04 مايو 2016
نرجسية نتنياهو تفشل مهمته في واشنطن
وسط أجواء من التوتر غير المسبوق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، باراك أوباما، ينعقد المؤتمر السنوي لمجموعة الضغط الإسرائيلية "إيباك" في واشنطن، ثلاثة أيام. ويجتمع المشاركون في المؤتمر في ظل أجواء من الخلاف والتوتر الشديد الذي نشأ عن دعوة رئيس مجلس النواب الأميركي، الجمهوري جون باينر، لنتنياهو للتحدث أمام الكونغرس، من دون التنسيق مع البيت الأبيض، كما جرت العادة مع كل الرؤساء السابقين.
هذا الخرق الواضح الذي فاجأ الرأي العام الأميركي إجمالاً، والبيت الأبيض خصوصاً، أوجد أجواء متوترة وانتقادات لاذعة، لا لدعوة نتنياهو فحسب، بل لسرية التنسيق بين رئيس مجلس النواب باينر والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون درمر، الذي كان عضواً في الحزب الجمهوري الأميركي قبل أن يتخلى عن جنسيته الأميركية مقابل الإسرائيلية. إذاً، أدى هذا الخرق في الأعراف إلى استياء شديد في أوساط الديمقراطيين، وأسفر عن مقاطعة عدد كبير من مسؤولي الحزب خطاب نتنياهو. ولعل أبرز الغائبين نائب الرئيس، جو بايدن، الذي يترأس جلسات الكونغرس في المناسبات الكبرى.
ولا تشمل لائحة المقاطعين شخصيات من الإدارة الأميركية فحسب، بل تشمل أبرز الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس. ولعل أبرزهم السناتور عن ولاية فيرمونت، باتريك ليهي، الرئيس السابق للجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ، الذي قال إنه سيقاطع، لأن الدعوة جاءت
بشكل "يحرج ليس فقط إسرائيل، بل الكونغرس أيضاً". وسيقاطع ممثلو الحزب الديمقراطي، على الرغم مما قد تنطوي عليه من ترديات سلبية. فالنائب عن ولاية كنتاكي، جون يارموث، وهو يهودي، قال إنه سيقاطع الجلسة، على الرغم من ردة فعل المجموعات الخارجية، في إشارة إلى منظمة إيباك.
بالإضافة إلى ذلك، كان إعلان نتنياهو، صراحةً، أنه يعترض على استمرار الولايات المتحدة في المفاوضات مع الدول الـ(5+1) حول الملف النووي الإيراني عاملاً أساسياً وراء الأزمة. كما أن استمراره في التبرير لضرورة التحرك بحزم أكبر ضد إيران، وتوجيهه الانتقادات للولايات المتحدة، أدى إلى استفزاز وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وهو من أصدقاء نتنياهو، والذي وصل به الأمر إلى أن يقول، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إن نتنياهو ساهم في دفع الولايات المتحدة إلى غزو العراق عام 2003، واليوم يحاول إجهاض عملية المفاوضات، بذريعة أن المسألة حياة أو موت لإسرائيل.
وقالت مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، إن الخطوة التي أقدم عليها نتنياهو منحازة لطرف سياسي أميركي داخلي، وأضافت إنها "خطوة ليست مؤسفة فقط، بل مدمرة أيضاً لأواصر العلاقة بين البلدين". وقد سبق لنتنياهو أن رفع من حدة انتقاداته لمحاولات البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاق سلمي حول برنامج إيران النووي، حيث قال إن الولايات المتحدة والدول المشاركة في المفاوضات تخلت عن التزامها بمنع إيران من تطوير السلاح النووي. ويظهر هذا الأمر عدم رغبته في الانتظار حتى لانتهاء المهلة للتوصل إلى اتفاق مع طهران.
ولم يبد نتنياهو أي رغبة في التراجع، وما زال يعطي لنفسه التبرير تلو الآخر، حيث قال أخيراً، "أحترم البيت الأبيض. لكن، في مثل هذا الموضوع الذي يحدد مصير إذا ما كنا سنبقى أم لا، فواجبي يحتم علي أن أقوم بأي شيء، لإزالة هذا الخطر عن إسرائيل". ويوحي هذا الكلام وكأن إيران أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من تطوير قنبلة نووية، الأمر الذي يخالف الواقع. وفي هذا الإطار، يعتبر نتنياهو أن الاتفاق المرحلي الذي تم توقيعه مع الدول الـ(5+1) جاء في مصلحة إيران وعلى حساب إسرائيل، غير أنه، وكما جاء في رد كيري عليه، فلقد التزمت طهران تماماً ببنود الاتفاق المرحلي، الأمر الذي يمهد لتحقيق تسوية معها.
ما يتضمنه موقف نتنياهو ليس فقط إدانة سعي إيران إلى تطوير قدراتها النووية، بل إدانة عملية التفاوض نفسها، وبالتالي، هو لا يخشى من طموح طهران فحسب، بل يخاف من مجرد الحوار معها. ولهذه الغاية، يقوم بتفسير المعطيات، وفقاً لما تمليه رغباته، وبعكس ما تدل عليه بالفعل. الدليل خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، حين قال إن إيران باتت على وشك تطوير القنبلة النووية، على الرغم من تقارير جهاز الموساد التي كانت تؤكد له أن طهران ما زالت بعيدة عن ذلك.
ويشمل نهج نتنياهو الملتوي في التعامل مع المعطيات جميع الملفات الأخرى. فمواقفه النابعة من رهابه تجعله أحادي النظرة والتوجه، لا يكترث لأي رأي آخر. بل، وأكثر من ذلك، هو يشعر أنه يمتلك رسالة ربانية، تحتم عليه جمع يهود العالم في إسرائيل، وعلى الرغم منهم. فلقد دعا اليهود الفرنسيين والدنماركيين إلى الهجرة إلى إسرائيل، والعيش هناك، هرباً من "اللاسامية المتفشية في العالم". وقد أثار هذا الأمر الاستغراب والسخرية في أوروبا، حيث أصبح من الواضح أن اللاسامية تتملك عقل نتنياهو، وتملي عليه قراراته.
إن هذا النهج بدأ ينعكس سلباً على نتنياهو بين الأميركيين اليهود. فعدد كبير من أعضاء إيباك أعلنوا استياءهم من خطوة نتنياهو وقالوا إنها تقوّض العلاقة مع واشنطن. الأهم أنها بدأت تقطع الأواصر اللصيقة بين المنظمة والبيت الأبيض. وها نحن نرى اليوم، الرئيس الأميركي يرسل موظفاً كبيراً لتمثيله في مؤتمر إيباك وليس شخصية سياسية بارزة كما جرت العادة.
وإذ يعتقد نتنياهو بأن لديه "الحق" في التعامل مع الدول الكبرى بهذه الطريقة، ماذا يمكننا أن ننتظر منه في عملية السلام، سوى بناء مزيد من المستوطنات، وهدر حقوق الفلسطينيين، وتدمير قطاع غزة، والسعي الحثيث إلى حرمان فلسطين من قدسها.
هذا الخرق الواضح الذي فاجأ الرأي العام الأميركي إجمالاً، والبيت الأبيض خصوصاً، أوجد أجواء متوترة وانتقادات لاذعة، لا لدعوة نتنياهو فحسب، بل لسرية التنسيق بين رئيس مجلس النواب باينر والسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون درمر، الذي كان عضواً في الحزب الجمهوري الأميركي قبل أن يتخلى عن جنسيته الأميركية مقابل الإسرائيلية. إذاً، أدى هذا الخرق في الأعراف إلى استياء شديد في أوساط الديمقراطيين، وأسفر عن مقاطعة عدد كبير من مسؤولي الحزب خطاب نتنياهو. ولعل أبرز الغائبين نائب الرئيس، جو بايدن، الذي يترأس جلسات الكونغرس في المناسبات الكبرى.
ولا تشمل لائحة المقاطعين شخصيات من الإدارة الأميركية فحسب، بل تشمل أبرز الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس. ولعل أبرزهم السناتور عن ولاية فيرمونت، باتريك ليهي، الرئيس السابق للجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ، الذي قال إنه سيقاطع، لأن الدعوة جاءت
بالإضافة إلى ذلك، كان إعلان نتنياهو، صراحةً، أنه يعترض على استمرار الولايات المتحدة في المفاوضات مع الدول الـ(5+1) حول الملف النووي الإيراني عاملاً أساسياً وراء الأزمة. كما أن استمراره في التبرير لضرورة التحرك بحزم أكبر ضد إيران، وتوجيهه الانتقادات للولايات المتحدة، أدى إلى استفزاز وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وهو من أصدقاء نتنياهو، والذي وصل به الأمر إلى أن يقول، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إن نتنياهو ساهم في دفع الولايات المتحدة إلى غزو العراق عام 2003، واليوم يحاول إجهاض عملية المفاوضات، بذريعة أن المسألة حياة أو موت لإسرائيل.
وقالت مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، إن الخطوة التي أقدم عليها نتنياهو منحازة لطرف سياسي أميركي داخلي، وأضافت إنها "خطوة ليست مؤسفة فقط، بل مدمرة أيضاً لأواصر العلاقة بين البلدين". وقد سبق لنتنياهو أن رفع من حدة انتقاداته لمحاولات البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاق سلمي حول برنامج إيران النووي، حيث قال إن الولايات المتحدة والدول المشاركة في المفاوضات تخلت عن التزامها بمنع إيران من تطوير السلاح النووي. ويظهر هذا الأمر عدم رغبته في الانتظار حتى لانتهاء المهلة للتوصل إلى اتفاق مع طهران.
ولم يبد نتنياهو أي رغبة في التراجع، وما زال يعطي لنفسه التبرير تلو الآخر، حيث قال أخيراً، "أحترم البيت الأبيض. لكن، في مثل هذا الموضوع الذي يحدد مصير إذا ما كنا سنبقى أم لا، فواجبي يحتم علي أن أقوم بأي شيء، لإزالة هذا الخطر عن إسرائيل". ويوحي هذا الكلام وكأن إيران أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من تطوير قنبلة نووية، الأمر الذي يخالف الواقع. وفي هذا الإطار، يعتبر نتنياهو أن الاتفاق المرحلي الذي تم توقيعه مع الدول الـ(5+1) جاء في مصلحة إيران وعلى حساب إسرائيل، غير أنه، وكما جاء في رد كيري عليه، فلقد التزمت طهران تماماً ببنود الاتفاق المرحلي، الأمر الذي يمهد لتحقيق تسوية معها.
ما يتضمنه موقف نتنياهو ليس فقط إدانة سعي إيران إلى تطوير قدراتها النووية، بل إدانة عملية التفاوض نفسها، وبالتالي، هو لا يخشى من طموح طهران فحسب، بل يخاف من مجرد الحوار معها. ولهذه الغاية، يقوم بتفسير المعطيات، وفقاً لما تمليه رغباته، وبعكس ما تدل عليه بالفعل. الدليل خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، حين قال إن إيران باتت على وشك تطوير القنبلة النووية، على الرغم من تقارير جهاز الموساد التي كانت تؤكد له أن طهران ما زالت بعيدة عن ذلك.
ويشمل نهج نتنياهو الملتوي في التعامل مع المعطيات جميع الملفات الأخرى. فمواقفه النابعة من رهابه تجعله أحادي النظرة والتوجه، لا يكترث لأي رأي آخر. بل، وأكثر من ذلك، هو يشعر أنه يمتلك رسالة ربانية، تحتم عليه جمع يهود العالم في إسرائيل، وعلى الرغم منهم. فلقد دعا اليهود الفرنسيين والدنماركيين إلى الهجرة إلى إسرائيل، والعيش هناك، هرباً من "اللاسامية المتفشية في العالم". وقد أثار هذا الأمر الاستغراب والسخرية في أوروبا، حيث أصبح من الواضح أن اللاسامية تتملك عقل نتنياهو، وتملي عليه قراراته.
إن هذا النهج بدأ ينعكس سلباً على نتنياهو بين الأميركيين اليهود. فعدد كبير من أعضاء إيباك أعلنوا استياءهم من خطوة نتنياهو وقالوا إنها تقوّض العلاقة مع واشنطن. الأهم أنها بدأت تقطع الأواصر اللصيقة بين المنظمة والبيت الأبيض. وها نحن نرى اليوم، الرئيس الأميركي يرسل موظفاً كبيراً لتمثيله في مؤتمر إيباك وليس شخصية سياسية بارزة كما جرت العادة.
وإذ يعتقد نتنياهو بأن لديه "الحق" في التعامل مع الدول الكبرى بهذه الطريقة، ماذا يمكننا أن ننتظر منه في عملية السلام، سوى بناء مزيد من المستوطنات، وهدر حقوق الفلسطينيين، وتدمير قطاع غزة، والسعي الحثيث إلى حرمان فلسطين من قدسها.