نسيم الحريّة وقود الثورة

23 مارس 2015

تظاهرة شبابية رافضة للانقلاب في القاهرة (12سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

هل كانت أحكام الإعدام الجماعية في أعقاب المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ، مصادفة، تقارب المصادفة العجيبة في عودة التفجيرات بعد هدوء في أيام المؤتمر؟ وهل تأتي الأحكام لتغطي على فشل المؤتمر الذي كان أقرب إلى شرعنة التسوّل والانقلاب معاً؟ ولتغطية تحوّل المؤتمر من سياسي عالمي إلى دعائي انتخابي، تلتقط فيه صور السيلفي مع المرشح المحتمل؟

وفي وقت يتم الحكم على العالم الجليل، صلاح سلطان، مع عشرات، بالإعدام، تتم تبرئة كل نظام حسني مبارك بلا استثناء، وآخرهم وزير داخليته الذي قاد عمليات التزوير، وأشرف على قتل شهداء ثورة يناير في ظاهرة كونية مثيرة، لا تحدث إلا في مصر، بلد العجائب! وربما قلّل من العجب أن تعرف أن في مصر تليفون، هو الأشهر في تاريخ مصر الحديث، إنه (تليفون عباس)، صاحب التسريبات، ففيه تحدث الأعاجيب، فيسافر المدان ويبرّأ القاتل ويعدم البريء، إنه التليفون الذي جلب لقادة العسكر في مصر المال الخليجي، والعار لشعبها.

والغريب أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اعترف ببراءة المقبوض عليهم والمحكوم عليهم بالإعدام، في مؤتمر صحافي يوم 19 مارس/ آذار، من دون أن يقصد، وقال نصاً: "توصلت التحريات إلى اتفاق قيادات تنظيم الإخوان.. على تعديل المنهاج الفكري لأعضاء التنظيم... والتخلي رسمياً عن سلمية الحركة"، أي أن نهجهم الفكري، قبل التعديل الأخير، هو السلمي، وكل من تم تقديمهم للقضاء ينتهجون النهج نفسه. وقد نسي ذلك المسؤول أن رؤساءه وقادته يتهمونهم بالإرهاب منذ 3 يوليو/ تموز 2013، وليس الآن، بعد أن تخلوا عن السلمية، على حد وصفه.

تعيش مصر حالة عبثية، يعزف فيها القضاء المدني والعسكري سيمفونية الدماء والقهر لأبناء الوطن، فقد تزامنت أحكام الإعدام، المشار إليها، مع أول حكم على فتاة، من المحكمة العسكرية في المنصورة، بالحبس سنتين وغرامة 50 ألف جنيه (7 آلاف دولار)، بحق الطالبة إسراء ماهر، والتي بدلاً من أن تكون في صفوف كلية العلوم التي تدرس فيها، يتم حبسها، والتهمة أحلام ممنوعة بالحرية. وبالطبع، لن نسمع صوتاً من صُحيبات جمعيات حقوق المرأة، ولن يتناول حق إسراء أوباما في خطابه، لأنها مصرية عادية، لم تحظ بشارة الثورية الأميركية، ولن تحلم بصورة سيلفي أمام الشاشات، لأنها لا تجيد فن تمجيد العبودية.

والتساؤل الذي يطرح نفسه في الحديث عن الثورة ومكتسباتها الضائعة، ماذا لو فشلت ثورة يناير 2011 ولم يتخلّ مبارك عن الحكم؟ هل كان الوضع سيتغيّر عن اللحظة الراهنة القاتمة في مصر؟ ألم يكن متوقعاً حبس الثوار؟ فقد حبسوا، وألم يكن من لوازم الانتقام أن يتم الحكم على كل من اشترك في الثورة بالحبس والإعدام؟ ها قد رأينا تلك الأحكام، ألم يكن مقبولاً عقلاً حرية قَتَلة المتظاهرين، حفاظأ على نظام مبارك؟ ها نحن ندهش برؤيتهم خارج القضبان أحراراً يتصدّرون المشهد، فهل يظن أحد أن الثورة ماتت وفشلت، لكنه فشل متأخر؟

وعلى الرغم من أن النتائج قد تكون متشابهة بين الفشل المفترض وما تحياه مصر الآن، إلا أن هناك عاملاً قد يغفله بعضهم، هو الحالة الثورية التي نشأ عليها جيل الشباب، وتربى عليها في السنوات الأربع من عمر الثورة، وجعلته ينفصل عن أكثر من جيل تربى على تجرع الظلم والقهر، والتلذّذ بالعبودية والتمجيد للعسكر تحت شعارات وحروب إعلامية مزيفة، وتاريخ ومناهج، تم تنقيحها من كل معالم الحرية والعزة والكرامة، كما يحذفون، الآن، تاريخ صلاح الدين وعقبة بن نافع، وتشويه تاريخ الثورة والثوار. تربت الأجيال السابقة على تمجيد كل رئيس، من الزعيم الأوحد إلى الرئيس المؤمن، وصولاً إلى صاحب الضربة الجوية الأولى، أما هذا الجيل الحر فلا يعرف ذلك، حررته ثورة يناير من التأقلم مع الظلم والفقر. تنفس جيل الثورة هواء الحرية ونسيمها، منذ بداية الثورة وحتى انقلاب يوليو/ تموز 2013، ومن ذاق حلاوة الحرية، لن تردعه أحكام الإعدام والحبس، وسيظل نسيم الحرية وقود الثورة المصرية.