20 أكتوبر 2024
نحو خطة وطنية فلسطينية إنقاذية
لم يأت قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نتيجة حسابات أميركية داخلية، أو نتيجة طبيعة ترامب الميالة إلى الظهور بمظهرٍ مختلفٍ عمن سبقوه، بل جاء، بالدرجة الأولى، نتيجة الخواء الكامل للحياة السياسة الفلسطينية، وحالة الاحتضار التي تمر بها الحركة الوطنية الفلسطينية، والإحباط واليأس الشعبي من التوصل يوماً إلى تحقيق حلم قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ومن المفارقات التاريخية المؤلمة أن يأتي القرار تماماً في السنة التي أحيا فيها الفلسطينيون مرور 50 عاماً على الاحتلال الإسرائيلي، و70 عاماً على قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، و100 عام على تصريح (وعد) بلفور. وينضاف إلى هذه التواريخ المشؤومة تاريخ آخر، صنعه ترامب، في ضوء تهليل اليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم في إسرائيل، والاستهجان الدولي المصطنع لخطوته الأحادية، وترحيب حار من الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة، وتخضع لتأثيرها.
للاعتراف الأميركي المتأخر بالقدس أهمية كبرى، تتخطى بكثير الأهمية الرمزية، فهو عملياً
في ظل جمود العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، بمثابة إعطاء ضوء أخضر أميركي لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية إلى ما لا نهاية. وحتى قبل الاعتراف بالقدس عاصمةً لها، لم تتوقف إسرائيل يوماً عن تغيير وجه المدينة، وأسرلتها، والقضاء على طابعها العربي، سواء من خلال توسيع حدود بلدية القدس الغربية، وزرع الأحياء اليهودية في قلب الأحياء العربية للقدس، أو تطويق المدينة بكتلٍ من المستوطنات اليهودية، وقطع تواصلها مع سائر المدن الفلسطينية، أو من خلال فرض شروط على حياة الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية، وتهميشهم وإهمالهم وحرمانهم من شروط العيش الكريم، وتحويل أحيائهم إلى أحزمة بؤس.
يظن نتنياهو اليوم أنه حقق انتصاراً تاريخياً جديداً في توجيه ضربة قاصمة للفلسطينيين، ولنضال حركتهم الوطنية. وهو يعتقد أن القرار الأميركي حدّد وقائع جديدة على الأرض، لا عودة عنها، ومهما غضب الفلسطينيون وتظاهروا وهتفوا في الشوارع والحارات، لن يغيروا من حقيقة ما حدث. وهو يعتمد، في حساباته هذه، من جهة على ضعف السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس التي قدمت من خلال مساعدتها الأمنية لإسرائيل مساعدة لا تقدر بثمن إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لقمع انتفاضة السكاكين والدهس التي شهدتها شوارع القدس الشرقية والخليل في العام المنصرم. كما يستند إلى حال الانقسام العربي، والصراعات الداخلية العربية، والفوضى الدموية السائدة في دول مثل سورية والعراق واليمن.
في تقدير نتنياهو أن الفلسطينيين اليوم مستضعفون متروكون من دون سند أو دعم فعلي قوي عربي، وأن فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى، وهم غارقون اليوم في همومهم ومشكلاتهم وحروبهم التي لا تنتهي. أما المجتمع الدولي فالواضح حدود تأثيره في مجريات الأحداث، وخصوصا في سياسة ترامب الذي وعد، في أثناء حملته الانتخابية، الإسرائيليين والجمهور المؤيد له من الإنجيليين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. وعلى الأرجح أنه قال لترامب كل هذه الأمور، وشجعه على القيام بخطوةٍ ستجعله يدخل التاريخ المجيد لدولة إسرائيل.
مع الأسف، قد تكون حسابات نتنياهو وترامب صحيحةً في ما يتعلق برد فعل السلطة الفلسطينية
والزعماء العرب وغير العرب. ومن المحتمل أن تنحسر موجة الغضب والاحتجاج الشعبي مع مررو الوقت، ومع تصاعد الحديث عن دعوة ترامب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى البحث معه في "صفقة القرن".
لكن ثمّة احتمالات كثيرة، يطرحها الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، في طليعتها: إلى أي حد سيكون هذا الاعتراف محفزاً لمحاسبة السياسات الفلسطينية الفاشلة، وبروز زعامة فلسطينية جديدة قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الخطرة، صاحبة رؤية وخطة وطنية إنقاذية لما تبقى من حلم الدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشرقية؟ وهل يمكن أن يشكل القرار، الذي على ما يبدو اتخذ بعد تشاور ترامب مع الزعماء العرب بدايةً للمطالبة بالكشف علناً عن مضمون ما دار في هذه المحادثات، ومحاسبة هؤلاء الزعماء على مواقفهم، وعلى ما قالوه فعلاً للرئيس الأميركي؟ وإذا كان القرار الأميركي، بحسب وصف معلقين إسرائيليين كثيرين، قد أطلق رصاصة قاتلة على عملية التسوية السياسية، فهل الزعامات الفلسطينية الراهنة مستعدّة للاعتراف بفشلها، والبحث عن سبيل آخر للكفاح لاستعادة الحقوق الفلسطينية؟
ما يحتاج الفلسطينيون إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس فقط التعبير عن الغضب والاحتجاج، بل هم بحاجة إلى قيادة مسؤولة شجاعة، تملك رؤية مختلفة لمستقبل الصراع الدائر مع إسرائيل، ولديها خطة إنقاذية وطنية شاملة، قادرة على فتح ثغرة في جدار اليأس والقرارت الأميركية الظالمة.
ومن المفارقات التاريخية المؤلمة أن يأتي القرار تماماً في السنة التي أحيا فيها الفلسطينيون مرور 50 عاماً على الاحتلال الإسرائيلي، و70 عاماً على قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، و100 عام على تصريح (وعد) بلفور. وينضاف إلى هذه التواريخ المشؤومة تاريخ آخر، صنعه ترامب، في ضوء تهليل اليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم في إسرائيل، والاستهجان الدولي المصطنع لخطوته الأحادية، وترحيب حار من الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة، وتخضع لتأثيرها.
للاعتراف الأميركي المتأخر بالقدس أهمية كبرى، تتخطى بكثير الأهمية الرمزية، فهو عملياً
يظن نتنياهو اليوم أنه حقق انتصاراً تاريخياً جديداً في توجيه ضربة قاصمة للفلسطينيين، ولنضال حركتهم الوطنية. وهو يعتقد أن القرار الأميركي حدّد وقائع جديدة على الأرض، لا عودة عنها، ومهما غضب الفلسطينيون وتظاهروا وهتفوا في الشوارع والحارات، لن يغيروا من حقيقة ما حدث. وهو يعتمد، في حساباته هذه، من جهة على ضعف السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس التي قدمت من خلال مساعدتها الأمنية لإسرائيل مساعدة لا تقدر بثمن إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لقمع انتفاضة السكاكين والدهس التي شهدتها شوارع القدس الشرقية والخليل في العام المنصرم. كما يستند إلى حال الانقسام العربي، والصراعات الداخلية العربية، والفوضى الدموية السائدة في دول مثل سورية والعراق واليمن.
في تقدير نتنياهو أن الفلسطينيين اليوم مستضعفون متروكون من دون سند أو دعم فعلي قوي عربي، وأن فلسطين لم تعد قضية العرب الأولى، وهم غارقون اليوم في همومهم ومشكلاتهم وحروبهم التي لا تنتهي. أما المجتمع الدولي فالواضح حدود تأثيره في مجريات الأحداث، وخصوصا في سياسة ترامب الذي وعد، في أثناء حملته الانتخابية، الإسرائيليين والجمهور المؤيد له من الإنجيليين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. وعلى الأرجح أنه قال لترامب كل هذه الأمور، وشجعه على القيام بخطوةٍ ستجعله يدخل التاريخ المجيد لدولة إسرائيل.
مع الأسف، قد تكون حسابات نتنياهو وترامب صحيحةً في ما يتعلق برد فعل السلطة الفلسطينية
لكن ثمّة احتمالات كثيرة، يطرحها الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، في طليعتها: إلى أي حد سيكون هذا الاعتراف محفزاً لمحاسبة السياسات الفلسطينية الفاشلة، وبروز زعامة فلسطينية جديدة قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الخطرة، صاحبة رؤية وخطة وطنية إنقاذية لما تبقى من حلم الدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشرقية؟ وهل يمكن أن يشكل القرار، الذي على ما يبدو اتخذ بعد تشاور ترامب مع الزعماء العرب بدايةً للمطالبة بالكشف علناً عن مضمون ما دار في هذه المحادثات، ومحاسبة هؤلاء الزعماء على مواقفهم، وعلى ما قالوه فعلاً للرئيس الأميركي؟ وإذا كان القرار الأميركي، بحسب وصف معلقين إسرائيليين كثيرين، قد أطلق رصاصة قاتلة على عملية التسوية السياسية، فهل الزعامات الفلسطينية الراهنة مستعدّة للاعتراف بفشلها، والبحث عن سبيل آخر للكفاح لاستعادة الحقوق الفلسطينية؟
ما يحتاج الفلسطينيون إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى ليس فقط التعبير عن الغضب والاحتجاج، بل هم بحاجة إلى قيادة مسؤولة شجاعة، تملك رؤية مختلفة لمستقبل الصراع الدائر مع إسرائيل، ولديها خطة إنقاذية وطنية شاملة، قادرة على فتح ثغرة في جدار اليأس والقرارت الأميركية الظالمة.
دلالات
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024