بسياسته وموقفه، ويصرون على أن الأوضاع الاقتصادية، والعدوان على غزة، تلزمان تغييراً في السياسة الاقتصادية، ومنع الانجراف نحو عجز مالي بنحو 3.5 في المائة بحسب ما يريد لبيد، في مقابل ثلاثة في المائة كسقف أعلى للعجز المالي العام للدولة، وفق ما تقترحه محافظة بنك إسرائيل.
ويبحث وزير المالية في معارضته "فرض ضرائب جديدة، ومعارضة زيادة ميزانية الأمن"، عن مبررات يقدمها للناخب الإسرائيلي، وخصوصاً أن الميزانية العامة للعام الحالي، تضمنت ضرائب أثقلت كاهل الطبقة الوسطى في إسرائيل التي حاول لبيد خلال الانتخابات في يناير/كانون الثاني 2013 حمل لوائها مستفيداً من حركة الاحتجاج الشعبية في إسرائيل، التي سبقت الانتخابات بأشهر وكان عمادها المطالبة بتحسين ظروف الطبقة الوسطى وحل أزمة الإسكان.
عدم سعي لبيد افتعال أزمة في الائتلاف الحكومي، بحسب ما أعلن أول أمس الأحد، يشكل تراجعاً عن موقفه العام، وتراجعاً لمكانته. لم يعد بمقدوره، بعد الآن، الاعتماد على "حلف الأخوة" مع زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، خصوصاً بعد قرار مصادرة أربعة آلاف دونم لغرض الاستيطان، وهو ما دفع بعضو الكنيست، موطيه يوجيف، من "البيت اليهودي"، للتأكيد أن سياسة نتنياهو وموقفه في مسألة ميزانية الأمن هو الصحيح، وأن الأخير يدير دفة الأمور "بحكمة"، في إشارة إلى عدم تأييد مواقف لبيد، بل السعي إلى إضعافه، لمصلحة تعزيز مكانة "البيت اليهودي" داخل الائتلاف الحكومي.