في المغرب، تعاني المؤسسات التعليمية في تدريس النحو اليوم. وقد ساهمت عوامل عدّة في هذا الانحدار، بعدما كان طليعياً في تدريس النحو. ويعيد خبراء تراجع العناية باللغة العربية، إلى بدايات التدخل الاستعماري أواسط القرن التاسع عشر.
ظلّ التعليم القديم في المغرب حامياً للغة العربية ونحوها وبلاغتها لسنين طويلة، ولم يتأثّر تدريس اللغة فيه بالانفتاح على العالم وعلى العلوم الحديثة. فقد بقي قوياً تدريس القرآن وكذلك علوم التفسير والفقه والنحو. وكان التعليم القديم يقوم على القراءة المنتظمة للغة العربية، وكلّما تقدّم التلميذ في سنّ الدراسة تأهّل إلى مستوى كتب ومصادر أشمل معرفة وأكثر تعقيداً.
لكنّ المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات راحت تفتقر إلى سبل تعليم النحو، حتى عانت هذه المادة من "خذلان المسؤولين عن التعليم في المغرب" بحسب ما يقول أستاذ النحو واللغة العربية في جامعة الملك السعدي، عبد الرحمن بودرع. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "التكلم عن اللغة العربية الأصيلة يحوّل الخطاب مباشرة إلى نقطة الانفتاح والتجديد واللسانيات والعلوم الإنسانية الحديثة، وفي هذا يظلّ النحو مبسطاً ومربوطاً بالواقع والنصوص الحديثة". يضيف أنّ "الأمر أصبح هاجساً لدى الجميع، وقد طغت العلوم الحديثة وأثّرت في نحو اللغة العربية ومنهاجها وشغلت التلاميذ والطلاب بدراستها. لكنّ حصيلة هذه العلوم ضعيفة، لأنّ لا تطبيقات لها، فيما يتأثر النحو بهذه المشكلات، ولا سيما قدرات المدرّسين الضعيفة".
من هنا، فإنّ النحو في وضع "غير مريح"، بالتالي لا بدّ من الانطلاق بحسب بودرع "في تعليم اللغة العربية على أنّها لغة غنية جداً لم يصبها الفشل ولا الإعياء مدة طويلة، ولها رصيد عظيم من الآداب والمعاجم والشعر الذي يعزز وجودها". يضيف أنّ "النحو من علوم الآلة وهي العروض والصرف والبلاغة، ويظلّ تقنيّة تحمي النص"، مشدداً على أنّ "من لم يتمكن منه لن تكون له مهارة في تذوّق النص ولن يتمكّن من تكوين علاقة بين الأنماط داخل النص. لكن، إن تمكّن الطالب من النحو فإنه سوف يستشعر حلاوة النص ومذاقه".
إلى ذلك، يتحدّث بودرع عن "حواجز نفسيّة" تطفو على السطح، بين التلميذ أو الطالب وتعلمه النحو، "لذا نكثر من النصوص وننصح بالإعراب وتبنّي المصادر السهلة. فالنحو يبقى أداة لتذوّق النص واستخراج نتائج مضبوطة ودقيقة، ومن دونه تبقى الآراء مجرّد خواطر ذاتية غير علمية". ويتابع: "ينبغي تحديد النحو بتجديد النظر إليه وربطه بالواقع النصي وليس النظر إليه بقوالب جامدة وفارغة حتى تنكسر الحواجز النفسية".
اقــرأ أيضاً
تجدر الإشارة إلى أنّ مقرّر النحو في عموم المدارس المغربية يخضع إلى منهاج واحد مُبسّط ومرتبط بأمثلة حيّة، لكنّ التدريس يرتبط بتصورات المدرّس أو الأستاذ وطريقة تدريسه للمادة. ويبقى مبتوراً لأنّ التلميذ يدرسه سنة دون أخرى، فيفقد بوصلة النحو. أمّا في الجامعات وفي مراحل التعليم العالي، فإنّ النحو لا يخضع إلى منهج موحّد ومتداول ومشترك، إنّما هو رهن التنوّع والاختلاف بين المناهج القديمة والحديثة.
من جهته، يقول أستاذ التعليم العالي محمد الإدريسي إنّ "العلّة تكمن في تهويل أمر هذا العلم والتركيز على مكمن الخلافات وتعدّد المدارس النحوية ومردّها اختلاف اللهجات العربية". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه لا يرى في الانفتاح على لغات أو ثقافات أخرى "تأثيراً سلبياً على تعلّم النحو". ويحصر الإدريسي المشاكل التي تعترض سبيل تلقين النحو "تلقينا شافياً" في "إيفاء هذا المكوِّن حقه الزمني والمنهجي، بمعنى أن يُخصّص له الغلاف الزمني الكافي عبر ترسيخ أكبر عدد من القواعد النحوية في أذهان التلاميذ والطلاب. وذلك من خلال اعتماد آلية الاستنباط، شريطة أن يكون هؤلاء المستهدفون متحصلين على رصيد لغوي كاف يؤهلهم للتفاعل مع المضامين المطروحة. وهو أمر مرهون بتعريب الدارجة المغربية التي أصبحت في أيامنا تزخر بكمّ مهول من الألفاظ والتراكيب الأجنبية".
ويقترح الإدريسي للنهوض بتدريس النحو بفعالية في المغرب، "الحرص على إطلاع الأطفال وتحفيظهم، خلال السنوات العشر الأولى من دراستهم، قسطاً وافراً ممّا يعرف في أصول النحو العربي بمصادر السماع، أي القرآن والسنّة والشعر القديم وأقوال الفصحاء". ويؤكد أنّ نظام التعليم القديم هو "آخر المعاقل التي ما فتئت علوم العربية تتحصّن بها. فهو ما زال يولي علوم الآلة عموماً والنحو خصوصاً، عناية فائقة نظراً لما تضطلع به هذه العلوم من مهام في تفصيل الشؤون الشرعية وتحديدها، وفي تبيان التوجهات العقدية وترشيدها. وهو أمر تستحق عليه بالغ التقدير، غير أنّ ما قد يعاب عليها هو تشددها إزاء إعمال العقل في النصوص الدينية من منظور الاجتهادات والتأويلات اللغوية".
اقــرأ أيضاً
ظلّ التعليم القديم في المغرب حامياً للغة العربية ونحوها وبلاغتها لسنين طويلة، ولم يتأثّر تدريس اللغة فيه بالانفتاح على العالم وعلى العلوم الحديثة. فقد بقي قوياً تدريس القرآن وكذلك علوم التفسير والفقه والنحو. وكان التعليم القديم يقوم على القراءة المنتظمة للغة العربية، وكلّما تقدّم التلميذ في سنّ الدراسة تأهّل إلى مستوى كتب ومصادر أشمل معرفة وأكثر تعقيداً.
لكنّ المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات راحت تفتقر إلى سبل تعليم النحو، حتى عانت هذه المادة من "خذلان المسؤولين عن التعليم في المغرب" بحسب ما يقول أستاذ النحو واللغة العربية في جامعة الملك السعدي، عبد الرحمن بودرع. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "التكلم عن اللغة العربية الأصيلة يحوّل الخطاب مباشرة إلى نقطة الانفتاح والتجديد واللسانيات والعلوم الإنسانية الحديثة، وفي هذا يظلّ النحو مبسطاً ومربوطاً بالواقع والنصوص الحديثة". يضيف أنّ "الأمر أصبح هاجساً لدى الجميع، وقد طغت العلوم الحديثة وأثّرت في نحو اللغة العربية ومنهاجها وشغلت التلاميذ والطلاب بدراستها. لكنّ حصيلة هذه العلوم ضعيفة، لأنّ لا تطبيقات لها، فيما يتأثر النحو بهذه المشكلات، ولا سيما قدرات المدرّسين الضعيفة".
من هنا، فإنّ النحو في وضع "غير مريح"، بالتالي لا بدّ من الانطلاق بحسب بودرع "في تعليم اللغة العربية على أنّها لغة غنية جداً لم يصبها الفشل ولا الإعياء مدة طويلة، ولها رصيد عظيم من الآداب والمعاجم والشعر الذي يعزز وجودها". يضيف أنّ "النحو من علوم الآلة وهي العروض والصرف والبلاغة، ويظلّ تقنيّة تحمي النص"، مشدداً على أنّ "من لم يتمكن منه لن تكون له مهارة في تذوّق النص ولن يتمكّن من تكوين علاقة بين الأنماط داخل النص. لكن، إن تمكّن الطالب من النحو فإنه سوف يستشعر حلاوة النص ومذاقه".
إلى ذلك، يتحدّث بودرع عن "حواجز نفسيّة" تطفو على السطح، بين التلميذ أو الطالب وتعلمه النحو، "لذا نكثر من النصوص وننصح بالإعراب وتبنّي المصادر السهلة. فالنحو يبقى أداة لتذوّق النص واستخراج نتائج مضبوطة ودقيقة، ومن دونه تبقى الآراء مجرّد خواطر ذاتية غير علمية". ويتابع: "ينبغي تحديد النحو بتجديد النظر إليه وربطه بالواقع النصي وليس النظر إليه بقوالب جامدة وفارغة حتى تنكسر الحواجز النفسية".
تجدر الإشارة إلى أنّ مقرّر النحو في عموم المدارس المغربية يخضع إلى منهاج واحد مُبسّط ومرتبط بأمثلة حيّة، لكنّ التدريس يرتبط بتصورات المدرّس أو الأستاذ وطريقة تدريسه للمادة. ويبقى مبتوراً لأنّ التلميذ يدرسه سنة دون أخرى، فيفقد بوصلة النحو. أمّا في الجامعات وفي مراحل التعليم العالي، فإنّ النحو لا يخضع إلى منهج موحّد ومتداول ومشترك، إنّما هو رهن التنوّع والاختلاف بين المناهج القديمة والحديثة.
من جهته، يقول أستاذ التعليم العالي محمد الإدريسي إنّ "العلّة تكمن في تهويل أمر هذا العلم والتركيز على مكمن الخلافات وتعدّد المدارس النحوية ومردّها اختلاف اللهجات العربية". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه لا يرى في الانفتاح على لغات أو ثقافات أخرى "تأثيراً سلبياً على تعلّم النحو". ويحصر الإدريسي المشاكل التي تعترض سبيل تلقين النحو "تلقينا شافياً" في "إيفاء هذا المكوِّن حقه الزمني والمنهجي، بمعنى أن يُخصّص له الغلاف الزمني الكافي عبر ترسيخ أكبر عدد من القواعد النحوية في أذهان التلاميذ والطلاب. وذلك من خلال اعتماد آلية الاستنباط، شريطة أن يكون هؤلاء المستهدفون متحصلين على رصيد لغوي كاف يؤهلهم للتفاعل مع المضامين المطروحة. وهو أمر مرهون بتعريب الدارجة المغربية التي أصبحت في أيامنا تزخر بكمّ مهول من الألفاظ والتراكيب الأجنبية".
ويقترح الإدريسي للنهوض بتدريس النحو بفعالية في المغرب، "الحرص على إطلاع الأطفال وتحفيظهم، خلال السنوات العشر الأولى من دراستهم، قسطاً وافراً ممّا يعرف في أصول النحو العربي بمصادر السماع، أي القرآن والسنّة والشعر القديم وأقوال الفصحاء". ويؤكد أنّ نظام التعليم القديم هو "آخر المعاقل التي ما فتئت علوم العربية تتحصّن بها. فهو ما زال يولي علوم الآلة عموماً والنحو خصوصاً، عناية فائقة نظراً لما تضطلع به هذه العلوم من مهام في تفصيل الشؤون الشرعية وتحديدها، وفي تبيان التوجهات العقدية وترشيدها. وهو أمر تستحق عليه بالغ التقدير، غير أنّ ما قد يعاب عليها هو تشددها إزاء إعمال العقل في النصوص الدينية من منظور الاجتهادات والتأويلات اللغوية".