نتنياهو يفتعل أزمة مع أوباما أملاً بدعم الجمهوريين له

30 أكتوبر 2014
نفور متبادل بين نتنياهو وأوباما (وين ماكنمي/Getty)
+ الخط -

يُشكّل التصعيد الأخير من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضد الإدارة الأميركية، واتهامها بالكيل بمكيالين في كل ما يتعلق بموقفها المعارض للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلّة، وما تبعه من هجوم أميركي على شخص نتنياهو، حلقة أخرى تضاف إلى الحلقات أو الجولات السابقة التي خاضها نتنياهو ضد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ويأتي ذلك في سياق سعيه الدائم منذ الانتخابات الأخيرة إلى تعزيز مكانته الداخلية في إسرائيل، باعتباره الزعيم الوحيد الذي يقول للأميركيين لا من جهة، والإمعان في الوقت نفسه في إضعاف وضرب هيبة إدارة أوباما خدمة لأصدقائه الجمهوريين من جهةٍ ثانية.

وفي السياق، لم تكن صدفة أنه مقابل الهجوم الشخصي الذي تعرّض له نتنياهو الثلاثاء على لسان مسؤولين في الإدارة الأميركية عبر صفحات مجلة "أتلانتيك"، أن تُلاحظ المراسلة السياسية للإذاعة العسكرية الإسرائيلية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى عمليّاً إلى هذه المواجهة، وهذا التحدي بهذه القوة مع بدء الدورة الشتوية للكنيست من جهة، وبالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية لمجلس النواب من جهة ثانية، لتحقيق مكاسب سريعة، وأخرى طويلة الأمد، على الصعيدين الداخلي في إسرائيل، وفي الولايات المتحدة. وهو ما يهيء له لاحقاً دعماً أميركيّاً ضد إدارة أوباما بعد الانتخابات الأميركية.

ووفقاً لهذا التوجّه، فإن نتنياهو الذي خرج يجرّ ذيول الهزيمة من الحرب على غزة، يحاول تعويض هذه الهزيمة، باتخاذ موقف أكثر تطرفاً على صعيد التسوية مع الفلسطينيين، لإعادة بناء صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي والقضاء على أي أمل لنهوض معارضة قوية له تهدد مستقبله السياسي، وتضمن له الهدوء والاستقرار في ائتلافه الحالي لعام إضافي على الأقل. وهذا ما يفسّر الصفقة التي أبرمها الأسبوع الماضي مع زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينيت، في شأن إطلاق بناء 1060 وحدة سكنية في مستوطنتي رمات شلومو شمالي القدس وجبل أبو غنيم(هار حوما) جنوبي القدس، ليبقى راعي الاستيطان الأكبر، والمُروّج له بالبلاغة السياسية التي يجيدها، وهو ما تمثّل أخيراً بقوله: "إن الفرنسيين يبنون في باريس، والإنجليز يبنون في لندن، والإسرائيليين يبنون في القدس".

أما على الصعيد الأميركي، فإن نتنياهو الذي لا يخفي، لا هو ولا أوباما النفور المتبادل بينهما، ولا سيما بعد دعم نتنياهو مرشح الجمهوريين للرئاسة، ميت رومني، عام 2012، يواصل تدخله في السياسة الأميركية الداخلية لتعزيز قوة الجمهوريين، وإيجاد طرف أميركي قادر على الضغط على إدارة أوباما وردعها بالاستعانة بالرأي العام الأميركي، عن اتخاذ خطوات فعلية ضد سياسات إسرائيل. بما في ذلك احتمال رفع إدارة أوباما بعد الانتخابات المذكورة حمايتها السياسية والدبلوماسية لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي وفي الأمم المتحدة. وهو احتمال ضعيف لكنه قائم مع ذلك.

نتنياهو الذي يتحدث باستمرار عن القيم الأميركية والإسرائيلية، يرى أن ما يشترك فيه هو، كيمين محافظ، مع الجمهوريين، أكبر بكثير من القيم التي يحملها أوباما كممثل للحزب الديمقراطي. بل إن بعض هذه القيم الأساسية، وفي مقدمها التوجه الليبرالي تجاه الأقليات داخل الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولات أوباما تطبيق إصلاحات التأمين الصحي على سبيل المثال لا الحصر، والتي شكلت ولا تزال أساساً لدعم غالبية اليهود الأميركيين للحزب الديمقراطي، تشكّل بالنسبة لنتنياهو مصدر قلق، انطلاقاً من أفكاره المحافظة في السياسة والدين والمجتمع التي تقترب من طروحات جماعات "حفلة الشاي" في واشنطن.

وعليه فإن نتنياهو يسعى من خلال تأجيج الخلاف العلني مع أوباما، إلى وضع إدارة الأخير في حالة دفاع عن النفس، فيما يواصل هو توجيه الضربات إلى هذه الإدارة، مسجلاً في كل مرة نقاطاً لمصلحته في أوساط الجمهور الإسرائيلي وناخبي اليمين المتطرف.

وفي السياق ذاته، لم تكن صدفة أن من سارع إلى الدفاع عن نتنياهو، في وجه الإهانات والاتهامات الأميركية التي نشرتها مجلة "أتلانتيك" الأميركية، هو وزير الاقتصاد الإسرائيلي، وزعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، والذي اعتبر أن التصريحات المنسوبة لمسؤولي الإدارة الأميركية، تعني في واقع الحال "رمي إسرائيل تحت عجلات الباص". ودعا الإدارة الأميركية إلى تكذيب صحة الاتهامات الموجّهة لنتنياهو، وفي مقدمها، وفق التقرير المذكور، أن نتنياهو جبان ويفتقر إلى الشجاعة، وكل ما يسعى إليه هو البقاء في الحكم من دون أية نية حقيقية للوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين.

المساهمون