من البديهي أن يرغب الأهل بمعظمهم في أن يحظى أطفالهم بحياة ناجحة مستقبلاً، فيعمدون إلى تعليمهم كيفيّة التفكير أو التصرّف وفق طرق يظنّون أنّها سوف تساعدهم على تحقيق أهدافهم. وهذه النصائح بحسب الدكتورة إيما سيبالا "قد تكون فعّالة على المدى القريب، بالنسبة إلى عدد كبير منها، لكنّها قد تأتي بنتائج عكسية على نطاق النجاح الأكبر والأشمل في الحياة".
وسيبالا مديرة العلوم في مركز أبحاث وتعليم التعاطف والإيثار في جامعة ستانفورد الأميركية ومؤلفة كتاب "سبيل السعادة"، تعرض عدداً من تلك النصائح التي قد تضرّ بالأطفال أكثر ممّا تفيدهم، وتقترح أخرى أفضل منها.
تقول سيبالا إنّ الأهل يطلبون من الأطفال التركيز على المستقبل، بينما الأفضل هو نصحهم بعيش اللحظة الراهنة. وتوضح أنّه من الصعب التركيز بدقّة على هدف بعيد، لأنّ عقولنا تميل إلى التجوّل بنسبة 50 في المائة من الوقت. وحين تفعل ذلك، نبدأ بالتأسف على الماضي أو القلق بشأن المستقبل، الأمر الذي تنتج عنه مشاعر سلبية مثل الغضب أو الأسف أو الإجهاد.
تضيف سيبالا أنّ العقل الذي يحاول باستمرار التركيز على المستقبل، من قبيل الحصول على درجات جيّدة بهدف دخول كلية معيّنة، سوف يكون عرضة لمزيد من الخوف. وفي حين قد يمثّل بعض القلق حافزاً، غير أنّه في المقابل قد يضعف الصحة الذهنية.
وتتابع سيبالا أنّه في إمكان الأطفال تقديم أداء أفضل والشعور بسعادة أكبر، حين يتعلّمون كيف يعيشون وقتهم الحاضر. كذلك فإنّ الشعور بالسعادة بالنسبة إليها، يشجّع الناس على التعلّم بسرعة أكبر وعلى الإبداع في التفكير وحلّ المشاكل بسهولة أكبر، فثمّة بحوث تشير إلى أنّ السعادة تجعل الإنسان أكثر إنتاجية بنسبة 12 في المائة.
وإذ تقول سيبالا إنّه من الجيّد أن تكون للأطفال أهداف يسعون إلى تحقيقها، تشدّد على أنّه بدلاً من تشجيعهم دائماً على التركيز على المقبل وما يليه من الضروري مساعدتهم على التركيز على ما هو في متناول أيديهم.
إلى ذلك، تقول سيبالا إنّ الأهل يحفّزون أطفالهم باستمرار على العمل، غير أنّه من الأفضل أن يدْعوهم إلى الاستمتاع بوقتهم. فالأطفال بالنسبة إليها يشعرون بالقلق وهم في سنّ صغيرة، نتيجة ضغوط المدرسة والرغبة في الحصول على درجات أعلى. وتلفت إلى حالات انتحار ناجمة عن ذلك الإجهاد. وتوصي سيبالا الأهل بتعليم أبنائهم المهارات التي يحتاجون إليها ليكونوا أكثر مرونة في مواجهة الأحداث المجهدة، من قبيل تقنيات التأمل وممارسة الرياضة.
يشكو جان وهو في الخامسة والأربعين من عمره، من أنّ "نصائح أبي المستفزّة أرهقتني منذ طفولتي وأفقدتني ثقتي بنفسي". وجان اليوم عاطل من العمل، بعدما جرّب مجالات عدّة، إذ أخفق وعجز عن الاستمرار. يخبر "العربي الجديد" أنّ "أبي كان يضربني ويؤنّبني بشدّة إذا حصلت على درجات متدنية في المدرسة، وكان ذلك يزيدني توتراً. ثمّ ارتأى أن أبدأ العمل معه لأنّني فاشل في الدراسة. كنت حينها في الرابعة عشرة من عمري وكان العمل قاسياً وشاقاً، فاختبرت حياة البالغين الكبار وقسوتها، وكنت أشعر بالخوف من أخذ قسط من الراحة أو اللعب أو حتى مشاهدة التلفزيون، إذ من شأن ذلك أن يضعني في خانة الكسالى برأي أبي. هو كان يرى أنّ الرجولة تكمن في الاجتهاد والعمل من دون كلل".
ويتابع جان: "ربّما أرادني أبي أن أكون شخصاً أفضل، لكنّ أسلوبه حوّلني إلى شخص جبان يخشى التغيير ويفضّل البقاء في مكانه خوفاً من مواجهة الفشل". ويشير إلى "درس وحيد أفادني، وهو أنّني لا أضغط على أطفالي بتاتاً وأتركهم يعيشون طفولتهم ببراءتها، وأشاركهم لعبهم وأسمح لهم أحياناً بالتغيّب عن المدرسة إذا شعروا برغبة في ذلك". ولا يخفي أنّه "لطالما كرهت تلك المؤسسة وما زلت. فالتركيز هو على اللغة والعلوم والرياضيات بينما كنت أعشق الفن والرياضة، وهي مواد تُعدّ ثانوية في مجتمعاتنا ولا قيمة لها".