في قرية بيتا الريفية جنوب مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، لا تلتفت النساء هناك إلى عبارات القيل والقال، ولا يأبهن بكل نظرات المجتمع السلبية. فهنّ يعملن في مهن صعبة ومنها تربية النحل والدواجن. لكنّ كلّ همهن يتلخص في صنع مستقبل عائلاتهن بأيديهن، وبناء مشاريع استثمارية تدرّ دخلاً على العائلة، في وقت يعاني فيه الكثير من رجال القرية من البطالة.
يحاول البعض السخرية من النساء العاملات في مهن صعبة في قرية بيتا، فيطلقون على من يعملن في تربية النحل اسم "رائدات الفضاء" بسبب ملابس المهنة الشبيهة بملابس رواد الفضاء. لكنّ تلك السخرية تزيد النساء إصراراً على تحقيق الهدف، فبتن كالنحل في الاجتهاد في العمل، وتأمين مصدر دخل أساسي ودائم. وسرعان ما تبدلت النظرة، وباتت المرأة محل إشادة بما حققته من إنجازات.
في قرية بيتا مشاريع زراعية متنوعة تحتل مساحات واسعة من القرية كلها صنعت بأيدٍ نسائية. ولا تعمل النساء بشكل فردي، إنما يشاركن في مشاريع جماعية لتربية النحل والدواجن، وإنشاء حقول زراعية. ويتم تقاسم الأرباح بناء على الجهد المبذول وعدد المشاركات في المشروع الواحد. وتشرف جمعية نساء بيتا التنموية على تنفيذ العديد من المشاريع النسائية في مجالات شتى. وهي مشاريع تهدف بشكل أساسي إلى توفير دخل مادي للنساء في بيتا والقرى المحيطة، في ظل واقع اقتصادي صعب يعيشه الشعب الفلسطيني. وتقول رئيسة الجمعية بسيمة دويكات إنّ "الجمعية جعلت هدفها الأساسي إعانة نساء بيتا والقرى المجاورة، وأن تكون هذه الإعانة من خلال مشاريع استثمارية تدرّ دخلاً دائماً وليست مساعدة اجتماعية مادة أو عينية تقدم لمرة واحدة".
وتنوّه دويكات بأنّ تركيز الجمعية لا ينصبّ فقط على تشغيل النساء، وإنما أيضاً الحفاظ على البيئة وتقديم منتجات طبيعية للمجتمع الفلسطيني. وتشير إلى أنّ المشاركات في المشاريع يعملن على انتاج مواد غذائية طبيعية بالكامل، من دون أي منتجات كيميائية. وتضيف: "العسل لدينا طبيعي، وبيض الدواجن كذلك، والظروف التي تتم فيها تربية النحل والدواجن كلها طبيعية".
وتوضح أنّ اختيار المشاركات في المشاريع يخضع لعدة اعتبارات، منها أن تتكون العائلة من ستة أفراد على الأقل، وأن يكون رب الأسرة عاطلاً من العمل. كما أنّ الأولوية هي للعائلات التي تضمّ بين أفرادها أشخاصاً معوّقين، أو طلاباً جامعيين.
من جهتها، تبدي إحدى السيدات المشاركات في هذه المشاريع فرحة غامرة، وهي تعرض منتجاتها من العسل والبيض. وتؤكد أنّها تنسى كل تعبها بمجرد مشاهدة ثمار عملها. وتقول: "عندما أشاهد دجاجة تضع بيضة أشعر بأنني بدأت أنجز. وأزداد إصراراً على مواصلة دربي في هذه المهنة رغم صعوبتها". وتوضح أنّ العمل الجماعي بين النساء يساعد على إنجاح المشاريع بشكل أكبر. فالمشاريع تشهد اتحاداً بين عدد كبير من النساء. ومنها، على سبيل المثال، إنشاء مزرعة تشترك فيها 30 امرأة بتمويل جمعية نساء بيتا. ويكون لكل امرأة دورها في العمل. وتضيف: "نشعر بالفرح لرؤية البيض يباع بسرعة لأنّ جودته عالية، والكلّ يعلم أنّ الأغذية التي يتناولها الدجاج طبيعية".
وتوضح سيدة أخرى أنّ انتقادات المجتمع في البداية تحولت لاحقاً إلى عنصر مؤازرة، "فالرجل الذي كان ينتقد زوجته لعملها في هذه المشاريع، بات يساندها. وفي كثير من الأحيان يساعدها في العمل". كما تشير إلى أنّ الرجال باتوا يغارون، أحياناً، كونهم عاطلين من العمل، بينما تعمل النساء وينتجن ويتحملن مسؤولية إعالة أسرهن. وتأمل جمعية نساء بيتا أن تتمكن من إقامة المزيد من المشاريع مستقبلاً، وإشراك المزيد من النساء الفلسطينيات فيها.