وبيّنت الشروط الجديدة التي عاد بها الوفد الإسرائيلي، الأحد، إلى القاهرة، وفق إيقاع ليبرمان، وزعيم حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، مدى ضعف كل من نتنياهو، ووزير أمنه موشيه يعالون، في السيطرة على "الكابينيت"، وفرض موقفهما التفاوضي عليه، في ظلّ تعرّضهما لسهام الانتقادات والمزايدات عليهما بسوء إدارة "المعركة".
وهي مزايدات التقى فيها اليسار الإسرائيلي، بدءاً بحزب "ميرتس"، مروراً بـ "العمل"، وصولاً لأقصى اليمين، ممثلاً ببينت نفسه، فضلاً عن انتقادات ومزايدات صدرت من داخل "الليكود"، حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عبر الوزيرين جدعون ساعر وجلعاد أردان، اللذين باتا يعتبران أنفسهما مرشحان لخلافة "بيبي".
كما يمثل تراجع نتنياهو أمام ضغوط ليبرمان بعد كشف الورقة المصرية، دليلاً على مدى الضعف والوحدة التي يعانيها رئيس الحكومة، لكنه يُمثل في الوقت ذاته، إقراراً من الجيش، بأن أدائه في العدوان لم يوفر لإسرائيل الموقف التفاوضي الذي كانت تريده.
ولا يخضع نتنياهو لضغوط من داخل الائتلاف وحزبه فحسب، بل إلى ضغط شعبي يتمثل برفض سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، العودة إلى بيوتهم، خصوصاً بعد انهيار الهدنة، أمس الثلاثاء.
ورافق الفشل العسكري الإسرائيلي، رغم فداحة الدمار الذي خلفه العدوان، ورغم الثمن الباهظ من الشهداء، فشل دبلوماسي وسياسي إقليمي ودولي. إذ حاولت إسرائيل وحكومة نتنياهو في الأيام الأخيرة، دق الأسافين بين السلطة الفلسطينية (التي أبدت في الأيام الأخيرة تراجعاً عن المواقف الموحدة للمقاومة، وألمحت إلى حتمية القبول بالمبادرة المصرية، إلى أن جاءت الصفعة الإسرائيلية للمبادرة، أمس الأول) وبين المقاومة.
واعتقلت تل أبيب أكثر من تسعين عنصراً من حماس، في الضفة الغربية، بدعوى السعي إلى الانقلاب على السلطة الفلسطينية.
ما يعني أن إسرائيل التي "أفشلت مؤامرة حماس"، هي التي حمت سلطة الرئيس، محمود عباس، وهي تتوقع منه أن يرد لها الجميل، سواء كان ذلك عبر العودة عن الموقف الموحد وراء مطالب المقاومة، أو عبر ممارسة الضغوط على "حماس"، والتهديد بتحميلها مسؤولية الفشل في القاهرة.
وفي السياق، حاولت إسرائيل الربط بين "تنظيم المؤامرة" في الضفة الغربية، وبين تركيا، للإيقاع بين الأخيرة والسلطة الفلسطينية، بحجة قيام تركيا بتمويل محاولات للانقلاب عليها، وهو ما سارعت أنقرة إلى نفيه محذرة من الألاعيب الإسرائيلية.
وزادت إسرائيل على ذلك محاولات جهات أمنية، تحميل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل، مسؤولية خرق التهدئة، عبر خلية من خارج الجناح العسكري لـ"حماس"، وتحوّلت هذه الكذبة إلى محاولة التعرّض لدولة قطر، عبر ادعاء الصحف العبرية نقلاً عن "مصدر رفيع المستوى" في الوفد الفلسطيني، أن "دولة قطر هددت مشعل، بطرده من أراضيها في حال وافق على الورقة المصرية".
لكن أهم ما ستحمله الأيام المقبلة، سيكون تصعيداً عسكرياً وحشياً من قبل الاحتلال لكسر المقاومة وسكان القطاع، مع العودة إلى سياسة الاغتيالات والتصفيات الجسدية، مع أن محاولتها الأخيرة أمس باغتيال قائد كتائب "القسام"، محمد الضيف، انقلبت وبالاً عليها، إذ سارعت المواقع العبرية إلى كشف الدور الإسرائيلي، وإلى القول بإن إسرائيل التي أرادت تصفية الضيف، زادت من كونه أسطورة في الشارع الفلسطيني كله، وليس فقط في قطاع غزة.
إلى ذلك، تحاول إسرائيل من خلال التصعيد الحالي العودة إلى "المربع الأول"، والانطلاق مجدداً لتحقيق أهداف جديدة، تحسّن وضعها التفاوضي وترمي إلى إخضاع "حماس"، وهي خطوات موجهة ليس فقط للحلبة الخارجية، وإنما أيضا لاستعادة "زمام المبادرة" والخروج من خانة الانجرار وراء أداء المقاومة، وفق الانتقادات والتحليلات، التي كرّسها المحللون العسكريون في إسرائيل منذ بدء العدوان.
وتعني العودة إلى سياسة التصفيات أيضاً كسر كل "قواعد اللعبة" تحت شعار "جن صاحب البيت"، ومحاولة لإرهاب قادة المقاومة بمن فيهم في المستوى السياسي، وفق اقتراحات أعضاء في مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر "الكابينيت"، وعلى رأسهم وزير الاقتصاد نفتالي بينت، فيما تروج وزيرة العدل تسيبي ليفني، لسياسة التصفيات الجديدة، وإلى عدم التفاوض مع "حماس" وإعادة الاعتبار لسلطة عباس، وتسليمها، عبر مساعٍ دولية، إدارة شؤون القطاع.
وعلى الصعيد الداخلي، فإن انهيار التهدئة من شأنه أن يدفع بنتنياهو، إلى تبني المواقف الأكثر تطرفاً في حكومته، لضمان بقائه في الحكم وأن يسرع، في المقابل، التحركات الداخلية في الليكود أولاً، وفي الائتلاف للتخلص منه، بعد وصمه بالفشل، وعدم المحافظة على المصالح الإسرائيلية الأمنية، وفي مقدمتها فشله في إعادة الهدوء للمستوطنات.