13 فبراير 2022
نحو تيار ديمقراطي عربي
تحيلنا قراءة الفكر العربي، بمختلف تنويعاته ومشاربه الإيديولوجية، على مدار القرن الماضي، إلى ملاحظة مهمة، وهي غزارة إنتاج العقل العربي، ومراوحته بين مختلف المدارس والتيارات الفكرية والإيديولوجية (القومية، الليبرالية، الاشتراكية، اليسارية، الشيوعية....إلخ). فمنذ بدء الوعي الوطني في التشكل لدى النخب العربية، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة التحرّر من الاستعمار، كان ثمّة ارتباط واضح بين الخلفيات التعليمية للنخب العربية وأدائها الفكري والثقافي. ويبدو أن حافز التخلص من الاستعمار كان ملهماً لأفكار وأطروحات كثيرة، كي تظهر وتزدهر، بدءاً من كتابات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، مروراً بطه حسين وأحمد لطفي السيد، وميشيل عفلق وياسين الحافظ، وغيرهم. وقد امتدت أفكار هؤلاء إلى أجيال أخرى، بعد أن تُرجمت في تيارات سياسية لاحقاً، حاولت أن تترجم أفكار هؤلاء إلى الواقع، ولكنها جميعاً أصيبت بالفشل بدرجات متفاوتة، منذ الأربعينات وحتى السبعينات.
لذا، ظهر تيار فكري عربي ناقد، بشكل أو بآخر، أطروحات المفكرين الأوائل، أو بالأحرى الآباء المؤسسين للفكر العربي المعاصر، سواء ما حدث من مراجعات عقب هزيمة 1967 أو ما ظهر من كتاباتٍ تحاول البحث في جذور الأزمة العربية، خصوصاً ما يتعلق منها بمسألة التخلف وعدم القدرة على النهوض. فذهب بعضهم إلى البحث في جذور التراث، كما فعل محمد عابد الجابري وحسن حنفي وطيب تيزيني ومحمد أركون، في حين ذهب آخرون إلى البحث في قضايا المجتمع العربي من حيث بنيته وثقافته، كما فعل خلدون النقيب وحليم بركات وغيرهما.
ويبدو مفارقاً أن كثيرين من هؤلاء المفكّرين لم ينشغلوا كثيراً بمسألة الاستبداد، أو على الأقل لم يعتبروها مصدر الأزمة التي تعيشها الدول والمجتمعات العربية حالياً. وغاب عن بعضم أن كثيراً من تمثلات هذه الأزمة تمتد، بدرجة أو بأخرى، إلى الجذر السلطوي الكامن في بنية الدولة العربية، وظاهرة نظامها السياسي والاجتماعي. الاستثناء الوحيد على ذلك قديماً كان عبد الرحمن الكواكبي الذي فطن لأصل الداء في العالم العربي، حين وضع كتابه العبقري "طبائع الاستبداد"، والذي، باعتقادنا، لم يُلتفت إليه بشكل جاد وحقيقي، ولم تتم الاستفادة منه حتى الآن. ومن المدهش أنه لم تتشكل مدرسة فكرية أو تيار فكري عربي يتبنى قضية الحرية، أو بالأحرى التخلص من الاستبداد، باعتباره قضية مركزية منذ ذلك الوقت. في حين لم يبدأ الاهتمام بالأمر سوى في العقود الثلاثة الماضية، من خلال إسهامات عبد الله العرويّ، وبرهان غليون وعزمي بشارة، وغسّان سلامة. كما لم ينشأ لدينا تيار ديمقراطي عربي مؤّصل فكرياً ومنهجياً وفلسفياً، بحيث يجعل الديمقراطية، وفي القلب منها مسائل الحرية والتعدّدية والعدالة والمواطنة، شغله الشاغل. لدينا، بالقطع، محاولاتٌ للاشتباك مع هذه المسائل، ولكنها ليست بالدرجة التي تحولها تياراً فكرياً وسياسياً عريضاً على غرار التيارات الأخرى.
لذا، عندما جاءت ثورات الربيع العربي، لم يكن لدينا تيار ديمقراطي واضح، يمكنه قيادة هذه الثورات، أو المساهمة في بلورة نتائجها، ولولا بعض الاشتباكات الفكرية والسياسية مع قضايا الديمقراطية ومسائلها، وأخذها على محمل الجد، على غرار ما فعل برهان غليون وعزمي بشارة والمنصف المرزوقي وسيف الدين عبد الفتاح وشفيق الغبرا وغيرهم، لفقدنا الأمل في إمكانية وجود هذا التيار الذي لا يزال بحاجة إلى مزيد من التأصيل والتبلور. ولا مفر من أن يكون للشباب العربي المؤمن بقيم الحرية والديمقراطية جزءٌ أساسيٌ في تشكل هذا التيار، وتحويله من حلم إلى واقع.
لذا، ظهر تيار فكري عربي ناقد، بشكل أو بآخر، أطروحات المفكرين الأوائل، أو بالأحرى الآباء المؤسسين للفكر العربي المعاصر، سواء ما حدث من مراجعات عقب هزيمة 1967 أو ما ظهر من كتاباتٍ تحاول البحث في جذور الأزمة العربية، خصوصاً ما يتعلق منها بمسألة التخلف وعدم القدرة على النهوض. فذهب بعضهم إلى البحث في جذور التراث، كما فعل محمد عابد الجابري وحسن حنفي وطيب تيزيني ومحمد أركون، في حين ذهب آخرون إلى البحث في قضايا المجتمع العربي من حيث بنيته وثقافته، كما فعل خلدون النقيب وحليم بركات وغيرهما.
ويبدو مفارقاً أن كثيرين من هؤلاء المفكّرين لم ينشغلوا كثيراً بمسألة الاستبداد، أو على الأقل لم يعتبروها مصدر الأزمة التي تعيشها الدول والمجتمعات العربية حالياً. وغاب عن بعضم أن كثيراً من تمثلات هذه الأزمة تمتد، بدرجة أو بأخرى، إلى الجذر السلطوي الكامن في بنية الدولة العربية، وظاهرة نظامها السياسي والاجتماعي. الاستثناء الوحيد على ذلك قديماً كان عبد الرحمن الكواكبي الذي فطن لأصل الداء في العالم العربي، حين وضع كتابه العبقري "طبائع الاستبداد"، والذي، باعتقادنا، لم يُلتفت إليه بشكل جاد وحقيقي، ولم تتم الاستفادة منه حتى الآن. ومن المدهش أنه لم تتشكل مدرسة فكرية أو تيار فكري عربي يتبنى قضية الحرية، أو بالأحرى التخلص من الاستبداد، باعتباره قضية مركزية منذ ذلك الوقت. في حين لم يبدأ الاهتمام بالأمر سوى في العقود الثلاثة الماضية، من خلال إسهامات عبد الله العرويّ، وبرهان غليون وعزمي بشارة، وغسّان سلامة. كما لم ينشأ لدينا تيار ديمقراطي عربي مؤّصل فكرياً ومنهجياً وفلسفياً، بحيث يجعل الديمقراطية، وفي القلب منها مسائل الحرية والتعدّدية والعدالة والمواطنة، شغله الشاغل. لدينا، بالقطع، محاولاتٌ للاشتباك مع هذه المسائل، ولكنها ليست بالدرجة التي تحولها تياراً فكرياً وسياسياً عريضاً على غرار التيارات الأخرى.
لذا، عندما جاءت ثورات الربيع العربي، لم يكن لدينا تيار ديمقراطي واضح، يمكنه قيادة هذه الثورات، أو المساهمة في بلورة نتائجها، ولولا بعض الاشتباكات الفكرية والسياسية مع قضايا الديمقراطية ومسائلها، وأخذها على محمل الجد، على غرار ما فعل برهان غليون وعزمي بشارة والمنصف المرزوقي وسيف الدين عبد الفتاح وشفيق الغبرا وغيرهم، لفقدنا الأمل في إمكانية وجود هذا التيار الذي لا يزال بحاجة إلى مزيد من التأصيل والتبلور. ولا مفر من أن يكون للشباب العربي المؤمن بقيم الحرية والديمقراطية جزءٌ أساسيٌ في تشكل هذا التيار، وتحويله من حلم إلى واقع.