انتهت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام من دون حدوث أي اختراق، يمكن أن يدفع باتجاه تحقيق حل سياسي في سورية، إذ لا يزال النظام يصر على رفض تنفيذ قرارات دولية، تدعو لانتقال سياسي تتمسك به المعارضة، وتعتبره مدخلاً حقيقياً للوصول إلى تسوية تنهي مأساة السوريين المستمرة منذ سنوات. وفي اليوم الأخير من "جنيف 8" عقد المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، جلستين مع الوفدين، فيما أكد المتحدث باسم المعارضة، يحيى العريضي، أن الجلسة مع دي ميستورا ركزت على السلة الأولى التفاوضية، وهي الانتقال السياسي.
وأكدت مصادر مطلعة مواكبة للمفاوضات أن الجولة الثامنة "فشلت فشلاً ذريعاً ينذر بتأزم القضية السورية، وانتقالها إلى مستويات ربما تهدد مستقبل البلاد"، مشيرة إلى أن النظام "لا يريد تفاوضاً بل استسلام المعارضة من خلال التوقيع على اتفاق يبقي (بشار) الأسد في السلطة". وأكدت المصادر أن وفد النظام "أغلق كل باب أمام الأمم المتحدة"، مضيفة أن النظام ماضٍ بالخيار العسكري، معتمداً على الروس والإيرانيين. واعتبر أحد أعضاء وفد المعارضة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشرعية الدولية عاجزة عن تنفيذ قراراتها"، وذلك بعد أن رفع النظام سقف تحديه للمجتمع الدولي، ممعناً في عدم الاكتراث لقرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي، أبرزها القرار 2254، وتدعو إلى حل سياسي للقضية السورية.
وأعلن رئيس وفد النظام إلى جنيف، بشار الجعفري، أنه لن يكون هناك حوار مباشر مع المعارضة طالما تصر على تنحي الأسد. وانتقد المعارضة السورية بسبب بيان "الرياض 2"، مكرراً القول إن سحبه شرط مسبق للمحادثات. وانتقد المبعوث الأممي بسبب تصريحاته بشأن روسيا، قائلا إن تلك المواقف تخرج تفويضه كوسيط بالمحادثات عن مساره، ما سيؤثر على عملية جنيف.
من جهتها، وصفت وسائل إعلام تابعة إلى النظام السوري الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بأنها "من أفشل الجولات في المسار المتعثر"، محملة دي ميستورا ووفد المعارضة مسؤولية هذا الفشل. ونقلت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، عن مصدر قوله إن "دي ميستورا يُشعر الجميع في جنيف أنه في حالة تنافس مع مؤتمر سوتشي، ويريد انتزاع أي تقدم وبأي ثمن، وهذا خطأ فادح يرتكبه المبعوث الأممي لكونه يعلم أن سوتشي هدفه تسهيل مهمته في جنيف وليس نسفها". وزعمت الصحيفة "أن دولاً غربية داعمة لوفد المعارضة أكدت لدي ميستورا ضرورة نسف مؤتمر سوتشي، لأنه في حال وصلنا إليه، فلن يكون هناك أي مستقبل لمعارضة الرياض، التي سرعان ما سيتم استبدالها بمعارضة أكثر واقعية". وكررت "الوطن" أن سبب تعثر هذه الجولة هو "بيان الرياض 2" الذي "يتضمن، وبشكل واضح، شروطاً مسبقة غير مقبولة وغير منصوص عليها في القرار الدولي 2254". وكان من اللافت احتفاء الصحيفة، التي تعد لسان حال النظام، بتصريحات تلفزيونية للسفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، قال فيها إن "الأسد مستمر في السلطة لزمن طويل، وأن من المستحيل على المعارضة أن تجبره على الرحيل، وليس لديها أي خيارات أخرى بسبب الهزيمة العسكرية الكبيرة التي تلقتها على الأرض".
وكان دي ميستورا قد حذر، مساء الأربعاء، من تفكك البلاد "إذا لم يتم التوصل إلى السلام سريعاً"، موجهاً نقداً لاذعاً لوفد النظام السوري، قائلاً إنه يجب دفعه لقبول إعداد دستور جديد وانتخابات جديدة، معرباً عن أسفه لعدم استعداد الوفد لمحادثات مباشرة مع المعارضة السورية. وقال المبعوث الأممي، لقناة "آر تي إس" التلفزيونية السويسرية، إن وفد المعارضة السورية مستعد لمحادثات مباشرة مع وفد النظام، لكن الأخير يقول إنه غير مستعد لذلك وهذا "مؤسف"، مطالباً الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالضغط على النظام من أجل التوصل لاتفاق سلام. وأوضح دي ميستورا أن مفاوضات السلام يجب أن تكون من خلال الأمم المتحدة في جنيف وفق تفويض مجلس الأمن، و"إلا فهي لا تستحق العناء... هذه حرب معقدة. لا يمكن (المفاوضات) أن تكون إلا في جنيف من خلال الأمم المتحدة". لكن وسائل إعلام روسية نقلت عن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، تحميله المعارضة السورية فشل مفاوضات جنيف لأنها "ما زالت تحدد مهمتها الأولية برحيل الرئيس السوري المنتخب بشار الأسد، على حساب التسوية السياسية المتكاملة". وزعم أن بلاده تؤيد عملية التفاوض في جنيف، مشيراً إلى أنها "تعمل بنشاط" مع النظام، والمعارضة على حد سواء "لوضع حوار بناء"، وفق تعبيره.
ومنذ بداية الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، بداية ديسمبر/كانون الأول الحالي، كان واضحاً أن النظام يسعى لإفشالها، متخذاً من بيان "الرياض 2" للمعارضة السورية، وأسئلة المبعوث الأممي الـ12 للوفدين لتحديد مبادئ حول مستقبل البلاد، ذرائع لذلك. وقد غادر وفد النظام جنيف، منسحباً من المفاوضات، مشترطاً سحب البيان المذكور، لأن المعارضة أشارت فيه إلى أنه يجب ألا يكون بشار الأسد جزءاً من الحل المرتقب. وعاد وفد النظام إلى المرحلة الثانية من الجولة، تحت ضغط روسي، لكنه رفض التفاوض حول سلال الحكم والانتخابات والدستور التي كان وافق عليها في جولة سابقة، بل رفض حتى مناقشة الانتخابات النيابية، مطالباً بالتفاوض حول سلة الإرهاب فقط، مؤكداً أن السلال الثلاث الأخرى ليست من اختصاص المعارضة، وهو ما ينسف القرارات الدولية، التي تنظم العملية التفاوضية وجوهرها، وهو الانتقال السياسي، ويعيد المفاوضات إلى المربع الأول الذي بدأت منه في بدايات العام 2014.
وكان من الواضح أن موسكو لم تبذل أي جهد باتجاه دفع النظام للتفاوض، في مسعى لإرساء حل يناسبها في مؤتمر سوتشي مطالع العام المقبل. ولن تحقق المفاوضات أي نجاح طالما بقي النظام يرفض التفاوض على انتقال سياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم مشتركة تدير مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد. ومارست جهات إقليمية ودولية ضغوطاً كبيرة على المعارضة للتخلي عن شرط رحيل بشار الأسد عن السلطة، لكنها لا تزال ترفض رغم تراجع التأييد الإقليمي والدولي لها. وتدرك المعارضة السورية أن أي اتفاق لا توقع عليه في مسار جنيف لا قيمة له سياسياً وميدانياً، إذ يرفض الشارع السوري المعارض التخلي عن شرط رحيل الأسد عن السلطة، ويعتبر اشتراط الرحيل من دون محاكمة "ذروة الواقعية السياسية"، وفق دبلوماسي سوري معارض، بعد مقتل نحو مليون سوري وتهجير الملايين، وتدمير البلاد على يد قوات الأسد ومليشيات إيران والطيران الروسي. ومن المتوقع أن يحاول النظام قضم ما بقي من مناطق تحت سيطرة المعارضة، خصوصاً في الغوطة الشرقية لدمشق من خلال الحصار الذي يفتك بالمدنيين، وفي محافظة إدلب حيث يبدو أن النظام يتحضر لعملية عسكرية. ويأمل النظام أن يفرض سيطرة شبه كاملة على البلاد قبل موعد "جنيف 9"، بحيث يصبح بإمكانه فرض الحل الذي يريد.