أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، يوم السبت، عن تسجيلها نزوح أكثر من 65 ألف عائلة أخيراً من المحافظات التي وصفتها بـ"الساخنة أمنياً".
وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، ستّار نوروز، إنه تم اعداد قاعدة بيانات لأعداد العائلات التي نزحت عقب سيطرة تنظيم "الدولة الاسلامية"، المعروف باسم "داعش"، ومسلحين متحالفين معه في 10 يونيو/ حزيران الماضي، على مدينة الموصل بمحافظة نينوى شمالي العراق وأجزاء من محافظات ديالى(شرق) وصلاح الدين وكركوك(شمال) والأنبار(غرب).
وأضاف أن أعداد العائلات التي نزحت من المحافظات "الساخنة أمنياً"، بلغت أكثر من 65 ألف عائلة، مشيراً إلى أن الرقم الحقيقي "أكبر من ذلك بكثير"، إلا أن عمليات النزوح والانتقال غير المنظم يصعب من عملية الحصول على بيانات دقيقة.
ولفت المتحدث إلى أن الوزارة لديها معلومات تشير إلى هجرة العديد من العائلات العراقية النازحة من المحافظات "الساخنة أمنياً"، إلى خارج البلاد مثل تركيا والأردن للاستقرار فيها بعد أن خضعت مناطقهم لسيطرة "الدولة الإسلامية".
ونزحت مئات العوائل من قضاء تلعفر ذي الغالبية الشيعية في محافظة نينوى، نحو قضاء سنجار وبعض المناطق الآمنة في الموصل، وكذلك إلى محافظات إقليم شمال العراق، هرباً من المعارك الدائرة بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم "الدولة الاسلامية".
تهجير المسيحيين
وبدأت مئات العوائل المسيحية في مدينة الموصل، بمغادرة منازلها بعد تهديدات لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش" لها بمغادرة المدينة أو إعلان إسلامها أو دفع الجزية، بحسب بيانات وزّعها التنظيم في مدينة الموصل.
وقال سكان في المدينة، إن عناصر "داعش" وسمت كنائس وأديرة ومدارس دينية مسيحية وكاتدرائية تاريخية بعلامة وقف للدولة الإسلامية.
وأكد نائب رئيس مجلس عشائر الموصل، إبراهيم الحسن، تلك الأخبار. وأوضح، في اتصال مع "العربي الجديد"، "أن عصابات "داعش" التي تدعي أنها منتسبة للإسلام، آذت اليوم، من أوصانا فيهم القرآن خيراً ومن أمرنا نبينا باكرامهم"
وأوضح الحسن أن "التنظيم استولى على المنازل وخرج المسيحيون من ديارهم إلى أربيل". ولفت إلى أن "الفصائل المسلحة العشائرية والوطنية اعترضت على أفعال "داعش"، وقد تسبب الأزمة في صدام مسلح بين الطرفين، إذ سبق تهديد المسيحيين عملية مماثلة لأبناء الديانة الشبكية". ووصف تصرفات "داعش بأنها ضمن مسلسل شيطنة ثورة العشائر وتدمير سمعتها".
من جهته، قال مسؤول إعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة نينوى، سعيد مموزيني، لـ"العربي الجديد" "غادرت اليوم نحو 200 أسرة مسيحية مدينة الموصل خوفاً من تعرضها للاستهداف على يد عناصر داعش". ولفت إلى أن "الأسر التي فرّت من الموصل توجهت إلى مناطق مختلفة، بينها بلدات في سهل نينوى بعد يوم من مغادرة أعداد مماثلة".
وأوضح مموزيني أن "تنظيم داعش، الذي يسيطر مع جماعات مسلحة أخرى على مدينة الموصل، التي يقطنها قرابة مليوني نسمة، كان قد نشر بيانات وطلب من خطباء المساجد نقل مضمونها عقب صلاة الجمعة، دعت المسيحيين الى مغادرة المدينة خلال 24 ساعة".
وتضمنت البيانات تأكيداً أنهم "إذا أرادوا البقاء فعليهم دخول الإسلام أو دفع الجزية وقدرها 250 دولاراً لكل أسرة تود البقاء في المدينة، أما بالنسبة للمغادرين فلن يكون مسموحاً لهم نقل أي من مقتنياتهم معهم".
ولفت إلى أن "المسلحين في الموصل، قاموا بكتابة حرف نون على أبواب منازل المسيحيين في المدينة. ويعني ذلك ان المنزل يعود للنصارى وقد تمت مصادرته وبات من ممتلكات الدولة الإسلامية".
من جهته، قال شاهد عيان، من سكان الموصل، يدعى خالد فيصل لـ"العربي الجديد" إن عدداً من الأسر المسيحية لم تغادر بسبب عدم امتلاكها المال الكافي وتقيم حالياً لدى أسر مسلمة في نفس الحي".
وأوضح فيصل 37(عاماً) أن "المدينة تغلي على "داعش"، فالمسيحيون هم بالأساس أهل الموصل الأصليون ونحن من وفدنا عليهم قبل مئات السنين ولا ينبغي أن يرحلوا من منازلهم".
ويقطن في مدينة الموصل نحو 200 ألف مسيحي، تناقصت أعدادهم بشكل كبير بعد احتلال البلاد في مارس/آذار 2003. وغادر الكثير منهم إلى السويد وفرنسا وكندا، بعد قيام تلك الدول بمنحهم تأشيرة واقامة دائمة على أراضيها.
وينقسم مسيحيو الموصل إلى الكلدان والسريان والكاثوليك. وتضم الموصل واحدة من أقدم الكنائس في العالم وهي كنيسة ماركوركيس التي شيّدت عام 800 للميلاد.
وبثّ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعمليات وداع محزنة لشبان مسيحيين ومسلمين في الموصل. وهو ما أثار موجة غضب وسخط واسعة في صفوف العراقيين، ولا سيما أهالي الموصل الذين طالبوا الفصائل المسلحة بردع "داعش" أو التوقف عن جميع أشكال التعامل معها احتجاجاً على تصرفاتها الإرهابية.
في ظل هذه التطورات، دعا بطريرك الكلدان في العراق والعالم، لويس رؤفائيل الاول ساكو، المسيحيين الى التكاتف إلى حين انتهاء "العاصفة". وحذّر من كارثة انسانية وحضارية مقبلة في العراق.
واعتبر، في بيان أصدره، أن "استيلاء الجهاديين الإسلاميين على الموصل وإعلانهم دولة إسلامية، وبعد أيام من الإسكان والترقب، انعكس الأمر سلباً على مسيحيي المدينة والمنطقة المجاورة، وكانت أولى بوادر هذا الانعكاس خطف راهبتين وثلاثة أيتام أطلق سراحهم بعد 17 يوماً".
وأضاف "استبشرنا خيراً بهذا التطور واعتبرناه بارقة أمل وانفراجاً، وإذا بنا نتفاجأ بآخر المستجدات، وهي توزيع الدولة الإسلامية بياناً يدعو المسيحيين إلى اعتناق الاسلام أو دفع الجزية، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم من دون أية أمتعة."
وتابع البيان "أوجه ندائي الى أصحاب الضمير الحي في العراق وفي العالم، إلى صوت المعتدلين من أخوتنا المسلمين في العراق وفي العالم، بأن هذه الاشتراطات تسيء الى المسلمين وإلى سمعة الدين الإسلامي".
ووصفها بأنها "نقض لألف وأربعمئة سنة من تاريخ وحياة العالم الإسلامي، الذي تعايش مع ديانات مختلفة وشعوب مختلفة شرقاً وغرباً واحترم عقائدها وتآخى معها."
وحذر ساكو، وهو أرفع شخصية مسيحية في العراق، من "كارثة انسانية وحضارية وتاريخية في العراق".
وأضاف "حرام أن يعامل المسيحيون بالرفض والطرد، ولا يخفى ما لذلك كله من نتائج وخيمة على التعايش بين الأكثريات والأقليات، لا بل بين المسلمين أنفسهم، على المدى القريب والبعيد".
ودعا ساكو المسيحيين لاعتماد "العقلانية والفطنة وأن يحسبوا حساباتهم بشكل جيد ويفهموا ما يخطط للمنطقة ويتكاتفوا بالمحبة، ويتدارسوا معاً وسوية، وبتضامن سبل بناء الثقة بأنفسهم وبجيرانهم والالتفاف حول كنيستهم ويصبروا ويتحملوا ويصلوا إلى أن تعبر العاصفة".